٢/مهما كان الزمن

8.7K 147 6
                                    

2-
مهما كان الزمن

استيقظ فيرغوس عند الصباح ببطء لكنه لم يستعيد تركيزه إلا
بعد لحظات.
أدار رأسه يميناً و يساراً ليشعر ببعض الحيوية فأدرك أنه يستلقى فى سريره فى غرفة نومه الخاصة . شعر بثقل كبير فى رأسه . كيف وصل إلى هنا ؟ تباً! ليته يتذكر .
حدق فى الساعة الموضوعة قرب السرير وإذا بها تشير إلى التاسعة ونصف .
استلقى مرة أخرى على الوسادة وأغمض عينيه مجدداً . أى يوم هو هذا اليوم ؟ بالأمس كان حفل زفاف لوغان ودراسى...إذاً فاليوم هو الأحد . لا ضرورة إذاً للنهوض باكراً فليس لديه ما يقوم به أو مكان يقصده أو شخص يلتقيه كما أن الخادمة مود لا تأتى أيام الآحاد.
يمضى فيرغوس نهار الأحد فى العمل عادة.وعندما يشعر بالجوع يتناول السندوتشات.لذا لا حاجة لوجود مود يوم الأحد .لَم يشتم رائحة القهوة إذاً؟هل يشعر بالهلوسة بسبب الدواء المنوم الذى تناوله .أم لأن القهوة هى أكثر ما يرغب بتناوله الآن؟
لكن...لا! لا شك فى ذلك . أنه يشتم فعلاً رائحة القهوة , رائحة قوية منعشة ما الأمر إذاً؟
وفجأة سمع فيرغوس صوتاً أنثوياً حاداً من مكان ما قرب باب غرفة النوم:"هيا!هيا استيقظ فيرغوس !لقد أحضرت لك فنجان قهوة "
لم يتحرك فيرغوس بل عبس وهو لا يزال مغمض العينين وقد أدرك أن رائحة القهوة أصبحت أقوى الآن لكنه لم يصدق ما تسمعه أذناه . لا يمكن أن يكون الأمر حقيقياً...هل هناك حقاً امرأة فى غرفته؟وجود امرأة فى غرفته ليس بالأمر المستغرب فالطالما أمضى ساعات مثيرة برفقة النساء .لكن ليس الليلة الماضية على الأقل.تابع صوت المرأة بمرح:"هيا أيها الكسول .أجلس لتناول قهوتك"
فتح فيرغوس عينيه بهدوء وأدار أسه خائفاً مما سيراه.إذا به يرى فتاة ذات عينين زرقاوين وشعر أسود لامع وجسد نحيل.كانت ترتدى قميصاً طويلاً وقد ظهرت من تحته ساقاها الطويلتان . هل ما يراه حقيقة أم أنه لا يزال غارقاً فى عالم الحلام؟ما الذى أتى بهذه المراة إلى غرفته؟يذكر جلياً أنه غادر حفلة الزفاف بمفرده يوم أمس
وضعت المراة أحد الفنجانين على الطاولة المجاورة له :"هذه قهوتك من دون حليب وخالية من السكر"
تماماً كما يحب القهوة لكن كيف عرفت ذلك؟نظر إليها غير مصدق وهى تجلس على السرير إلى جانبه:"ماذا تفعلين هنا؟"
رفعت كلويه حاجبيها بتعجب وابتسمت له:"هل تمانع إن جلست هنا,وشربت القهوة معك؟و...ارتديت قميصك ؟فالجو بارد فى المنزل"
وارتعشت قليلاً قبل أن تتناول رشفة من فنجان القهوة
حدق فيرغوس إليها غير واثق مما إذا كان يريدها أن تجلس معه أم لا.كانت هذه المرأة تجول فى المنزل باحثة عن الأغراض التى تحتاجها لتحضير القهوة .وهى ترتدى قميصه أيضاً!
لحسن الحظ أن مود فى إجازة اليوم فبالرغم من أن خادمته تعرف طريقته فى قضاء حياة العزوبية إلا أنه لا يرغب فى التباهى بهذه الحياة أمامها
استدار ليأخذ قهوته ورشف رشفة منها . لكنه فى الواقع أراد أن يمنح نفسه بضع لحظات إضافية ليفكر .إنه لا يذكر كيف التقى هذه المراة وكيف أتى برفقتها إلى المنزل . لكن رغم ذلك فإن الحقيقة التى لاشك فيها هى أن هذه المرأة بغض النظر عن هويتها أمضت الليلة هنا.لكنه لا يذكر شيئاً مما حدث..لا يذكر أسمها حتى...كيف حدث ذلك بحق السماء؟كل ما يذكره هو انه غادر حفل الزفاف ودخل أحد المقاهى لكنه لا يذكر شيئاً بعد ذلك.
