IX . اَلفاَنس

219 20 43
                                    


أُمسِية العاشِر من شهر أيلُول
بِداخِل المُعتقل .
لانكستر

كانت الحجرة الضيقة مليئة بالظلام المُطبق، تاركة فراغًا يلتهم الروح والجسد على حد سواء. الجدران الباردة والمبلّلة تلتصق بالبشرة المتورمة، مُزججة بصوت البرودة المستفحلة التي لسعت أطرافها المتيبسة. لا هواء يتنفس، لا ضوء يسلك مسارًا طاهرًا لينتشلها من العتمة. كل ما يخيم في الهواء المعتم هو نبضات الخوف على أوداجها المنتفخة وتجاويف الصراخ المكتومة بالأنفاس المحرومة عن الروح المرتعبة .

الظلام لا يرحم، يكشف بلا هوادة ما تستره طبقات الضباب الكثيف. الجسد يُعذب بلا رحمة، ينحني تحت وطأة الأقوى، ويستجير من همسات الوجع المتواصلة ، ومن أنين الألم كانت تصرخ بعذاب إلتهم جسدها دون هوادة .

الأسلاك الكهربائية تنسج قصائدها المؤلمة حول الأطراف الضعيفة، تُلقي شراراتها الشيطانية التي تنهش اللحم بطريقة تخلق ألوانًا من العذاب في فضاء الظلام. يتعذّب الجسد والروح على حدٍ سواء، وكأن التعذيب هو شريط لا نهائي يعيد تشغيل نبضات الألم منذ البداية ، وتتكرر الأسطوانة مجددا في سيمفونية دموية تعزف على الأجساد الواهنة .. تعزف على جسد آليسيانا موسيقى الموت .

وتتلاطم أصوات صراخها المكتوم بين الجدران، تتسابق مع صدى المعاناة التي تصم الأذن. كأنها مسرحية مظلمة يتحكم بها قائد الآلم بينما يجلس في الظلال السوداء، يشاهد المأساة ويستمتع بعذابها .. يشاهد كيف تُجر الأضحية إلى مذبحها ويضحك .

التعذيب يلهم الرعب والفزع، يجرف الضحية إلى حافة الجنون والجزع، حيث لا مفر ولا أمل للنجاة. فترة الصمت المزعومة قد تكون ساعةً من الألف سنة، وتكون كل ثانية غروبًا تصقل شفرة الجرح العميق.

في غياب الرحمة والوجدان، ينتصر التعذيب ويُغرق الحقبان بسمفونية الرعب. يروا الأرواح العُذّابة ويبكون الأجساد الممزقة، بينما يتعاظم صدى العذاب في الفراغ المظلم، يتوغل في الأبعاد الغامضة والأزمنة اللا محدودة.

وحين يتم سلبها القوة ويسقط الجسد الواهن على الأرض صريعا تُمزّق ثيابها وتبقى عارية على خشبة الرحلة الأخِيرة ..

كان إسمها مذبحة السجن .. يتم توقيف المساجين على تلك الخشبة الملوثة بروائِح الدماء الممتزعجة بصدى الصرخات واللطخات الكريهة وبعد أن يتم تجريدهم من كامل ملابسهم ، يأتِي السَجّان مع حبال الكهرباء اللاسعة التي تلتهب أفواهها لتلتهِم الجلد الضعيف ودون رحمة يتم جلدهم بها لساعتين دون توقف .

مصحة لانكَستر لم تكن عادِية كما تبدو ، بل خلف تلك اللافتة الكبيرة جَرت جداول دموية عبر الجدران .. وخلف بوابة الإغلاق كان نهر ريدنس قد إمتلأ تماما بالسائل الأحمر الذي إنجرف مع أشلاء الموتى الذين لم يتحملوا قسوة التعذيب ، إنتشرت صور النهر في الأخبار وعبر كل المواقع .. لكن رؤساء السجن إدّعوا أنها حادثة إنجراف التربة بسبب الأمطار الغزيرة الذي أدت إلى تحول النهر إلى اللون القرمزي ، ولا أحد صدّق تلك الخرافة .

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Sep 21, 2023 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

THE GIRL IN RED Where stories live. Discover now