الفصل الخامس والأخير

66 4 10
                                    

الفصل الخامس:


سارت خطة نادر كما أراد وقد حكم على حلمي بالحبس ستة أشهر، وأثناء سير القضية قد باغتهم " نادر" برفع قضية ضم حضانة مادام عمر قد اتم عامه الخامس عشر، وأيضًا طالب بإعاء " عمر كافة حقوقه وميراثه من أبيه وتكون والدته واصيه عليه حتى يبلغ سن الرشد ويستطيع هو التصرف في شؤون نفسه،
حال أميرة تبدل بين يوم وليلة فباتت مطمئنة على وجود ابنها معاها للأبد، والذي زادها طمأنينة هو التعهد الذي اتخذته النيابة على كل فرد من عائلة زوجها المتوفي بعدم التعرض لها، الطريق أصبح سهلًا أمامها للعيش بأمان وهدوء، في خضم هذة الأفكار قفز لعقلها صورة " أحمد" وهو يبتسم اها بحنان كعادته، أغمضت عينيها علها تستطيع الإحتفاظ بطيفه مدة أطول ؛ لكنه سرعان ما أختفى، وقف " عمر" أمامها يشيعها بنفس النظرة، غمرته بأحضانها تستنشق عبيره وتفتش بداخله عن حبيبها الراحل.

كانت سعاد بداخل قاعة المحكمة بصحبة ابنها الأصغر والذي نزل من السفر حينما علم بالأمر، نطق القاضي بالحكم لصالح " أميرة" فتهللت أساريرها وانفرج ثغرها ببسمة رائعة جعلت ذاك المتابع لها من بعيد يخفق قلبه طربًا لها وكأن ابتسامتها أعطت نغمًا موسيقيًا له، خرج الجميع وقد ارتسمت علامات البهجة على وجوه البعض، والحزن والغضب على البعض الأخر، فور خروج أميرة لحقت بها سعاد وهي تحاول التحكم في مقعدها المتحرك، هتفت عاليًا باسمها، التفت إليها الأخرى في استغراب، وجهت سعاد نظرات غل وكره لها وقالت:
" ارتاحتي كدا، مكفكيش اللي راح سجنتي التاني هو كمان بعد ما كان هببقى عوض عنه ، فكرك كدا بتحرمبني من حفيدي!! لا بكرا لما تتجوزي وتسيبه مش هيلاقي غيرنا وساعتها نجوم السما اقرب لك من شعره منه"
ألقت كلماتها السامة بوجهها غير مراعية لمن حولها، نظرت لها أميرة ببرود واقتربت منها ممسكة بيد عمر وهي تقول بحزم وثقة:
"  أحمد الله يرحمه محدش يعوض مكانه، ولا حد يقدر يكون بديل له، حكاية سجنت ومسجنتش اللي ابتدا بالغلط وحرق قلبي على ابني يستحمل لعبته وعواقبها للأخر، أما بقى اتجوز فدا ميخصش حد وابني محدش هيقدر يمس شعره منه، وأنا عمري ما كنت هحرمك من حفيدك بس أنتوا اللي ابتديتوا والبادي أظلم"
ردت عليها بكلمات جعلتها تبتلع لسانها ولا تقوى على التحدث، سحبت يد ابنها وذهبت تجاه أخيها بخطوات واثقة، عزمت على طي صفحتهم بل وتمزيقها، ستكرس كل مجهودها لأجل وحيدها فهو في أشد الحاجة لها بعد ما تعرض له من أزمة نفسية كادت أن تصيبه بأذى، ودعت فترة لا تنسى من عمرها بل ندوبها ستظل عالقة بذهنها؛ لكن عليها التناسي والمضي قدمًا فالمستقبل أمامها ستجاهد كي تجعله أفضل لاجله فقط، فالحياة تمنحنا الفرص فعلينا التبث بها واستغلالها لصالحنا فلربما لم تأت مرة أخرى.

                                   ******


مرت الأيام العصيبة عليها كالخريف حيث تساقطت أوراقها الذابلة؛ كي تهيء نفسها لازدهار براعم الأمل من جديد، تضفي على حياتها ألوان البهجة والسعادة وكأنها تحييها من جديد.