قالت الفتاة بسخرية من خلفه:"شكراً لك كلويه"
شعر فيرغوس ببعض الأرتياح ,كلويه هذا هو أسمها إذن لكنه لا يذكر....
بل أنه يذكر. بدأ يستعيد ذكريات الأمس تدريجياً . أتت هذه المراة للتحدث إليه فى المقهى . جلست قربه مع أنه لم يشجعها أبداً.فى النهاية...رافقته إلى منزله!!
وبدا كأنه فوت جزءاً مما حدث بعد أن تناول حبة المنوم تلك . لقد استيقظ هذا الصباح ليجدها فى غرفته لكنه لا يتذكر كيف وصلا معاً إلى هنا
تنهد قائلاً:"آهـ كلويه؟"
ثم التفت بهدوء وقد استعاد تركيزه ونظر إليها بعينين فاحصتين وإذا به يصعق لجمالها الفتان.إنها صغيرة جداً وقد بدت يداها حول فنجان القهوة كيدى طفل.لاحظ فيرغوس أنها لا تضع خاتم زواج
حسناً على الأقل لم يجد نفسه فى هذا المأزق مع امرأة متزوجة ! لكن...لا شك أنه فى مأزق كبير
كيف سيتصرف بحق الله مع امرأة أمضى الليل معها وهو لا يتذكر عنها شيئاً ؟ لا شك فى أنه غرق فى نوم عميق معظم الليل لكن ما حصل قبل ذلك...لا شك أن الإعتذار ليس كافياً الآن.بدلاً من ذلك قال بلهجة لا مبالية: "إنها قهوة لذيذة"
تقبلت كلويه كلامه بدفء ووضعت فنجانها جانباً :"شكراً لك"
ثم تابعت بخجل :"لا يسعنى أن أصف لك مقدار سعادتى بلقائك بالأمس فيرغوس"
- حقاً؟
مع أنه لم يكن فى أفضل حياته بالأمس فقد كان يشعر بالإحباط...والاستياء..والنعاس...لكن تباً! لا يمكنه مناقشتها فهو لا يذكر شيئاً مما حدث بينهما ولا يمكنه إدعاء العكس.لكنه يشعر بصعوبة فى الأعتراف لها بذلك لأنه سيبدو عديم الإحساس بل سيجعلها تشعر بالإهانة
أجابها:"انا سعيد لذلك.آهـ هل قمنا....؟"
جعله رنين جرس المنزل يتوقف عن الكلام .لكنه شعر بالسخرية من نفسه! من الطارق يا ترى؟اليوم هو الأحد والساعة لاتزال العاشرة إلا ربعاً صباحاً .
ثمة طريقة واحدة لمعرفة الجواب . لكن بالطبع كلويه الجميلة لن تتمكن من فتح الباب وهى ترتدى قميصه . عليه إذن أن ينهض من السرير وينزل ليفتح الباب . لعله من الأفضل أن يتجاهل ذلك الطارق ويبقى هنا برفقتها...لكن الجرس عاد يدق مجدداً وبإصرار أكبر هذه المرة . يبدو أن الشخص الذى يقف أمام الباب لا يفكر مطلقاً بالرحيل الآن
وقفت كلويه قائلة :"ألن تجلس لتفتح الباب ؟"
بالطبع عليه أن يفعل ذلك .لكن من الطارق يا ترى؟ربما...أمه التى جاءت إلى المدينة لحضور زفاف لوغان أو ربما ...إحدى النساء اللواتى كان يخرج برفقتهن خلال الفترة الماضية . سيكون من الصعب عليه أن يعرّف كلويه إلى أى شخص كان.فهو نفسه لا يعرفها جيداً
جلس على حافة السرير ووضع قدميه على الأرض ثم قال محذراً :"أبقى هنا!"
دخل الحمام ليبدل ثيابه وعندما خرج منه طمأنها قائلاً :"لن اتأخر"
ثم غادر الغرفة . يا له من موقف محرج! من هى كلويه. ومن أين أتت؟ وكيف سيتصرف حيالها الآن؟
فتح فيرغوس الباب فرأى قريبه برايس يقف أمامه وقد بدا وجهه مشرقاً فتنفس بارتياح :"برايس!"
حياه برايس قائلاً :"فيرغوس يا لها من سيارة جميلة!"
