الفصل الخامس/الأخير

45 7 2
                                    

الفصل الخامس
طالما تساءلت لما السهم مرتبط بالوقوع بالحب، إختراق القلب بشده
ألا تؤلم؟ وإن كان لأجل الحب يجب أن يشق قلبك فلما يبحث الجميع عن الآلم.
..................
خرجت حور للشارع بعدما ظلت في غرفتها طيلة الوقت السابق، وعدم حضور راجح أصابها بالحزن، حالة قلبها في سوء، تعود على وجوده بجواره وبعدما ابتعد شعر بالفراغ، وكان قرارها بعد هذه الأيام هو ذهابه له والحديث معه لعله يعود ليكون جوارها، وستخبره أنها ستفكر مرتين قبل أن تندفع في ما يراه خطأ، وها هي تستقل سيارتها التي أشتاقت لحضوره أيضًا كما تفعل هي، قبل أن تصل لوجهتها أوقفها مراهق ويبدو عليه القلق يخبرها :
- ونبي يا أبلة تلحقي أمي واقعت مني ومش عارف الحقها.
نظرت له بقلق وخوف، تنظر حولها لعل هناك شخص تطلب مساعدته في إعانة المراهق، وعندما لم تجد أسرعت بالترجل وهي تخبره:
- متقلقش هتكون كويسة هي فين بظبط؟
أسرع المراهق بالاشارة نحو الأمام فأسرعت تسبقه تنظر حولها وأمام عينيها كانت ترى آخرى أصغر سنًا تركض كذلك الفتى لطلب المساعدة ولكن لم يتوقف حد لنجدتها، عندما وصلت لطريق مسدود أفاقت لما يحدث حولها، ذلك المراهق وبجواره رجل يخبئ وجهه بوشاح أسود يناظرها بمكر، وقبل أن تتحدث أو تصرخ طلب للمساعدة كان يضع قماش ذو رائحة نفاذة جعل وعيها يغيب وجسدها يسقط بين ذراعيه.
..................
على الجانب الأخر في مكتب رؤوف السباعي كان يجلس راجح أمامه مطاطئ الرأس، يكاد عقله أن ينفجر من التفكير، يجد صعوبة في التركيز بما يخبره به والد حور، الذي على ما يبدو علم عن الحادث الأخير من ابنته، وعلم بأمر غيابه عن العمل، قال والد حور :
- حور قالتلي على إلي حصل، ومش هنكر واقولك أن معنفتهاش، لكن في النهاية أنا أكتر واحد فاهم إلي في دماغ بنتي .
كان الغضب يسيطر على عقله وما خطط له يجعله يشعر بخوف ينهش دواخله ولكن حديث والدها جعله يتمتم:
- دماغ بنتك تعبانة.
عقد والدها حاجبيه لصعوبة فهم ما قال فعاد راجح لقوله:
- بنت حضرتك محتاجة تفهم أن مش كل الناس طيبين زي حضرتك كده ولازم تثق فيهم.
وبطبع حاول اختيار جملة لا يهين فيها الوالد وابنته، مما جعل الأخر يبتسم يخبره:
- أنا عارف أنت مجتش الشغل ليه، شخصية كشخصية حور صعب على أي حد يحاول يتحمل مسؤولية سلامتها الشخصية، حور دايمًا مندفعه في فعل الخير، ودا لانها بتؤمن أنه أكيد هيترد ليها بأي طريقة.
صمت قليلًا ثم تنهد بألم يزيد على حديثه :
- أنا في يوم من الأيام كنت زيك كدة، مليش دعوة بحد، بالنسبة ليا البشر دي كائنات زائدة مش مهمة، كان أهم حاجة في حياتي هما حور وأمها وأخت حور الصغيرة الي كانت هتيجي على الدنيا.
نظر له راجح بانتباه فأكمل الأخر بغصة:
- كنت فاكر أن استحالة احتاج لحد في حياتي، ف ليه ممكن أساعد أو أدخل حد غيرهم حياتي، مكنتش أعرف أن هفكر إن لو شخص منهم بس أتحرك وساعد مراتي كانت الحياة اختلفت.
صمت قليلًا ثم هتف بغصة:
- بس هيسعدوها ليه مهي غريبة زي ما كنت بقول أنهم غرب، مش لو كنت ساعدت الناس كان ممكن حد يساعدها.
كان عقل راجح مشتت لا يفهم ما يحدث أمامه، فأوضح رؤوف:
- وحور عندها عشر سنين كانت ناهد حامل في طفلنا التاني، في يوم عيد ميلاد حور، خدتها أمها تشتري ليها هدايا لكن إلي حصل أنهم تعرضوا لإختطاف، حور وأمها.
زفر بألم ثم أردف:
- بعد بلاغي على اختفائهم، جالي تليفون أنهم عرفوا يهربوا، بس لما وصلت ليهم كانت حور مدمرة نفسًا وناهد من النزيف ماتت، عرفت وقتها من الدكتور النفسي الخاص بحور أنها تعرضت لصدمة كبيرة، خطفهم ومحاولات هروبهم ولما عرفوا يهربوا تدهور حالة ناهد إلي خلاها تأجهض في الشارع ولما حور حاولت تطلب المساعدة محدش مد إيده ليها الكل خاف ليلبس مصيبة، فتموت قدام عنيها.
شعور وكأن العالم ينطبق فوق رأسك، وطبول تخترق عقلك تحاول إفاقتك قبل فوات الأوان، هذا ما حدث لراجح، الذي فورما سمع حديث والدها وقف فجأة ولكن دوران العالم من حوله كاد أن يجعله يختل بتوازنه، ماذا فعل؟ أي صدمة تلك التي يتحدث عنها، اختطاف وموت، كيف لم تخبره عن هذا؟
لقد أخبرته بأدق تفصيل حياتها كيف أن تتجاهل آمر كهذا، إن علم أن هذا سبب مساعدتها للآخرين لكان مر على كل محتاج معها إن كان هذا سيعالج جروحها، جروح!!
جاء على هاتفه رسالة تمنى أن يصاب بالعمى وأن لا يكون حدث ما حدث، تحرك من أمام والدها يركض حتى وصل للشارع يهاتف سالم مرار وتكرار، يشعر أن العالم يطبق على صدره فلا يستطيع التنفس، كل ما يشعر به في تلك الأثناء هو الاختناق، أشار لسيارة أجرة لم يعرف كيف نطق لسانه بما يريد بعد مرور الوقت كان يقتحم المنزل المتهالج وسماع الصراخ جعله يحطم الباب الذي يأتي من خلفه صوتها، فور تحطم الباب كان سالم ينظر نحوه بدهشة على حضوره، كان سيهاتفة عندما وجد حالة الذعر الشديدة التي انتابتها فلم يعلم كيف يتصرف معاها، صوت صراخها الهستيري وتشنجات جسدها لم تكن طبيعية وها هو راجح يحكم قبضته على ملابسه يصرخ في وجهه كأنه من خطط على فعل ذلك وليس من كان يحذره من التجاوز:
- أنت عملتلها إيه أياك تكون قربت منها أو لمستها.
حاول سالم دفعه ولكن حالته لم تكن أهون من حور فكانت عيناه حمراء وعروق عنقه بارزة وكأنها على وشك الإنفجار، لم يكن بوعيه، ما يحدث معه هو فقدان عقل تام جعلته لا يميز من يقف أمامه، مما جعله يهتف :
- راجح فوق على نفسك، معقول أنا هأذيها، كل إلي عملته أن جبتها هنا ولما فاقت زي مأنت شايفها كده.
كان صراخ حور شديد حتى كاد يختفي من البحة التي تصدر في نهايته علامة على وصول أحبالها الصوتية لاقصى دراجات التحمل، مما جعل راجح يترك سالم يقترب منها وعندما لمس جسدها كان ينتفض بفزع جعله يزيل القماش على أعينها حتى تراه، ولكن حور لم تكن في وعي يسمح لها بالتعرف على من أمامها، ولكن هتاف راجح بأسمها جعل جسدها يهدأ قليلًا فقال بعذاب:
- أنا أسف، سامحيني، أنا غلط، مكنتش أقصد أذيكي كده.
نظرت نحوه بوهن ثم وقع نظرها على سالم ثم عادت تنظر نحوه وعندما وصل لعقلها بأن ما يحدث من تخطيطه أغمضت عينيها وغابت عن الوعي.
................