                              *************

هناك شعور بالدفء يحيط بهم يمنحهم السعادة والراحة، فحينما تفوح القلوب بالمحبة والود تزهر ورود الألفة فتشعر بالراحة والسكينة.
كانت أميرة تجلس بصحبة " مريم" التي لم تفارقها طيلة النهار، حيث أصر " عمر " على الجلوس معها وفي المساء يذهبوا لشقتهم، حاولت الإعتراض ؛ لكن بلا فائدة، جلس عمر بجانبهم وأخذ طبق الفشار يلتقط منه بنهم وهو يتابع إحدى مبارايات كرة القدم لفريقة المفضل، ظلت تراقبه وهو ينفعل تارة ويشجع بحماس تارة أخرى، تتابع مشاكسته لزوجته بلطف وتبتسم بداخلها عليه متمنيه لهم السعادة، سمعته وهو يمازح " مريم" ينما الأخرى يبدو عليها الحنق، فقال "عمر" بمرح قاصدًا إثارة حنق زوجته:
" يا بنتي إيش فهمك أنت في الكورة، مش هجيب أنا برنامج العك دا وفي الأخر تقومي تعملي بيض أومليت "

ردت عليه بحنق مصاحب بلمحة حزن كونها غير ماهرة في أمور الطبخ، فقالت:
" أنا والله بحاول يا عمر بس معرفش مش بتظبط ليه"
أمسك يدها بحب وطبع قبلة عليها وقال بحنان:
" إيه التكشيرة دي!! ولا يهمك يا حبيبي، ولو هتفضلي العمر كله كدة هفضل أكل كل اللي بتعمليه كفاية عليا أنه من إيدك"
ابتسمت بخجل ونظرت له بحب يفيض من عينيها، كانت أميرة تتابع بعيون تلمع من كثرة السعادة، فها هي أخيرًا رأت الحب بعين صغيرها وزوجته واطمأنت عليهم، شردت في حبيبها الذي بلغ شوقها إليه عنان السماء فهي تريد لقاءه وقد فاض حنينها.
نظرت لابنها بحب وحنان وقالت:
" عمر أنا هدخل أنام، خد مراتك يا حبيبي وروح شقتك"
نظر لها بابتسامة مرحةوقال بنبرة درامية مصطنعة:
-" بتطرديني يا أمي!!!! دي أخرتها، يالا يا مريم قدامي احنا بنتطرد وانت بتضحكي، وشوية وهتقفي في صف ماما وتطرديني أنا كمان"
اقتربت والدته مكوبة وجهه بين يديها وقبلت جبهته تلتها بأخرى على وجنته وقالت بحنان:
" مقدرش يا حبيبي دا بيتك قبل ما يكون بيتي، كل ركن هنا فيه ذكرى ليك وكل حتة في البيت فيها لمسة من إيدك،  كل زواية تشهد على عمرك وأيامك،  خد بالك من مراتك دي بتحبك ومبتستحملش تشوفك زعلان، متزعلهاش"
رد مبتسمًا:
" يا حبيبتي دا أنا بهزر،  وبعدين دا بيتك مملكتك يا أميرة المملكة"
ربتت بكفها على وجنته بحنان، ونظرت لمريم بحب وقالت:
" خدي بالك من الواد الشقي دا، هو غلباوي بس حنين وطيب، يالا تصبحوا على خير."
تركتهم واتجهت صوب غرفتها مبتسمة باتساع، ذهبت للمرحاض وتوضأت ثم تناولت مصحفها وقرأت وردها كما تعودت، بعد قليل وضعته جانبًا واستلقت على الفراش متمسكة بالقلادة الخاصة بها، هدية زوجها الراحل وقد انفرجت شفتيها بابتسامة وقالت براحة واطمئنان:
" الحمد لله يا أحمد أنا أطمنت على عمر مع مراته كدا ارتحت ربنا يسعدهم ويبعد عنهم كل شر، وحشتني أوي يا حبيبي حاسة إن هجيلك خلاص ولقاءنا قرب"
تدثرت بالغطاء جيدًا وهي تنظر أمامها بابتسامة تزين محياها الجميل، تمتمت ببضع كلمات وبعدها أغمضت عينها بهدوء تام وربما يكون دائمًا ، روحها تنشد الرحيل لمن فارقها فترجو رؤيته، فالشوق أسهدها وقد طال الأمد وانهكها الحنين وقد حان الوقت  الذي يجمعها بمعشوق الروح وجاء موعد " اللقاء المؤجل"

• تمت بحمد الله*

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: May 28, 2023 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

لقاء مؤجلWhere stories live. Discover now