الجزء التاسع

25 2 2
                                    

ذكرت الله كثيراً وكنت قد قرأت سورة الملك والأذكار قبل أن أضع رأسي على وسادتي، إستدرت بجهة معاكسة لعمر فخشيت أن يزعجه ذلك فإستدرت له، كان ينظر إليّ ببراءة وملامحه الجذابة كانت تجعلني لا أكف عن النظر إليه والإبتسام..
قال بصوت هادئ:"أنا سعيد للغاية لأنكِ بجانبي"
ولا أدري كيف تخدرت بملامحه ونبرة صوته فقلت له:"وأنا كذلك"
توسعت إبتسامته الجميلة ليقول بعدها:"نامي الآن"
قلت له:"حسناً تصبح على خير"
فقال:"وأنتِ من أهلي"
ضحكت أنا ضحكة خفيفة ثم أغمضت عيناي ورحت أجول في بلد الأحلام.
إستيقظت كعادتي لأصلي قيام الليل وبعدها أصلي الفجر، كان عمر نائماً ولم أود أن أبقيه نائماً ليضيع أجر هذا الوقت، ذهبت للحمام غسلت وجهي وتوضأت ثم ذهبت لعمر وبدأت بإيقاظه ببطء قائلة:
"عمر إستيقظ للصلاة، عمر إنهض ودعنا نصلي مع بعض"
فتح عينيه وعلى ما أظن أنه كان يمثل النوم فقط.
إبتسم وقال:"صباح الخير"
قلت له بخفوت:"أي صباح؟ لا يزال الوقت ليلاً!"
قال:"ولما الشمس قد ظهرت إذاً؟"
فهمت قصده فضحكت بشدة وقلت:"إنهض الآن وإلا سأسابقك بالصلاة"
فنهض من مكانه وذهب ليتوضأ وبعدها إرتدى عباءته، فرشت السجادات ووضعتها بجانب بعض، صلينا ركعات وكنت أشعر بطمأنينة تسري في أعماقي، قمنا بتلاوة سورة العنكبوت وقام عمر بتجويدها وكان تجويده ما شاء الله تبارك الرحمن، أصغيت له بكل حب وكنت أرى في عيناه لمعان وكأنه سيبكي، وبالفعل بكى وكان هذا من شدة تأثره، مددت يدي ومسحت دموعه فإبتسم وأكمل تجويده، بعد مرور نصف ساعة طرق باب الغرفة وكان والد عمر، إستجاب عمر لندائه وفتح الباب..
قال له:"يا عمر هل أيقظتها؟"، كان يقصدني أنا..
فقال له عمر:"كلا، بل هي التي أيقظتني"
فقال والده:"ما شاء الله تبارك الرحمان، إذاً فلتخبرها إذ ما تود الذهاب للمسجد معنا لتصلي الفجر!"
سألني عمر فأومأت له برأسي، فقال لوالده:"عائشة تود الذهاب يا أبي"
فقال والده:"الحمد لله، مع الأسف أمك لا تستطيع الذهاب فكما تعلم فهي مريضة"
أومأ عمر برأسه فذهب والده وأنا كنت قد أخرجت حجابي..
قلت لعمر:"أتدري؟ والدي لم يكن يأخذني معه للمسجد بتاتاً وكلما طلبت منه الذهاب مع النساء الكبار يرفض، وأنا سعيدة اليوم لأنني سأذهب أخيراً إلى المسجد"
قال عمر:"وأنا سعيد لأنني سأذهب معك"
إرتديت حجابي وذهبنا، كانت يعانق باطن يدي ووالده على يمينه يلتفت إلينا من حين لآخر ليبتسم بسعادة، أوصلني لمصلى النساء وذهب هو لمصلى الرجال، وأخيراً واحدة من أمنياتي تحققت، بعد الصلاة قرأت سورة يس وبعضاً من السور القصيرة، ثم سمعت فتاة تناديني من الخلف، إستدرت فوجدتها إمرأة كبيرة..
نهظت وقلت لها:"سمعتكِ تناديني، عساه خير؟"
قالت:"كنت أنوي الخروج فصادفني شاب في طريقي أعتقد أنه أخيك فقد طلب مني أن أنادي عليكِ إذا إنتهيت لأنهم عائدين للمنزل"
ضحكت بخفة وقلت:"إنه ليس أخي، إنه زوجي يا عمتي"
قالت:"سبحان الله حسِبته أخيك وقد أخطأت أعذريني، سأترككِ الآن في أمان الله وحفظه وإن شاء الله نلتقي مرة أخرى"
قلت لها:"ٱمين"
ثم ودعتني وذهبت أنا لأعيد المصحف لمكانه ثم خرجت، وجدت عمر جالساً بعيداً قليلاً عن الباب ينتظرني، ناديت عليه فنهض وأتاني هرولة..
قال:"هل يمكننا الذهاب الآن؟"
أومأت أنا برأسي إيجاباً ثم قلت:"ولكن أين هو عمي؟"
قال عمر:"لقد عاد للمنزل لا يود أن يدع أمي لوحدها لفترة طويلة، على كل حال ما دام الظلام لم يرحل بعد لنتجول قليلاً فالجو هادئ وبارد ينعش الجسم"
وافقته الرأي ثم تجولنا في شوارع المدينة ومررنا بالبحر، ثم عدنا للمنزل، وجدت أن والدا عمر قد عادا للنوم..
فقلت لعمر:"عمر ما رأيك أن أصنع لك أحلى فطور تذوقه في حياتك؟"
إبتسم عمر وقال:"وكيف يمكنني رفض هذا العرض!! لكنني أخاف على عائشتي من الضرر لذا أود مساعدتها"
قلت له بحماس:"ولو يا عمر بالنسبة لعمري فهو صغير جداً لكن عقلي لا تمتلكه أنثى في الثلاثينيات، لذا أودك أن تتنحى جانباً، ستذهب معي للمطبخ وتجلس بهدوء وأنا سأحضر الفطور اللذيذ"
وبعدها ذهبنا للمطبخ وشرعت أنا في صنع الفطور من موهبتي المذهلة في صنع الطعام، وكان عمر يجلس بمقابلتي ويلقي عليّ مواعظ وأحاديث ومن حين لآخر يلقي نكتة، بعد ما يقارب الساعتين كنت قد جهزت الطاولة بأحلى وألذ فطور، وكان عمر منبهراً حقاً وكأنه كان يظن أنني كنت أمزح ولن أستطيع فعل شيء..
دخلت جمانة أم عمر وقالت:"ما هذه الرائحة الجميلة؟"
ثم أضافت عندما رأت الطاولة:"ما شاء الله ما كل هذه الأطباق اللذيذة والشهية!! من قام بتحضيرها؟"
ضحكت أنا بخفة وقلت:"أنا من حضرت كل هذا"
إقتربت مني وقالت:"هاتِ قبلة على الوجنتين وعناق لطيف يا أحلى فتاة"
فقبلتني ثم عانقتني، فقال عمر بوجه طفولي:"لما يا عائشتي؟ سرقتِ أمي مني"
فضحكت أنا وجمانة بشدة، فدخل والده وقال:"ما شاء الله، ما سر هذه الضحكات؟"
قالت جمانة:"أنظر لولدك يا صالح إمتلكته الغيرة عندما عانقت كنتنا الجميلة"
فضحك صالح وقال:"بسم الله ما شاء الله، من حضر هذه المائدة؟"
فأجابته جمانة وهي تربت على كتفي:"إنها كنتك من حضرتها"
فنظر إليّ وقال:"سأقدم لكِ هدية إمتناناً لهذا الفعل الذي قمتِ به يا بنيتي"
فقال عمر:"تدللي يا عائشة، تدللي"
فضحكت أنا لغيرة عمر وقلت موجهة كلامي لعمي كريم:"ولو يا عمي أحببت أن أحضر اليوم الفطور لأنني في منزلي لم تكن أم مريم تتركني أحضره لأنها تخشى أن أؤذي نفسي ولكنني قبل مرض أمي ووفاتها كنت أتعلم من عندها ولذلك قررت أن أحضر الفطور يومياً، وأما عن الهدية فأنا أقبلها بكل حب يا عمي"
إبتسم عمي وقال:"أسأل الله أن يسعدك ويرزقك راحة البال والطمأنينة يا غالية"
فقالت جمانة:"ٱمين، والآن دعونا نتناول الفطور قبل أن يبرد وخاصة أنني أكاد أموت من الجوع"
فجلسنا وتناولنا الفطور وتلقيت بعض المديح من كل من جمانة وكريم أما عمر فكان يأكل ثم يأخذ وقتاً وهو ينظر إليّ وإبتسامة تزين وجهه.
بعدما غسلت الأواني وكان عمر قد مدّ لي يد العون، ذهبت للشرفة وحملت كتاباً من مكتبة عمر وجلست أقرأه ثم فجأة تذكرت الدروس، ناديت على عمر فأتاني مهرولاً..
قلت له:"يا عمر كنت قد طلبت منك قبل البارحة أن تلخص لي الدروس التي فاتتني وأن تشرحها لي في وقت سابق، هل لخصت؟"
قال عمر:"نعم لخصتها وإذا أردتِ يمكنني أن أعطيها لكِ وما لم تفهميه سأشرحه لكِ"
قلت له:"حسناً أحضرها بسرعة ولتدعنا ننتهي منها لأتفرغ لأشياء أخرى"
أحضر المستندات ودرسناها مع بعض والحمد لله إستطعت إستوعابها كلها، بعدما إنتهيت جلست بجانب عمر وقلت له:"عمر حدثني قليلاً عن سيدرا ولما هي متصلبة هكذا؟".

زواج بدون قيودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن