|| لقاء قلوبٍ في الزحام ||

259 63 356
                                    

ناس بكري قالو :
الحب بلا غيرة كي الخبز بلا خميرة...
---

في ضوء المساء الذهبي، عندما بدأت السماء تكتسي بوهجٍ دافئ و في وسط الزحام، وبين ضجيج الحياة المعتاد واجواء العُرس ، كان كل شيء يمضي بطريقه. خطوات عابرة، وجوه مألوفة وأخرى غريبة، تتلاقى وتفترق دون أن تلحظ أي أثر يتركه وجودها.

لكن في لحظة خاطفة، تغيرت قوانين الصدفة. هناك، بين أعين المارة ووقع الأقدام السريعة، تلاقت عيون لا تعرف بعضها، لكنها تلتقي وكأنها تنتظر ذلك اللقاء منذ زمن بعيد. عيناها، كأنهما مرآة لروح ضائعة تبحث عن انعكاسٍ مألوف، تلاقت مع عينين ثابتتين، مليئتين بشيء غامض لا تستطيع الأعين الأخرى رؤيته.

مرّ الوقت بطيئاً في تلك اللحظة، وكأن الكون كله سكن، وأصبحت الضوضاء مجرد خلفية باهتة. لم تكن هناك حاجة لابتسامة، أو حتى إيماءة، فالعينان حملتا حديثًا طويلاً، كأنها كلمات سرية تهمس بها القلوب.

كانت تلك اللحظة كافية لتترك أثراً، كإيقاع موسيقي يتردد في الأفق، رغم أنهما لا يعرفان عن بعضهما سوى هذه النظرة التي جمعت، وفرّقت بآنٍ واحد.
الى انها لم تكن مجرد نظرة عابرة، بل لحظة مشبعة بصمت غامض، كأنها حديثٌ طويل دار دون كلمات. قلب ديهيا أخذ ينبض أسرع دون أن تدري السبب، وشعرت بشيءٍ غريب، مزيج من الفضول والخجل جعل عينيها تبتعدان سريعًا، لكنها لم تستطع مقاومة العودة بنظرة أخرى خفيفة لترى إن كان ماسينيسا ما زال يحدّق.

ماسينيسا بدوره، كان يشعر بشيء لم يعهده من قبل، كأن عينيه التقطتا سرًّا ما في هدوء نظرة ديهيا . لم يعرف عنها سوى كونها قريبة العائلة وجزءًا من زفاف أخته، لكن تلك اللحظة جعلته يتمنى لو كان الأمر مختلفًا. تلاقت أعينهما لثوانٍ، كانت كافية لأن تترك أثرًا غامضًا في قلب كل منهما، رغم أنهما لم يعرفا حتى أسماء بعضهما.

بينما كانت هذه اللحظة تتشكل، ظهر سامي ، بنظرة مراقبة، كان يبدو عليه الانتباه إلى ما يحدث. سامي لم يكن غافلًا عن هذا التفاعل الصامت، فقد لاحظ التوتر المرافق للنظرات المتبادلة، وأثار ذلك فضوله، وابتسم ابتسامة متسائلة دون أن يتدخل، لكنه أبقى عينه على ماسينيسا متفكرًا.

ديهيا شعرت بالحرج وقررت المغادرة قبل أن يستمر هذا الصمت طويلاً. تركت المكان بخطوات سريعة وخلفها أسئلة لم تستطع أن تجيب عنها.

أما ماسينيسا، فقد بقي للحظات ينظر إلى المكان الذي اختفت فيه، يتأمل، وكأن قلبه يتوق إلى إجابة عن شيء لا يدركه بعد، منتظرًا اللحظة القادمة التي قد تجمعهما صدفة أخرى.

---


ومع غروب الشمس، بدأت الأنوار التقليدية تُضاء في ساحة بيت العريس، وانشغل الجميع في استعدادات الزفاف الذي طال انتظاره. كان الرجال متجمعين في الخارج، بينما كانت النساء في الداخل منشغلات بتجهيز الأطعمة والحلويات، وسط ضحكات وقصص تعكس دفء الأجواء العائلية.

𝐋𝐀𝐋𝐀 𝐃𝐙𝐈𝐑𝐘𝐀حيث تعيش القصص. اكتشف الآن