1 II الشوكة الفضية

3.9K 184 49
                                    




عندما أُعطيت الإشارة للنساء لرفع رؤوسهن ،كان طعم الدماء قد توغل عميقا داخل أحشائي .

جسد آفيولا يتدلى من المشنقة كقطعة لحم هزيلة تعبث بها رياح الصقيع .بالكاد خرجت روحها حتى بدأت الصقور الجائعة والمدربة بنهش لحمها .وعندما جاء دور طفليها كتمت صرختي بالكاد وأنا أُقاوم الغثيان الفظيع الذي مزق أحشائي .

الأباتشي الأعظم كان يقف فوق المنصة .

ضخما ومُهيبا وجسده المزين بالوشوم السوداء وفرو الدببة كان ليبعث فيك الرجفة إن أطلت التحديق إليه .لم يكن قائد قبيلتنا يظهر للعلن سوى في الأحداث الهامة .وإعدام عروس قِربانٍ هاربة منذ عشرين سنة يُعد حدثا يستحق حظوره .

تحدث مُطولا عما تسببت فيه هذه المرأة الفاجرة ،كما نعتها ،من مأساة .أغرت فَحلها ودفعته الى الهرب من واجباته المقدسة وبدلا من أن يكون واحد من أذرع الأباتشي الذين يرفعون عَلم الميلين ويُساهمون في ازدهار القبيلة ،كان مصيره أن يموت كحشرة مستنقعات في حضن ساحرة .بعد أن ترك من خلفه طفلين مُشوهين كعلامة غضب روح الذئب أفاريس على ما اقترف قلبه من آثام  .

أشار الأباتشي الى الطفلين الشبيهين بوحوش المُوركي واللذان كان جسديهما يتدليان حول جثة والدتهما .امتنعت الصقور عن مهاجمة جسديهما ،فقال الأباتشي :"حتى الطيور تخشى أن تُصيبها لعنة أفاريس ".

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أُشكك فيها بكلام الأَباَتشي وبمعتقدات الميلين المُقدسة .هاجمتني الوساوس مجددا كالذباب الذي عصف برأسي ويحاول إفساد رؤيتي للأمور .

يواصل عقلي الفاسد تذكيري بأن الطفلين لم يكونا مشوهين بلعنة أفاريس .

لقد رأيتهما .كان دوري في جمع أرواق البُورسيم التي تنموا على أطراف البحر المتجمد ،في ذلك اليوم الذي اقتربت فيه أفيولا مني ومن خلفها طفلين ذكرين سليمين ولا يقلان جمالا عن أي طفل طبيعي من أطفال الكايي .كانت تائهة وعرفت أنني من الهارا بسبب الوشوم التي تغطي صدغي الأيمن .

أخبرتني باسمها ومدت ذراعها نحوي فأُصبت بالذعر من حركتها الغريبة وأخرجت سهمي المسموم الذي أحتفظ به في طيات فستاني ووجهته نحوها .كنت مستعدة لغرزه في قلبها بلا تردد .بينما كنت سأترك صغيريها ليكونا وجبة لوحوش المُوركي التي لن تتوانى على أكل وجهيهما الجميلين .

ابتسمت .فتحول تصميمي الى ارتباك .كانت امرأة غريبة ولم أكن معتادة على رؤية الغرباء .

شرحت لي أنهم في مناطق الشمس الدائمة ،تلك المناطق المتحالفة  التي تقع خلف أسوار الشيلميزار، يُحييون بعضهم بلمس الأيادي .كانت تحية تعبر عن المودة مثلما تفعل نساء الهارا بخفض رؤوسهن والسماح للوشاح بتغطية سائر وجوههن ،أو نساء الكايي اللواتي يُرفرفن برموشهن بغنج ويبتسمن ،أو الفحول حين يضربون أكتاف بعضهم البعض .

The magic of silver girl II سحر فتاة الفضةWhere stories live. Discover now