14

11 3 0
                                    

الفصل الرابع عشر
# لنا_لقاء_في_بغداد.

___________________
أدعوا لأخواتنا فى المخيمات ربنا يتوالهم برحمته فى البرد دا، ربنا يخفف عنهم ويثبتهم ويراعهم بحفظه.
_____________

بسم الله الرحمن الرحيم.

______________

كانت سبة نابية خرجت من فم "يامن"، فهو لم يستطع التحكم فى غضبه، والدماء التي ثارت فى عروقه، فهو لا يصدق كيف لفتاة رقيقة بريئة كـ "عنود" تُتهم بفعلة دنيئة كتلك وبدون وجه حق، هو ورغم غضبه الشديد فيما يسمعه، كان يشعر بوخز يزداد بقلبه ويضيق صدره، خاصة والعبارات تترقرق فى عينيها الكحيلة، هاتين البُنيتين لا يستحقان كل هذا الحزن المُخبأ بهم ..

_ عـنـود.
نطق بأسمها فى حنان شديد وهو يُخرج محرمته من جيبه، يمدها أمام وجهها، فأخذتها منه تزيل بها عباراتها التي أستطعمت مرارتها فى حلقها، تنفست بهدوء وهي تستمع لقوله الذى أجبرها على النظر له :
_ أعدكِ أن يُرد حقكِ مما أذوكِ، وعلى رأسهم ذلك الحقير، زوج والدتكِ.

نظراته الحانية وذلك الصدق بهم، وأيضا نبرته الدافئة الممزوجة بغضبه الذى يحاول مدارته، كانوا كفاية لها بأن تتسرب بداخلها تلك الطمأنينة، مجرد وعد لا تعلم كيف سيفي به ذلك الغريب، كان كفيلاً لها بأن تشعر بالدفء المصاحب بالأمان، وكأن عينيه تضمها وتربط على جراح قلبها بمحبة وحنان ..

حاولت إزالة هذا الحزن الذى خيم عليهما وهي تقول بنبرة مرحة :
_ لا عليك، فأنا لا أصمت له، بل أنا أخذ حقي منه فكل مرة يتطاول عليّ بها.

نظر لها مستفهمًا لتتابع بأبتسامة مشاغبة :
_ فى أخر مرة حاول ضربي، هبطت بأحدى زجاجات الخمرة الخاصة به على رأسه، ولم يهدأ لي بال ألا عندما رأيت دماؤه.

لم يستطع "يامن" كتم ضحكته ونظرات الإعجاب تعلو عينيه وهي تتابع بزهوٍ ولمعة الإنتصار تزداد بعينيها :
_ وأيضا بأحدى المرات، كنت عائدة من السوق، كان معي أجر الكعك الذى بعته يومها، فأنا كنت أصنع الكعك وأبيعه فى السوق، وكان مصدر رزق جيد بالنسبه لي ولأمي، وقتها وقف محروس فى طريقي وهو يطالبني بالمال، كي يترنح به فى الحانات القذرة التي يذهب لها، وليتجرع به زجاجات الخمر التي لا يتركها، حينها لم أعطي له قرشاً لأنني كنت بحاجة المال من أجل علاج أمي، فأشتبك معي وأصر على أخذ المال، حتي أنه صفعني وقتها، ولكني لم أتركه، ففور وقعت عيني على السكين أمامي، لم أتراجع خطوة فى أن أغرزها بكفه التي كانت قابضة على خصلاتي.

رغم مرارة ما تقوله ألا أنها كانت تسرد معاناتها بضحكة باهتة حزينة، تحكي أنتصارات فتاة واجهت مرض والدتها وغياب والدها وشقيقها، وتحمل عبء الحياة وفقرها، وذلك الوحش الذي كان يطعم أيامها بالضرب والسب والإيذاء، واجهت كل هذا بمفردها، بصلابة لا تمت لتلك البراءة التي تشع منها بصلة، ولكنها كما أخبرها يوما، براءتها هي مصدر قوتها وصمودها.

#لنا_لقاء_فى_بغداد.Where stories live. Discover now