الفصل الثلاثون

1.6K 32 29
                                    


ماشاء الله،بارك الله
اللهم صلِّ على محمد وآله
*
*
*

يمسح وجهه بأكمام قميصه الداكن تكاد عظامه تستريح للأبد من شدة التعب ، انتهوا من صد الزحف على شمال أرماء ليفاجئوا بأوامر القائد جهـاد بدخولهم للقسط وحماية المواطنين في مظاهرة السادس من فبراير ، دخلوا من الطريق السري على الرغم من وعورته ثم تفرقوا .. إلا أن عاصي استأذن من المهمة لأخرى بينما فاجأهم جهاد بحضوره بنفسه للتأكد من سلامة يوسف .. لذلك ترك له مهمة الذهاب إلى الجبل للتأكد من أنه أصبح بخير
وهو أتى للمهمة الأخرى وبعد الإنتهاء منها
هاهو يقف أمام منزل عاصي كما طلب منه (قبل رجوعك تأكد من سلامة أهلي )هذه ثالث مرة يطلب منه وبكل مرة يُلبي بخاطر طيّب .. فعائلة عاصي تُعتبر عائلته
ولعله يكفر عن ذنب حضور سكون لذلك الجبل ووقوفها على شفا حفرة من الموت بسبب جنون جلال ! يحمد الله أنه أعادها قبل أن يسقطوا بمصيبة لا وقوف بعدها!

يتجه لعمارة عاصي يديه ببنطاله الأسود ، ساهِم كالعادة وصدره يضج بوجع.. وجع حرب ، وحب
عقد حاجبيه الكثيفين بسبب خروج فتاة من العمارة فوسّع خطواته عندما عرفها قائلاً بهدوء:"السلام عليكم ورحمه الله وبركاته "

شهقت بهلع، تلتفت بصدمة:" بسم الله على نفسي"
اشتدت عُقدة حاجبيه فقال بعدم رضا:" أشيطان أنا  أمامك؟؟"
ارتبكت بحرج:" لا لا، لكن لم أتوقع حضورك "
نظر للطفلة التي ترتدي قبعة على رأسها وتستكين بين ذراعيها تخفي وجهها بالرضاعة
وقال:" إلى أين أنت ذاهبة؟ المظاهرة كانت على أشدّها وآثارها مازالت للآن، و الجنود يشددون الحراسة !"

رمقته شامة بعدم رضا فابتلعت ريقها للحظات وقالت بغيظ:" هل عاصي من وكلك من جديد  علينا ؟"
لم تعجبه طريقتها بالكلام معه ، في كل مرات حضوره كانت تخرج له هذه المدللة وتمطره باعتراضاتها فقال:" بالضبط عاصي ، لذلك ولطفاً منكِ ارجعي للبيت لأن الوقت ليس بوقت مناسب للخروج"

رمقته بحنق، تفكر قبل أن تقول بقهر:" لكن أنا وعدت أفنان بأخذها للبقالة "
ارتبك لوهلة،ليخفي ربكته بتأففٍ يمسك به أعصابه بصعوبة كي لاينفجر بها:" ليرضى الله عنك،ارجعي يا آنسة ، الوقت لا يسمح بدلال أفنان "
قالت باعتراض طفولي: " لكني وعدتها ، و حتى أن البقالة على بعد خطوتين من هنا، لذلك اعتراضك مرفوض يا سيّد ، لو كان عاصي موجوداً لكان ذهب معي وترك عنه هذا التعنت"

صرّ على أسنانه بغيظ وشتم عاصي هو وعائلته غريبة الأطوار خاصةً هذه الطفلة ، رفع معصمه ليتأكد من الوقت المسموح له ثم رفع رأسه يشير لها بيديه أن - تفضلي - ابتسمت بإنتصار وأخذت تتخطاه فمشى على جانب الطريق عيناه على الأرض يرفعها للأمام ليتأكد فقط من خلو الطريق ، لم تحد عيناه لها أبداً حتى وصلا للبقالة
فدخلت بفرحة .. لم تكن بالبقالة الكبيرة المعروفة بتوفر كل الأشياء بها إنما لاتتعدى خمسة أمتار وبها فقط ما استطاع صاحبها توفيره ، سحبت شامة الرضاعة من ثغر أفنان وهي ترفعها لتستقر نظراتها الطفولية على ألعاب الأطفال ، صرخت بحماس فكتمت شامة ضحكاتها بصعوبة وهي تراها تنحني بيديها وتسحب أحد الألعاب ثم تسحب أخرى وأخرى وسط نظرات هشام المبتسمة لها .. لم يضحك ثغره
لكن تعبير عيناه الضاحك كان يكفي ، كان خير دليل أن تلك الطفلة أثارت كل حواسه ، تماماً كاختلاج قلبه في صدره عندما دوى صوت بكاءها عالياً وعجزت شامة عن إسكاتها حتى كادت تهرول للمنزل ، شاركتها البكاء بخوف وهي تحاول إسكاتها:" أفنان ، ما دهاك ياحبيبتي ، ما يبكيكِ ؟ يا ويلتاه"

في الحب راءWhere stories live. Discover now