والتفت إلى السيارة الرياضية الخضراء المركونة امام المنزل . رفع برايس حاجبيه وسأل بفضول :"هل هى امرأة أعرفها ؟"
حدق فيرغوس إلى السيارة وكأنه لم يرها من قبل . لكنه استنتج أنها سيارة كلويه.حسناً! هذا يجيب عن بعض التساؤلات التى كانت تراوده منذ الصباح حين استيقظ ليجد كلويه فى غرفته .أن امراة تملك هذه السيارة ليست من نوع النساء اللواتى يطلبن أجراً مقابل قضاء ليلة برفقة رجل.
أضاف برايس ممازحاً :"او...ربما امرأة أود التعرف إليها؟"
فكر فيرغوس فى أن برايس سيصاب بالذهول ما أن يرى جمال كلويه , تماماً كما حصل معه. فلم يشعر بالارتياح مطلقاً لهذه الفكرة .سأل قريبه بسرعة :"ماذا تريد منى برايس؟"
علت الدهشة وجه برايس:"ألا تتذكرأننا أتفقنا على لعب الغولف معاً؟ قلت لى أنك لن تعمل اليوم لذا قمت بحجز الملعب عند الساعة الثانية عشرة ظهراً"
لقد تواعد مع برايس للعب الغولف اليوم! لكن كيف يمكنه الخروج برفقته وكلويه لا تزال فى غرفة نومه؟عليه أن يبقى معها ليكتشف من هى وماذا تريد....
وقفت كلويه خلف فيرغوس تماماً وحيّت برايس قائلة:"صباح الخير"
أجفل فيرغوس .فقد أمل أن يتخلص من برايس قبل أن يعود إلى غرفة النوم للتحدث مع كلويه فيتجنب بذلك حدوث لقاء بينهما . لكن حضورها الآن ووقوفها خلفه جعلا الأمر مستحيلاً . أجابها برايس وقد علت وجهه أبتسامة:"صباح الخير لك أيضاً"
تذكر فيرغوس كم تبدو كلويه فاتنة ومثيرة وهى ترتدى قميصه . فى الواقع إن كانت لا تزال ترتديه فسيبدو حالياً أنها أمضت الليل هنا.صحيح أنه و برايس مقربان جداً,لكن ذلك لا يعنى أنه يرغب بأن يراها أبن خالته فى تلك الحالة.
استدار بهدوء متمنياً لو أن تلك اللحظات تمر بسرعة آه! لا داعى للقلق .لم تكن كلويه ترتدى القميص بل فستاناً قصيراً أسود وتنتعل فى قدميها الصغيرتين حذاءاً ذا كعبين عاليين ما أظهر جمال ساقيها .ولم يعد شعرها مشعثاً بل انسدل على كتفيها كمنديل أسود لامع .لم تكن تضع على وجهها أى مساحيق تجميل إنما اكتفت بلمسة من أحمر الشفاة على شفتيها .رغم ذلك لم يساوره أى شك فى أنها أجمل فتاة وقع نظره عليها يوماً.
أنضمت كلويه إلى الرجلين اللذين يقفان قرب الباب وهى تسير بخطوات أنيقة . نظرت إلى فيرغوس بترقب وهى تقول :"ألن تعرفنا ببعضنا البعض,فيرغوس؟"
يعرّفها على برايس؟نعم من الأفضل أن يفعل ذلك . لكنه شعر للحظات بأنه مخطوف الأنفاس بجمالها .أخذ نفساً عميقاً ثم قال بهدوء :"كلويه هذا أبن خالتى برايس ماكليستر .برايس إنها كلويه"
ثم توقف فجأة لينظر إليها بعبوس .ليس لديه أدنى فكرة عن أسم عائلتها!
انقذته كلويه فى اللحظة المناسبة وقد لاحظت ارتباكه فقالت ضاحكة :"فوكس"
ثم مدت يدها لمصافحة برايس قائلة بسخرية:"لا تلمه برايس لقد استيقظ لتوه"
ثم نقلت نظرها بين الرجلين وقالت:"أعذرانى لكننى سمعتكما تتحدثان عن لعب الغولف.وأنا لدى موعد عند الواحدة سيكون على أن أستحم وأغير ملابسى"
وأشارت بسخرية إلى فستان السهرة الذى كانت ترتديه
شعر فيرغوس بالتوتر وتساءل لمن ضربت موعداً فى الواحدة يا ترى؟لا يمكنها أن تختفى هكذا فجأة! متى سيتمكن من رؤيتها مجدداً ؟ هلى أنتهى كل شئ الآن؟
وفجأة شعر برغبة قوية فى رؤيتها مجدداً كما شعر بالإحباط لأنه لا يذكر شيئاً عن الأوقات التى أمضياها معاً بالأمس .إنه بحاجة لأن يراها مرة أخرى لكى يتسنى له على الأقل فرصة يستعيد فى ذاكرته أحداث الليلة الماضية
التفتت كلويه إليه مبتسمة قبل أن تعانقه بسرعة ثم تمتمت بهدوء :"سأتصل بك لاحقاً ,موافق؟"
عناقها السريع هذا جعله يدرك بعض ما حدث بينهما الليلة الماضية . لقد سبق أن عرف فيرغوس العديد من النساء الحسناوات المثيرات لكنه لم يشعر مرة بمثل هذا التأثير جراء عناق برئ .كلويه فوكس قنبلة موقوتة حقاً !
