اِسْتِيقَاظُ طَيْرِ اَلسَّلَامِ - اَلْجُزْءَ اَلْأَوَّلِ

72 9 8
                                    

حجبُ النهارِ بعباءةِ الليلِ، فتجردتْ الشمسُ منْ تاجها وزينتها بينما تعزي نفسها على انقضاءِ مدةِ حكمها، تربعُ القمرِ على العرشِ، وترعرعَ فيهِ بسكينةٍ سكنتْ لها الجفونُ، ونثر ظلمتهُ على النفوسِ لترقدَ دونَ حروبٍ بينما يرسلُ لهمْ نجومٌ تلقى عليهمْ السلامُ بأحلامِ أوْ كوابيسِ.

تبددِ الغمامِ في السماءِ، فظهرَ القمرُ بضوءٍ خافتٍ قدْ أمتلكهُ منْ نورِ الشمسِ المنعكسِ عليهِ منْ الجانبِ الآخرِ، فلمْ يكنْ النورُ منْ القمرِ، بلْ كانَ دائمًا شعاع مقتبسٍ، الذي قدْ جاءهُ كالشعورِ الباهتِ منْ الشمسِ، عندما تعبتْ منْ الحيرةِ حولَ مرونةِ تربعِ القمرِ بمجلسٍ.

طلُ وميضهِ بثقةٍ على رمالِ الصحراءِ، فأخذتها الزرقةُ بدلَ الصفرةِ، واستبدلتْ سخونتها بالبردِ، فباتتْ الرياحُ تعصفُ وتضاربَ ذراتِ رمالها الرقيقةِ، وهيَ التي تئنُ بالصفيرِ تارةٍ والزئيرِ الواهنِ تارةً أخرى، لكأنها تشتاق لدفءِ شمسها، ولكأنها تشتاقَ لملاعبتها بأشعة صفراءَ بينما تتراقصُ أشعتها معَ رمالها الساكنةِ.

حرب لا تراها العيونُ تنتزعُ بمشهدِ طلالة وميضِ القمرِ على أسوارٍ ضخمةٍ منْ حجرِ الدبشِ الأبيضِ ذي اللمعةِ الفضيةِ، يتسلقَ الوميضُ الأسوارَ شيئًا فشيئًا حتى يصلَ لقمتها بينما يحللُ ما فيها منْ هيئةٍ عتيقةٍ، انعكسَ ضوءُ القمرِ على عيونِ بضعةِ غربانٍ قدْ تشتتَ عنْ قمةِ الأسوارِ فورَ رؤيتها النورَ يلامسها، وحلَ نعيقها على سكينة الأرجاءِ بينما تنشبُ إحدى الأيادي بدلَ مجلسِ الغربانِ وقدْ كانَ صاحبها يجاهدُ للصعودِ.

صوتُ حمحمةٍ استوقفتْ المتسلقَ للجدرانِ، وتجمدَ كأنهُ جزءٌ منْ السورِ، وسعُ المشهدِ لصاحبِ الحمحمة الذي حجزَ وميضُ القمرِ على المتسلقِ بجسدهِ المعتمِ الذي امتازَ بأكتافِ عريضةٍ، جلسَ جلسةَ القرفصاءِ وتسندلتْ ثيابهُ البيضاءُ أرضًا ثمَ أتى بحديثهِ قائلاً: هلْ منْ نقصٍ تبحثُ عنْ ملئهِ هنا، يا آدمْ؟.

لمْ يأتِ المتسلقُ المدعوّ آدمْ عنْ أيِ ردةِ فعلٍ ولمْ ينطقْ ببنتِ كلمةٍ حتى سمعَ خطابُ الآخرِ: وإذْ قيلَ لكَ لا يجوزُ، فهوَ لأجلكَ وليسَ لي منهُ نصيبٍ، وقد قالَ تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، -سورة القمر، الآية: ٤٩-.

خبطُ آدمْ قمةَ السورِ بيدهِ ورفعِ جسدهِ حتى أعتليَ السورُ، وقفُ الآخرِ مقابلاً لآدمْ وظهرتْ ملامحُ الاثنينِ التي كانتْ مسالمةً ولا تدلُ على المشاحنةِ، ما بينَ مقلٍ عسلية انعكسَ فيهما الوميضُ معَ بشرتهما القمحيةِ، وكأنهما نسختْ عنْ بعضهما لولا أنَ آدمْ حل عليهِ الشبابُ بخصلِ سوداءَ متوسطةٍ الطولِ، والآخرُ حلٌ عليهِ العجزُ واجتاحَ الشيبُ رأسهُ إلا قليلاً منْ السوادِ.

آمالِ آدمْ رأسهُ واضعًا يدهُ تحتَ ذقنهِ بينما يهمسُ بعد همهمةٍ: سؤالٌ قدْ أصابني بالحيرةِ يا أبي، وأوقعني في دوامةٍ، كانَ يدورُ حولَ منْ منكما كانَ محبًا للاطلاعِ؟.

رحلةُ آبتموزتWhere stories live. Discover now