البارت ١٢ والأخير

116 2 0
                                    

جلس مازن يتأمل أخيه المستلقي على الفراش،مكبل اليدين ،لاحظ تشنج وجهه ورفضه لشيء ما،يبدو إنه يصارع شيء لا يريد حدوثه،تذكر حديث الطبيب معه عن المرض الذي أصاب أخيه ألا وهو (صدمة ما بعد الكرب)
فاق من شروده على همهمات من أخيه فترجل إليه متسائلًا عما إذا كان بخير.
فتح إياد مقلتيه بوهن من ثم نظر حوله بهدوء وتنهد بهدوء عندما لم يجدها ،حاول إحتضان أخيه لكن منعه تكبيل يديه بالكلبشات ،فبدأ في نوبة صراخ مريرة ،حاول مازن تهدأته كثيرًا لكن دون جدوى فاطضرت الممرضة لإعطاءه مهدأ حتى يخلد للنوم ويستريح من ألامه لكنها لا تعلم أن في أحلامه شقاء أكبر بكثير مما يعانيه وهو مستيقظ.
خرج مازن من تلك الغرفة وهو يحاول كبح دموعه التي تصرخ طالبة الهطول فربما هطولها يقلل من تهشم قلبه الذي بات لا يتحمل كل تلك الصدمات .
توجه لغرفة الطبيب سائلًا إياه عن إمكانيه شفاء أخيه من ذلك المرض أم لا
- طبعًا ي فندم فيه أمل،دي حالة نفسية مش أكتر وبالعلاج هيرجع كويس متقلقش .
خرج مازن من مكتب ذلك الطبيب داعيًا ربه أن يخفف ذلك البلاء ،ولكن قبل أن يخرج من المشفى اتاه أتصال من رقم يعرف صاحبه جيدًا
-أنتِ ليكِ يد في اللي حصل لإياد؟
ضحكت بشدة وهي تجيب سؤاله مردفة:
- بصراحة لا ،أخوك مكانش في حساباتي بس شوف القدر أما يحب يساعد حد
-عايزة إيه ي أسيل ؟
- اللي أنا عايزاه أنت متقدرش عليه ي مازن،عموما أنا كنت متصلة أقولك أن شهد فاقت وفقدت النطق والحركة من الصدمة وعايزة اقولك إن فرحة لو مأخدتهاش تعيش معاك في نفس المكان اللي فيه شهد هقتلهالك هي وابنك اللي باقيلك ،أغلقت الخط بدون إنتظار رده ،لتترك الأفكار تنهش في ذاكرته،كمرض فتاك ينهش في جسد الإنسان حتى ينهي عليه تمامًا.
خرج متجهًا للمشفى التي تمكث بها شهد وقلبه يكاد يخرج من مكانه من شدة خوفه،بماذا سيجيب عن اسألتها، لا يمتلك أي تبرير يعطيه لها
************************************