أجابها بتوتر :"بالطبع سأنتظر اتصالك"
هزت رأسها مخاطبة برايس:"سررت بلقائك برايس "
وسارت بهدوء إلى سيارتها
راقبها فيرغوس بإعجاب وهى تتمايل بجسدها النحيل وساقاها الممشوقتان تتحركان برشاقة نحو سيارتها الرياضية .عندما صعدت كلويه إلى السيارة لوحت لهما بيدها قبل أن تدير المحرك وتنطلق نحو الطريق العام
أطلق برايس صفيراً خافتاً ينم عن الإعجاب ثم قال لـ فيرغيوس :"إنها فائقة الجمال حقاً فيرغوس!"
وافقه فيرغوس فى سره وفكر فى أنها رائعة فعلاً لكن...ها هى قد خرجت من حياته للتو . شعر بالضيق لهذه الفكرة إنه فيرغوس ماكلاود الرجل الذى ينهى دائماً علاقاته الغرامية قبل أن تأخذ طابعاً جدياً .أتراه وقع هذه المرة فى شباك هذه المرأة الغريبة؟لقد فات الأوان الآن .قد لا تتصل به كلويه فوكس أبداً فلعلها لا تملك رقم هاتفه!
تمكنت كلويه من الحفاظ على بسمتها إلى أن وصلت إلى أول منعطف . وما إن تأكدت من ابتعادها عن منزل فيرغوس حتى بدأت ركبتاها ترتجفان ليمتد الأرتجاف بعد ذلك إلى يديها .ما جعلها تواجه صعوبة فى إبقاء السيارة فى المسار الصحيح .ادركت أن عليها التوقف قليلاً بجانب الطريق تفادياً لأى اصطدام . أغمضت عينيها وأسندت رأسها إلى الخلف وقد راح جسدها كله يرتعش .
بالأمس فرضت نفسها على فيرغوس وذلك بهدف واحد هو إيجاد فرصة للتحدث معه وأوصلته إلى منزله للغاية نفسها . لكن استسلامه بسرعة إلى النوم ما أن أوصلته إلى سريره فى غرفته التى تقع فى الطابق العلوى من منزله أفشل خطتها تماماً .أخذت تحدق إليه لدقائق وقد شعرت بالإرهاق .وأدركت أنها غادرت منزله فى تلك اللحظات ,كما طلب منها أن تفعل, فسوف ينسى كل ما يتعلق بتلك السهرة بل كل ما يتعلق بها . لكنها لم تكن مستعدة للمخاطرة بعد أن تمكنت من الوصول إليه لذا قررت البقاء فى منزله .فأمضت الليل متكورة بإنزعاج على الكرسى فى غرفته فيما غفا فيرغوس بهدوء وارتياح فى سريره الضخم
حينذاك بدت لها الفكرة جيدة أم الآن فلم تعد واثقة من ذلك . لقد تمكنت من إثارة فضوله من دون شك فقد بدت صدمته واضحة حين أستيقظ ورآها فى غرفته . كل ما أرادته هو كسب تعاطفه لكنها شعرت بأن هذا الأمر صعب المنال
ومع وصول قريبه المفاجئ فقدت كلويه أى فرصة للتحدث إليه.