أسبوع بالكامل لا تتحدث مع أحد حتى والدها لم يسمع صوتها، لم يعلم ماذا يفعل شعوره بالقلق جعله يهاتف راجح ويخبره أن يأتي حتى يحثها على التحدث، يعلم بأمر مشاعرها نحو الأخير، ورغم فقر راجح الواضح ولكن لن يعترض إن كانت ساعدتها معه، بعد حادثة والدتها تغير تفكيره، لا يهم المال والمكانة الاجتماعية ما يهم هو البقاء برفقة شخص يحبك يستطيع حمايتك
وكان يرى راجح هكذا رغم أنه لا يبدو كشخص يدرك بوجود مشاعره، ولكن خوفه عليها وتوليه مسؤوليتها جعله يدرك مشاعر الأخير، وها هو يأتي فور أن أخبره بما يحدث، عندما تأكد من هيأتها جعل راجح يجلس معاها وترك لهم حرية الحديث، نظر راجح نحو حور التي تنظر أمامها بشرود فقال بندم:
- حور أرجوكي اتكلمي معايا، أشتميني اضربيني أنا موافق، بس بلاش سكوتك دا.
رفعت أنظارها نحوه فأنحنى حتى أصبح في مستوى جلوسها وأردف:
- مش عاوزة تعرفي أنا ليه كده، مش عاوزة تعرفي أنا ليه وحش كده ؟
نظرت للجانب الأخر تتجنب النظر نحوه فأردف بعذاب:
- أنا هقولك، هحيلك حكاية راجح الفاسد، إلي فاكر نفسه ذكي بس طلع مفيش أغبى منه، راجح إلي حاول يفسد نقائك بسواده، عشان كان غبي.
ظل راجح يخبرها عما مر به وما فعلت يداه من جرائم، حتى وصل لحبه للينا والهروب من تلك الحياة حتى وقوعها في حياته.
ثم أنهى حديثه يقول:
- كل مشكلتنا أن أنا مخلوق من جمر جهنم وانتي شعاع نور من الجنة، فإزاي كنا هننفع نتلاقى؟
تحدثت هامسة ببحه:
- أنت صح يا راجح، أنت صح.
نظر نحوها فأردفت بألم:
- الناس مش ملايكة، ولا هما طيبين أوي كده مستنيين يساعدوا غيرهم.
أجهشت ببكاء تخبره:
- أنت صح ياراجح، بس أنا وثقت فيك أنت، أنك هتحميني، أنك مختلف، فكرتك أماني يا راجح، بس كنت غلط، وأنت صح.
نهضت تركض نحو غرفتها تاركه راجح ساقط على ركبتيه منحني الرأس وعقله يعيد حديثها مرارًا.
...................
" أنت صح يا راجح"
على سور السطح عاد من ذكرياته، ينظر نحو الأعلى يقهقه بأسى على ذاته، قلبه الأحمق لقد أحب مجددًا، علم أنه يهواها عندما فقدها، وما أقسى من الندم على شيء لن يعود، وقف على السور، ينظر نحو الأعلى يصيح بقهر:
- أنت غبي، وهتفضل طول عمرك غبي، والغبي عمره ما هيكون صح.
عاد للقهقه كمن فقد عقله، ثم توقف فجأة يغمض عينيه وعندما أعاد فتحهم ترك جسده يحوى ورذاذ المطر يسقط على وجهه، عندما وصل جسده للأرض لم يتحرك، إلا عندما شعر بيد تلمس وجهه بتوتر وصوت يقول:
- راجح قوم مش هتسبني أنت كمان.
تجعد جبينه بعدم تصديق قبل أن يفتح عيناه فيجد حور تنظر نحوه والدموع تملأ عيناها، وعندما همس باسمها نظرت نحوه بصدمة قبل أن تضم جسدها نحوه ببكاء تخبره:
- فكرت حصلك حاجة، صحبك قالي أنه مش لايقك وشاكك أنك هتعمل في نفسك حاجة.
عادت للخلف تنظر لوجهه الذي ينظر نحوها بدهشة فاردفت:
- مش هسمحلك تسبني، عقاب ليك أنك تستحمل جناني وتهوري طول حياتك.
اهتز هاتفه بجيب بنطاله في ذات الوقت الذي عادت حور تضمه نحوها، عندما نظر للهاتف وجد رسالة من سالم تخبره:
- أي خدمة، مش لازم تشكرني.
ابتسم بيأس، لا أمل منها ستظل تثق في الجميع وتساعدهم حتى وإن كان على حساب نفسها، ولكن لا يهم سيكون بجوارها لحمايتها، إن كانت لا تفكر في سلامتها سيفكر هو......

تمت _بحمد الله_

رأيكم في النهاية

هستنى ريفيوهات في الجروب يا بنات

قلب راجحWhere stories live. Discover now