[ ٣ ]

2.3K 189 54
                                    


كأي يوم تجلس انجلاين على حافة سريرها في المستشفى، و تسند ظهرها الى الجدار بينما تُلحن بفمها موسيقى حزينة، غايتها من ذلك هو قتل وقتها الذي يمضي كالسلحفاة، وقت يُسيطر عليه الضجر و الملل. كان سريرها في زاوية الغرفة يجاور نافذة تمكنها من رؤية حديقة المستشفى التي تتميز بجمالها الخلاب، التي تحوي ازهار متنوعة الأشكال، و على اغصان اشجارها العالية عصافير مغردةً مُختلف الألحان الشجية، و على ارضها المعشوشبة، يمكن ملاحظة المرضى و هم يتنزهون برفقة ممرضاتهم. فجأة شتتت طَرقات على الباب تأمل انجلاين، و على الفور دخل الطارق، فإذا به الفونس و هو يحمل بين يديه خبزًا محليًا فأنبسطت اسارير وجهها، و تبادلا التحية، ثم طالعتهُ بعيونها القاتمة من تحت الى اعلى، رأت انه يلبس السواد كالمعتاد، فتحولت ملامح وجهها إلى انزعاج و اشاحت بصرها عنه، قائلةً بصوتٍ موسيقي:

- كنت آمل أن تغير هذا اللون الكئيب.

على قيد ثلاث خطوات منها جلس على مقعد بلا مسند و وضع الخبز على سريرها، فمسحت رائحة الخبز الطازج روائح الأدوية التي تخترق انوفهم. مرر يده على رقبته و اجاب:

- لا استطيع أن أتخيل نفسي بغير هذا اللون، بالرغم من انني لا اعرف على وجه الدقة لما افضلهُ لهذهِ الدرجة.

مد يده، قسم قطعة خبز و راح يأكل بشراهة رجل تكاد تقتله المجاعة، التفتت انجلاين صوبه؛ لأنها لم تعد تقاوم ففعلت ما فعلهُ شقيقها التوأم، و خلف مفردة توأم تفاصيل مبهمة لا يفسرها المنطق، فـ الفونس لا يشبه البنت بأي شكل من الأشكال، التشابه الوحيد بينهما هو العمر، لكن الغريب هو إن الجميع مقتنع بأنهما توأم و انهما قد التقيا مؤخرًا بعد فراقٍ دام طويلًا، و منذُ تلك اللحظة التي وضِعت فيها انجلاين بالمستشفى على اساس معالجتها من اعياء جسدي شديد اصابها فجأة في احد الايام، لم تزرها أمها الأرملة بعد اول يوم لها هنا، حتى إن انجلاين سألت الفونس كثيرًا عنها الا انها لم تحصل منهُ على جواب شافٍ.

· · • • • • • • · ·

اطلق الشاب ضحكة صاخبة، على طريقة اكل أخته، و من ثم وثب من مكانه، و بعكس إرادته تجشأ بفظاظة، فلاحظ ملامح اشمئزاز تغزو وجهها، لكن ذلك لم يمنعه من الاقتراب منها و قد همة بحملها، و هي بدورها لم تتفاجأ لأنها اعتادت هذا مؤخرًا، و قد ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه الفونس حينئذٍ، قائلًا:

- انتِ محظوظة لأنني اخاكِ.

وضعها في كرسيها المتحرك المجاور لسريرها، و قد كان كرسيًا كلاسيكيًا مزودًا بأربع عجلات مطاطية مجوفة، اثنتين خلفيتين و اثنتين اماميتين أصغر حجمًا. و قام بتسيير الكرسي، و مضى الأثنان في اقسام هذه المستشفى التطوعية البيروقراطية حتى خرجا الى الحديقة، و قد لفحت انجلاين نسمات هواء حارة جعلت خصلات من شعرها الأملس تتراقص على وجهها، و حين توقف الهواء ابعدت الشعر بيدها، و القت بشعرة هاربة على الارض بعد أن استقرت على انفها الذي يتميز بالاستواء و بالكاد يكون على خط مستقيم مع الجبهة. و بعد أن قطعا مسافة قصيرة بصمت، توقف الأثنان عند «رين»، مراهقة في ربيعها السابع عشرة، كانت صديقة انجلاين، و قد تعرفت عليها الاخيرة هنا في المستشفى. كانت تجلس بأحد أركان الحديقة على مصطبة، تنسجُ وشاح اخضر اللون بأحترافية بالرغم من أنها عمياء الا أنها بدت و كأنها ترى الوشاح بوضوح اكثر مما يراه سليمي البصر؛ بسبب دقة عملها. كانت نحيلة، رقيقة، تبدو اقرب شبهًا للبنات الصغيرات، ذات شعر متموج قصير، لونهُ اسود فاحم.

•لامــاســو | LamassuWhere stories live. Discover now