أخيراً توقفت عن الأرتجاف فأخذت نفساً عميقاً وأدارت المحرك من جديد لتكمل طريقها إلى المنزل حيث تسكن مع والديها
كيف سيكون ردة فعل فيرغوس أن علم بذلك؟
لا شك أن الدلائل التى رآها ليلة أمس جعلته يظن أنها امرأة متحررة تستطيع الخروج ساعة تشاء فتلك النظرة المريعة التى تفحص بها يدها ليتأكد من عدم وجود خاتم زواج لم تفتها على الأطلاق.لكنه أخطأ بإعتقاده أنها امرأة غير مرتبطة .لحسن حظها أن والديها خرجا منذ الصباح إلى الكنيسة ولن يكتشفا دخولها خلسة إلى المنزل
ركنت سيارتها إلى جانب سيارة والدتها .بدا واضحاً أن والديها خرجا بالجيب الخاص بوالدها .تنهدت كلويه وقد شعرت بالارتياح فلو أن والديها رأياها بفستان السهرة الذى ترتديه لأكتشفا أنها أمضت الليل خارج المنزل.وآخر ما تريده هو مواجهة الأسئلة حول الليلة الماضية وما جرى فيها !
كانت تهم بصعود الدرج المؤدى إلى غرفتها محاذرة أن يراها أحد الخدم عندما فُتح الباب خلفها :"كلويه؟"
إنه دايفيد زوج أختها والمساعد الشخصى لوالدها...لا بأس ! كانت لتواجه موقفاً أسوأ من هذا!
التفتت إليه مبتسمة إنه نهار الأحد وهى تعلم أن أختها وأولادها الثلاثة ينتظرونه فى منزله فقالت ممازحة:" أليس لديك منزل خاص بك تقصده؟"
بدا دايفيد طويلاً نحيل الجسم وقد بدأ شعره الأشقر يتساقط عند قمة رأسه
دايفيد لاتام هو مساعد والدها منذ خمسة عشر عاماً ووجوده فى المنزل جعله مقرباً من العائلة.ومنذ إثنى عشر عاماً تزوج من شقيقتها الكبرى بينى مما أفرح قلب والديها المولعين بأحفادهما الثلاثة :بول وقد سمى كذلك تيمنا بجده وهو الآن فى العاشرة من عمره وديانا هى فى السابعة من عمرها وأخيراً جوش وهو أبن خمس سنوات
رفع دايفيد بعض الأوراق فى وجهها قائلاً:"جئت أعطى والدك هذه الأوراق فسيحتاج إليها فور عودته من الكنيسة .الأحرى بى أن أسألك إن كنت قد نسيت أن لديك منزلاً تعودين إليه مساء أمس "
وأشار بعينيه إلى فستانها ثم أضاف قائلاً :"من المؤكد أنك لا تفكرين بالإنضمام إلى والديك وأنت ترتدين هذا الفستان"
أجابت مكشرة:"أنت محق"
ضحك بنعومة :"لا تقلقى كلويه تعلمين أننى مررت بهذه المرحلة قبلك "
بدا واضحاً أن دايفيد استنتج انها أمضت سهرة صاخبة فتأخرت فى العودة إلى المنزل .من الأفضل أن يعتقد الجميع ذلك.مع العلم أن كلويه تعرف أن أموراً كهذه تثير الأقاويل حول مركز والدها السياسى.
ففى هذه الفترة تصبح المظاهر ذات أهمية كبرى بالنسبة لوالدها وذلك يشمل صهره ومساعده الشخصى كما يشمل ابنته الصغرى .أجابت كلويه بخفة :"إن لم تخبر والدى عنى فلن أخبره شيئاً عنك.والآن أظن أنه من الأفضل أن أصعد إلى غرفتى لأستحم وأبدل ملابسى قبل أن يرانى أحد سواك "
ابتسم دايفيد ابتسامة عريضة :"يبدو أنك لم تأخذى قسطاً وافياً من النوم الليلة الماضية"
أنه على حق !أدركت كلويه ذلك بعد دقائق معدودة حين نظرت إلى صورتها فى المرآة فى غرفتها . فقد بدا وجهها شاحباً ووجنتاها باهتتين وعيناها محاطتين بهالتين سوداوين .كانت ليلتها طويلة كما تذكر لأنها أمضت معظم الليل مستيقظة وهى تجلس على كرسى فى غرفة فيرغوس ماكلاود فيما هى تتساءل أى نوع من الرجال هو!
آه إنها تعلم الكثير عنه .لقد رحل مع والدته ليعيشا فى قصر جده فى اسكتلندا وذلك بعد طلاق والديه وبعد إنهاء دراسته أصبح محامياً لكنه ومنذ ست سنوات تخلى عن مهنة المحاماة ليتفرغ للكتابة
لكن هذا ليس ما أرادت معرفته عنه.فهى تريد أن تعرف إن كان رجلاً رحوماً طيب القلب ويؤمن بالعدالة حتى لو كانت قاسية.

روايات احلام/عبير :ليل الغرباءWhere stories live. Discover now