عادت إلى وعيها وهي تشعر بألم رهيب في رأسها يكاد يفتك بها ،فتحت عيناها ببطئ فكانت الرؤية مشوشة أمامها لكنها بدأت تتضح شيئًا فشيئًا.
بدأت تنظر حولها بهدوء من ثم بدأت تتذكر ما حدث قبل فقدانها الوعي وما إن تذكرت من رأت حتى بدأت دقات قلبها تتسارع ،زخات العرق تتناثر على جبينها بشكل عشوائي .
-أهدي يا حبيبتي مش كدا،قلبك هيقف من الخوف
نظرت لمصدر الصوت ،نعم إنها هي شقيقتها الوحيدة (نور)
اقتربت منها نور رويدًا رويدًا وهي تمسك عدة أوراق في يدها من ثم ألقت تلك الأوراق في وجه فيروز مردفة:
- أمضي يا فيروز،وقبل ما تسألي عن أي حاجة ،ده تمن كل اللي عملتيه معايا،رغم إنه شيء قليل جدًا ،لكن معلش ،أحنا أخوات برضه.
قالت جملتها الأخيرة مستهزأة وما إن نظرت فيروز إلى الأوراق حتى جحظت عيناها من شدة الصدمة
- أنتِ للدرجاتي ساذجة يا نور،أمضيلك تنازل عن كل حاجة حتى عن ميراثي بعد موت بابا!!
ضحكت ضحكة مدوية فنظرت لها نور بهدوء شديد ،ثم أحضرت زجاجة ما ،تفوح رائحتها بطريقة بشعة .
- أنتِ أضعف من إنك تحرقيني يا نور ،فمتحاوليش تهدديني،فكيني كدا زي الشاطرة ،وعشان أنتِ أنقذتيني من مراد،أنا مش هحاسبك على غلطتك معايا دي.
صمتت نور قليلًا من ثم بدأت بسكب البنزين بهدوء شديد حول فيروز التي دب الذعر في قلبها،فيبدو أن شقيقتها التي كانت أضعف من غصن شجرة،تجمعت قوة العالم فيها الآن.
اذدردت لعابها بهدوء من ثم خرجت حروفها بتعلثم قائلة:
-أعقلي يا نور،أنتِ كدا هتوصلي نفسك لحبل المشنقة
- معنديش حاجة أبكي عليها يا فيروز،على الأقل كدا هكون خدت حقي منك.
أخرجت عود كبريت وقبل أن تشعله صرخت فيروز قائلة:
حاضر حاضر همضي
ابتسمت نور بهدوء من ثم أمسكت فيروز ذلك القلم وبدأت توقع على جميع الأوراق لكنها توقفت عند ورقة معينة وعندما نظرت في الورقة التي تليها جحظت عيناها فنظرت إلى نور مردفة:
ايه دخل مراد في اللي بينا؟!
عند تلك اللحظة خرج مراد من إحدى غرف تلك الشقة وهو يضحك بشماتة مردفًا:
-مفكرة محدش غيرك يقدر يلعب يا زوزو ولا ايه ،خطتك اتقلبت عليكِ يا حبيبتي ،يلا أمضي على تنازل عن كل حقوقك لو حبيتي تتطلقي وكمان عقد إحتكار للعمل معايا أنا وبس
ترقرقت الدموع في عيناها فلم يأتي في أسوأ في أحلامها أن تكون تلك هي نهايتها ،ظلت تبدل نظرها بين أعواد الثقاب والبنزين الذي يحاوطها من ثم وقعت على ما تبقى من أوراق ودموعها تنساب بغزارة .
-ده أقل حاجة ممكن تتعمل فيكي،بعد ما دمرتي علاقتي بأهلي وخليتهم يقاطعوني،لا ومكفكيش كمان جاية لجوزي تحاولي تاخديه مني هو كمان لا فيروز ،الظلم مش هيفضل ينتصر طول العمر بالعكس ،انتصاره بيكون انتصار مؤقت،ووفري دموعك دي لأن مراد لسه مأخدش حقه منك،ثم تعالت صوت ضحكاتها عاليًا وهي تخرج من تلك الشقة تاركة تلك الحية تتلقن عقاب ما فعلت ،توجهت إلى منزل والدها وهي تقدم قدم وتُأخر الأخرى ولكنها استجمعت شجاعتها ودلفت ذلك المنزل الذي مُنعت من دخوله لسنوات عديدة.
دلفت للمنزل بهدوء وما إن رأاها أخاها حتى أسرع ؛ليأخذها بين أحضانه لكنها أوقفته بشاره من يده مردفة:
- متقربش،مفيش داعي تمثل دور الحنين عليَّ .
بدأت تنادي على والدها ووالدتها الذان ما إن سمعوا صوتها الذي أشتاقا له كثيرًا ترجلوا مسرعين ليقابلوها ولكنها منعتهم من الأقتراب منها أيضًا .
نظر لها الجميع بصدمة فلم يتوقعوا ردة فعلها تلك قط
-أنا مش جاية أصلح علاقات أتكسرت ،أنا جاية أفهمكم وأمشي على طول،لأني مستحيل أقدر أنسى اللي أنتوا كنتوا عايزين تعملوه فيَّ.
اقترب منها الأب بهدوء مجيبًا على قوتها الذائفة :
- أدم ومراد عرفونا كل حاجة يا نور ،أحنا ظلمناكي يا بنتي بس
- بس إيه يا بابا ،كله بسبب فيروز صح،فيروز اللي قولتلك إنها بتحاول تدمر حياتي قبل ما أدم يتقدم حتى وأنت مصدقتنيش وفيروز برضه اللي خلتك تحاول تنزل اللي في بطني عشان ماحملش من أدم؟!
صدقتها هي وأنا لا،صدقت إن أدم طمعان فيا وفلوسي وإن غلطت معاه عشان كدا مصممة أتجوزه مش كدا؟!
كادت تقول تلك الكلمات ونيران تنهش في قلبها،نعم لقد تحملت الكثير بسبب تلك الأفعى التي كانت كل مهمتها في تلك الحياة ،تدمير حياة كل من يعرفها.
انهالت دموع كل المستمعين كشلال من الدماء ،لقد اخطأ الجميع في حقها كثيرًا
نظرت إلى أخيها من ثم خرجت حروفها كنيران تحرق قلبه الذى قسى على صغيرته كثيرًا ،فلطالما كانت هي مدللته التي لا يقوى على رؤية دموعها .
- ولا أخويا الكبير ،سندي اللي جابلي واحد قد أبويا أتجوزه واداله فلوس عشان مايتكلمش،ماهو كمان صدق إني بيعت شرفي
لا وزعلانين أوي إني هربت،كنتوا عايزيني أفضل قاعدة علشان الهانم تدمر حياتي أكتر كمان وكل واحد فيكوا يعمل ما بداله فيا مش كدا؟!
صرخت في نهاية جملتها من ثم حركت رأسها بأسى وهي تنظر لوالدتها مستهزأة:
- بتعيطي!! لا وإيه الجديد ،ما طول عمرك سلبيه في أي حاجة تخصني ،أي حاجة فيروز تقولها هي اللي صح لكن أنا لا ،شوفتي نهاية دلعك فيها ؟!
عمومًا ملهوش لازمة الكلام ،أنا هسافر برة البلد مع جوزي،نبدأ حياة جديدة ،نحاول ننسى كل الألم والوجع والخذلان اللي اتعرضنا ليه ،لكن أنا عايزاكوا تعرفوا إن الزمن ممكن يخليني أسامحكم لكن عمره ما هيخليني أنسى اللي حصلي بسببكوا ولا هيداوي الجرح اللي عملتوه فيا .
حاولوا كثيرًا معها لترجع في قرارها فيكيفهم من بعدها ما قضوه،ولكن كأن قلبها تحول لحجارة لا تسمع فعندما يتحمل القلب أكثر مما يستطيع يقف عن حب الأشخاص،حتى لو كانوا أقرب الناس له.
خرجت من ذلك المنزل وجدت أدم بانتظارها ،احتضنته بقوة وسمحت لذلك القناع المزيف الذي ترتديه بالسقوط أمامه،فهو الملجأ الوحيد لها منذ أن أعتطها الدنيا مُرها لتشربه رغمًا عنها،مر وقت وهي تبكي بينما هو أكتفى بضمها لصدره بقوة من ثم عادا لمنزلهما ليستعدوا لسفرهما لبلد أخرى ،بلد يستطيع فيها حبهم أن ينتصر دون حروب أو صراعات
************************************

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 05, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

وللقدر رأي أخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن