الخاتمة: أسطورة بين دفتي كتاب

22 3 0
                                    




فوق هضبة عالية تطل على بحر أزرق لامع، وقرب ذلك المنزل البسيط بجدرانه الخشبية التي طليت باللون الأبيض وسقفه القرميدي الأحمر والنوافذ التي وضعت أمامها أصص لزهور زاهية اللون.. وفي جانب منه، حيث يلقي المنزل ظلاً بارداً بينما يلتمع جانبه الآخر بأشعة الشمس الدافئة التي أنارت جزءاً كبيراً من تلك الهضبة العالية، استندت فتاة لا تكاد تتجاوز الثالثة عشر من عمرها بشعر بني متماوج وعينين خضراوين بدتا متناقضتين مع بشرتها الذهبية اللامعة.. وبيديها الصغيرتين، كانت تمسك كتاباً سميكاً ذا غلاف مهترئ لكثرة الاستخدام وهي تقرأ حروفه بلهفة وانغماس شديدين.. ولم تنتبه لذلك النداء الذي تعالى باسمها وهي سارحة بخيالها مع سطور ذلك الكتاب المثير..

لم تنتبه من استغراقها في القراءة إلا عندما وجدت يداً تجذب الكتاب من بين يديها وترفعه عالياً وصوتٌ يقول بشيء من التأنيب "نادين.. ألم تسمعي ندائي المتكرر لك؟.. هل نسيتِ ما عليك من مهام؟"

قالت نادين وهي تنهض محاولة استعادة الكتاب "كنت ذاهبة لإنجاز ما عليّ الآن.. بعد لحظات فقط.."

قالت المرأة التي لا يتجاوز عمرها الأربعين بابتسامة جانبية "حقاً؟.. سمعت هذا القول منذ ساعات.."

ونظرت للكتاب مضيفة "ألا تشبعين من قراءة هذا الكتاب؟.. لقد أتممتِه عشر مرات على الأقل.."

قالت نادين وهي تتطاول لتناول الكتاب "لأنني أحب قراءته.."

واستعادت الكتاب بشيء من العسر فضمّته لصدرها قائلة بتقطيبة "كيف تريدينني أن أملّ حكاية مثيرة كهذه يا أمي؟.."

اتسعت ابتسامة الأم بينما نظرت نادين لغلاف الكتاب حيث بدت كلمات بحروف مذهبة تتوسطه وفوقها رسم جميل لفتاة لا تكاد تتجاوز العشرين بكثير، بشعر بني متموج طويل وعينين خضراوين، ترتدي أحد أردية الهوت البسيطة، وتقف جوار تنين أبيض اللون ينفث اللهب من فمه.. مسحت نادين بيدها على العنوان معلقة "حتى الآن لا يمكنني تصديق الحكايات التي يحكيها هذا الكتاب.."

ونظرت لأمها متسائلة باهتمام شديد "أأنت متأكدة أن هذه الحكايات تخص جدتي الكبرى؟"

أجابت الأم وهي تتأمل الغلاف بدورها "أجل.. أتظنين أنني أجهل ذلك؟.. لقد رأيتها عدة مرات في صغري، ولطالما حدثتني عن مغامراتها بتفصيل، لكني للأسف نسيت أغلبها فقد كنت صغيرة جداً.."

ثم أضافت ضاربة الكتاب بأصابعها "لكني دعيني أؤكد لك، بعض تلك الحكايات مبالغ فيه كعادة الكتّاب.. فجدتي لم تكن تطير، والتنين لم يكن ينفث النار.. كانت امرأة بسيطة بريئة يصعب التصديق بأنها خاضت تلك المغامرات بكل جرأة وشجاعة.."

ثم قرصت خد نادين بلطف قائلة "أنت تشبهينها كثيراً.. لديك الشعر والعينان ذاتهما، ولديك حب القراءة والفضول الشديد ذاته.."

ضمّت نادين الكتاب لصدرها قائلة بلهفة "أتظنين أنني قد أصبح شخصية خرافية كجدتي حقاً؟"

ضحكت الأم معلقة "خرافية؟.. ربما.. هذا يعتمد على شجاعتك وإرادتك.."

ومسحت على شعرها بلطف بينما قالت نادين وهي تحدق في عنوان الكتاب المذهب "أتمنى ذلك حقاً.. أتمنى أن أكون قوية وشجاعة وذات شخصية تخلب الألباب.. تماماً كما كانت جدتي الكبرى رنيم.."

ابتسمت الأم مغمغمة "ستكونين كذلك يا طفلتي.. حتماً ستكونين مثلها تماماً.."

وجذبت نادين معها وهي تسير هابطة من ذلك المرتفع مضيفة "سيكون كتاباً ضخماً ذلك الذي سيحكي عنك.. عنوانه (حكايات نادين.. حفيدة رنيم ابنة قصي الرابع.. أميرة مملكة بني غياث وصاحبة التنين الخرافي كاجا).."

قالت نادين باحتجاج "هذا عنوان طويل جداً.. ثم إنه يتحدث في أغلبه عن جدتي لا عني أنا.."

قالت الأم "ربما.. لكن جدتك شخصية لا يمكن نسيانها.. كانت امرأة مذهلة يصعب تصديق أنها لم تتجاوز التاسعة عشر من عمرها عندما بدأت رحلتها هذه.."

وأضافت مغمغمة وهي تتأمل الأفق الذي يزهو بنور الشمس الدافئة "رحلة مذهلة حول العالم.. على جناح تنين....."

*********************

.: تـمـت :.

على جناح تنينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن