ليلى (ليلي الحالك)

44 5 7
                                    

نوبة جديدة من الأرق.. نظرت ليلى إلى سقف غرفتها تتابع خطوط الرسم الأنيق للغيوم البيضاء التي تحجب بلونها الابيض اصفرار شمس ساطعة في سماء ذات زرقة باهتة.. ارتسمت ابتسامة صغيرة على وججهها وهي تتذكر تصميمها لهذه الرسمة التي اعطتها لمصممة الديكور التي حققت حلمها بجعلها تنظر إلى الغيوم في كل لحظة تحارب فيها اشباحها، الغيوم التي تذكرها بأن كل شيء في الحياة مهما طال أمده مصيره الزوال.. الحزن، الخوف، حتى الحب يمكنه أن يتلاشى كما يجب أن يتلاشى ذلك الالم الذي ينخرها ببطء منذ سنوات طويلة.
صوت اتصال على هاتفها جعلتها ترمش بعينيها مستفيقة من شرود بات وسيلتها لكي لا تفكر كثيرا.. تشرد في أي شيء يلهيها ويقلل من ساعات الليل الطويل.
لم تكن مهتمة بالرد على المتصل خاصة بعد رؤية الرقم الغريب الغير مسجل على هاتفها، بالتأكيد إنه أحد المعتوهين الذين يغازلون أي رقم غريب ما أن يحل الليل مطلقا غرائزهم الحيوانية..
إلا أن رنين الهاتف المستمر أجبرها على الرد بفظاظة:
- نعم! من معي على آخر الليل.
صوت انفاس حادة جعلها تعقد حاجبيها وبالرغم من أن ردة فعلها البديهية من المفترض أن تكون إغلاقها للهاتف إلا أنها لم تفعل وكأن يدها تجمدت وهي تستمع لذلك الزفير الذي شعرت به يلامس أذنيها بذكرى حاولت محوها ككل ذكريات الماضي، ذكرى بالرغم من حلاوتها إلا أنها استحالت إلى مرارة شوهت قلبها البريء.
- لا زلت تعانين من الأرق!
خرجت نبرته هادئة بالرغم من أعاصير الشوق المتقافزة بأضلعه ما أن سمع صوتها في اللحظة التي سقط الهاتف من يدها وهي تتراجع بذعر سحب الدماء من وجهها.. وصوت شهقتها المتفاجئة جعله يعض شفتيه بإنتعاش ينهض ليقف أمام نافذة غرفته سامحا لهواء مطلع الشتاء بلفح صدره العاري عله يخمد القليل من النيران التي يشعر بإشتعالها بداخله، يتخيلها الآن وهي تطالع الهاتف وقلبها ينبض بخوف وحيرة.. منحها كل الوقت وقد ظن أنها ربما ستخالف توقعاته وتتحدث إليه إلا أنها أغلقت الهاتف.. فخرجت قهقهته عالية والإثارة تتضخم بصدره هاتفا بشراسة وهو يطالع الليل شديد السواد وتلك النجوم الصغيرة زينته كقناديل صغيرة:
- لا بأس يا حلوتي.. لا بأس يا ليلي الحالك.. لنا حديث آخر.
بينما بغرفتها وعقب ذلك الاتصال الذي أعادها إلى سنوات طويلة ظلت ليلى تنظر إلى هاتفها الذي لم تستطع التقاطه عقب إغلاقه منذ نصف ساعة.. تضم ركبتيها إلى صدرها وظهرها مستريح إلى إطار السرير بينما قلبها ابعد ما يكون عن الراحة.
تتسائل كيف وصل هذا الرجل اليها؟ ألم تحاول طوال السنوات السبع المنصرمة نسيانه؟! ألم تمحوه من ذكرياتها ككل ذكرى جميلة أو بشعة حصلت عليها؟! ألم تخبرها الطبيبة أنها بمجرد قرارها من داخل قلبها بالنسيان ستفعل لماذا إذن لم تنساه؟ وكيف تعرفت عليه قبل حتى أن ينطق؟
لقد مرت سبع سنوات.. سبع سنوات على آخر لقاء لهما.. ذلك اللقاء الذي ابتدى بلهفة بريئة منها وانتهى بانتهاك منه.. لقد أعادها يومها إلى نقطة البداية بعد سنوات من العلاج النفسي..

مسوداتيUnde poveștirile trăiesc. Descoperă acum