مَا قَبل البِدَاية

2 0 0
                                    


قال تعالى:
" وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا "
صدق الله العظيم.


تعرق جبينه بشكل مفرط وَزاغت عينيه يمينًا وشمالًا وهو يجرُ ساقيه المُرتجفة بصعوبة من شدة خوفه.

سار داخل الممر الطويل لمدة يجهلها
هو فقط اٍتبع التعليمات التي يعرفها

' سر ولا تلتفت حتى ترى ما يراه الموتى '
' إن عُدت ضِعت ، وإن خِفت عَتهت '
' وان عَبثت هَلكت '

حُرم من أن يقدم له أي تفسير وبقي يفسر هذه الكلمات ويكررها لنفسه محاولَا تفسيرها
فكيف يضيع في ممر طويل باتجاه واحد؟
وكيف يعبث ولما لا يخاف؟

كان الخوف سيد الموقف بالنسبة له مع كل خطوة يَخطوها للأمام

تباطأت خطواته حين أصبح الظلام محيطً به من كل الجهات، وفسر ذلك بأنه الشيء الوحيد الذي يراه الموتى.

أضاء شمعة صغيرة ليُزاحم ضوءهَا المُنبعث بعض من الظلام حوله ليَجد نفسه بالفعل على بعد خطوات من نهاية الممر.

صغر عينيه بمحاولة لفهم المنظر العجيب الذي يسد الطريق أمامه

جدار مغطى بالنقُوش والشُقوق التي يسيل منها الدم حتى امتلأت الأرض أسفله، وبدى له أن الجدار كان قادر على الحركة بطريقة عجيبة.

ومع اقترابِه أكثر تسلل لأُذنه صوت فَحيح بدى كمحاولة تنفس لرجل عجوز يوشك على الموت.

رفع رأسه مستكشفًا نهاية الجدار
وحينها تراعَدت يديه وسقط جاثيًا
على ركبتيه برعب وسط بركة الدم وبدأ تصادم اسنانه ببعضها يشتد تزامنًا مع ضربات قلبه المُضطربة.

أدرك أن هذا الجدار المليئ بالنقوش
ليس سوى ظهرٌ عريض لمخلوق ضخم.
أدرك أنها النهاية وأنه الهلاك
الهلاك الذي جاء باحث عنه بقدميه

"ماذا تريد؟"
تسلل الصوت ضاربًا أذنيه كالرعد

"أريد العِلم بما لا يُعلم"

زَمجرة صاخبة تعالت حوله وسد الشاب أذنيه بقوة
"أستطيع أن أعطيك القوة، و العلو والمناصب والحياة الهانئة، هي خير مما أردت"

"بل أريد العلم بما يخفى على البشر من أحداث مستقبلية، وما يحدث بعد الموت، أريد علم الغيب فهذه هي القوة الحقيقية"

"أمرتد؟"

"لا مازلت على ديني"
أجاب الشاب بصوت مرتجف للسؤال الغاضبِ من المخلوق أمامه.

"الثمن حياة"

"خذ أيا من تريد، زوجتي وأبنائي إن أردت"

"إذن افعل ما جئت لأجله"

أخرج الشاب تلك الورقة البُنية المتهالكة من جيبه وكشف عن الجرح القديم في يده ليغَمسها الدم أمامه خالطًا الدماء سويا قبل أم يمسحها على الورقة ثم أشعلها في الشمعة.

وحينها فقط اصبح قادرة على قراءة الكلمات على تلك الورقة القديمة.

والتي بدت كَتحذير يقرأه الآن
وبعد فوات الأوان ..

لأته باللحظة التي أشعل بها الورقة تزامنت حركته مع حركة القابع أمامه واستِدارة جسده له ببطء

قرأ المكتوب بأعيُن زَائغة . .

من دم نصيبين سال عرق فاسد
قوم كان منهــم أسودٌ الدم
عهد سيد لا يعقد إلا بـ دم
من عقد معهُ اتفاق ندم

تمتم الشي بصوت غاضب
"الغيب لله، وما كفر كيمان بالله.. "

لبرهَة قصيرة حين رفع الشاب بصره شخصت عينيه وشَحُب وجهه وشاب الشعر في رأسه من هول ما رأى
اختفى جسده وذلك الشيء معه
ثم انطفأت الشمعة.


صَــانِع اللَذَاتWhere stories live. Discover now