ابتعد

1 0 0
                                    

جلست بمحطة المترو تتأمل، و مرة على مرة تأخد شهيقا قويا تُدخل به كل هذا الهواء البارد الى صدرها لتزفره بُخارا ساخنا من فمها

تُحب هاته الحركة و هي تستشعر انها شخص يستطيع تحويل الامور القاسية، الجلفة و الغير مراعية الى عكسها

ان تقدم لمسة حانية لهاته الحياة، بكل اشكالها و ألوانها و طباعها

تحركت اصابعها و هي تنقر مرة على رجلها و مرة على الكرسي و كثيرا على الكتاب المتوسط ليديها، و عينيها مرميتان بكل مكان غير نفسها

لسماء و سحباتها، و للعشب و اخضراره، و لكل غريب لا تعرفه ماضيا او ستعرفه مستقبلا

بدأ الاشخاص بنهوض، اذن المترو قادم، عندما ترمي عينيها تراه بعيدا، بعيدا لدرجة تتسائل

لما هم مستعجلون هكذا ؟

و تمدد جذعها لحظتها لتستمع لطقطقة عظامهاو هي تعيد ادخال كتابها للحقيبة، اذن ...ماذا بعد ؟

ستصعد للمترو، و ستخطو بهدوء، و تجلس قرب اي خلق من ادم، لن تحاول اليوم فتح حديث، لأنها اغلب الاحيان لا تحاول، بل تفضل التأمل من الزجاج

الا ان الزمن لم يسعفها، عدم استعجالها جعلها تتكئ على هيكل المترو و عيناها تشاهدان فقط ما وراء زجاج الابواب

احست للحظة ان شخصا يناظرها، من ذاك الذي يفعل؟

ادارت راسها للحظات و تصادمت اعينها معه، و رغم سكونها التام الخارجي، الا ان قشعريرة زعزت كيانها كما هو

ابتسمت، و لوح هو ..تتذكر اول ذكرى لها في المترو، بدأت تستقله لتراه فقط، و لليوم حتى صعدت رفقته، الهذا هي غير متفاجئة ؟، لإيمانها انها ستلتقيه عاجلا ام اجلا

ايجب ان تخطو اليه و تحادثه ؟ ام انها حركة غير لائقة ؟ غير لائقة امامه ام امام الناس ؟

لم تفكر كثيرا و خطت حتى صارت جنبه

" السلام عليكم "

ابتسم بترحاب و رد عليها

" و عليك السلام "

دون تفاصيل او مقدمة اطرقت تتحدث

" انتهت السنة "

ضحك و هو يوافقها

" نعم، حقا البارحة فقط كنت اتيا و ناقما من حياتي، و ها انا اليوم ارى انتهاء عمرا منه "

نظرت له للحظة، و تأملته خلسة و هي تحفظ ردات فعله و تسائلت للحظات، الى متى ستبقين تحفظنيهم ؟

" هل انت مرتاح الان ؟ بما انك كنت ناقما البارحة "

عقد حاجبيه للحظة و تلك عادته بما يخص التفكير، الا انه فردهما و قال مبتسما

" والله يبقى الشخص ناقما كل حياته حتى يصل لما يرضيه "

ارخت ملامحها و قالت

" ان شاء الله تصل لما يرضيك "

" اللهم امين "

لم تنظر له هاته المرة بل فضلت الباب الذي يغلق و هي تسأله

" هل سأراك السنة القادمة ؟ "

احست به يناظرها و هو يجيب مبتسما كعادته

" الله اعلم، ارجو ان لا اكون "

نظرت له للحظة و خرجت عن موضوع الحديث ككل و هي تناظره، كأنها تتحداه بنظراتها

" استبقى تستعمل عقلك كل حياتك ؟ "

استفهم و هو يسأل

" كيف ؟ "

حركت يديها و هي تشرح

" استبقى كل حياتك و انت تتخد قرارات حياتك من بعد تفكيرا راجحا لعقلك ؟ ألن تقدم لنفسك قبل مرحلة الشيخوخة مرة لتحس  "

ضحك و هو يجيبها، الا انها لم تبتسم، كانت جدية حقا و هي تغمض عينيها بقوة و تفتحهما، كانت النظرة تتشوش و لا تعلم لماذا

" نعم سأبقى، لأن هذا هو الأفضل لتعيش بهاته الحياة، الحياة التي  لن ترحم اي منا من سوداويتها "

احست بمزيج قوي من الغرور و الحقد ينبعث منه، فأجابته مطرقة

" هذا لا ينكر ان الخيار الثاني يجعلك تعيش حياة اسوء "

نظر لها للحظة و قال و هو يرمي حقيبته لليد الاخرى حتى يشرح بيده الاقرب لها

" كعدم الندم ؟ ربما، غير ان الندم ينقضي من شخص لأخر بالتغير، هناك من يندم لأنه سمع لمشاعره و اخر انه فعل مع منطقيته "

صمت الاثنان، لم تتحدث هي و لا هو، فضلت رمي بجذعها على هيكل المترو من جديد و هي لا تنظر إليه، الا انه قد فعل، فعل كثيرا ..

كنوع من فرط الحركة لديه، او تفحصا لمن جنبه

و للحظة خطر لها جملة زميلة لها ' تليقان ببعضكما حقا '

و ابتسمت لحظتها، هل لمن يركب المترو نفس الرأي ؟

عندما احست ان موعد النزول اقترب، ربما لشعورها انه يستعد، استدارت له بسرعة بطيئة و قالت دون مقدمات

" لا تجعلني التق بك العام القادم "

بدا منهدشا للحظة، و مستفسرا لأخرى، كلام يدل على معادية، و نظرة تدل على ...حزن؟

فأكملت كلامها

" فقط ابتعد عن مكان يجمعنا، اعلم انه حتى لو مرت سنين طويلة، لن نجتمع، لدى ارى انه من الاحسن ان لا اراك او ابصرك، و انا ادرك انك شخصا لن يكون لي ابدا "

اراد ان يقول شيئ، الا انها لم ترد ان تسمع بل فقط ان تتكلم، و هي تحاول التمسك بأعصابها و الشرح له

" لست اكرهك، و لكنني حقا احبك، و الشيئ الصعب ان ذكراك ككل لم اجد بها ما استطيع ان اعيبك به، انت لا تفهم شعور التفكير بك طويلا، التحدث عنك و مقارنة الاشخاص بك و تذكرك الدايم و حتى الكتابة عنك و تفضيل ما تفضل، لهذا اريد هجرا جميلا، اضع ببالي ان اغير المؤسسة العام القادم، الا انني اذا لم استطع، ففعل انت، لأنني حقا تعبت من الغض عن الامر "

وصلت لمحطتها فبتسمت و قالت دون حتى ان اقدم له فرصة بالكلام

" اهتم بنفسك، سعدت بمعرفتك " 

قصصWhere stories live. Discover now