المقدمة.

631 43 28
                                    

باريس،1920م.

يقولونْ أمنح بعضَ الوقت لاصدقائكْ، بعض الوقت لاهلكْ بعض الهدوءِ لنفسك و بعد ذلك لا تخف علي مستقبلك.

~~~~~~~~~~~~~~~~~

خَرج من باب غرفته الصغيرة ذات الطلاء القرمُزي القديم إلى الصالة الصغيرة ، إرتدي مِعطفه داكن اللون الطويل وقبعته السوداء الذي امتلكها مُنذ نعومةِ أظافره.

أمسك بالحقيبةِ الجلدية التي وضعت على الكرسي الهزاز من المصنوعِ من خشب التنوب التركمانيْ. وجهَ نظرهُ نحو زوجته التي تعبئ لَه طعامه في حاويات الطعام. ظهرت أبتسامة على وجهه و تلاشت وحدها لأحساسها بألمِ فراق الأحِبة.

_ " أبي.. أبي وعدّتني أن تأخذني معكِ هذه المرة."_

تحدثَ الفتى الصغير بينما يمسكُ بأناملهِ الصغيرة معطف والده ويقطبُ حاجبه.

_" آسف بُني، ليسَ هذه المرة. "_ تحدث والده وهوَ يداعب شعره الكثيفْ، لآخرِ مرة على ما يعتقد.

تَبلورت بَعضُ الدموعِ في عين الفتى الصَغير متذكراً حلمه الذي كانَ يحلم به طوالَ حياته القصيرة ألا وهوَ الذهاب إلى صفحاتِ المحيط الهادئة . ومتذكراً وعودَ والده الكاذبة!

مشى الفتى قاصداً غرفته الصغيرة دونَ أن يتحدث بكلمةٍ واحدة، أو يودعَ والده ويعانِقه لآخر مرة في عمره..

_" لا تحزنْ ماثيو. قريبآ ستذهب إلى هناك "_ تحدث الوالدُ بينما غيمةُ حزنٍ بدأت تظهر على محياه.

_" أنتَ كاذب أيها الوالد. لا أريد رأيتك! "_ تحدث الفتى الصغير بعصبيه شديدة وأغلقَ باب غرفتهِ القديم المَطلي باللون الأبيض. مما جعل والده ينظر بصدمة.

نظرتِ الزوجة على ولدِها بينما هزت رأسها بندمٍ على ضياع تربيتها. أخذت تضع ما تبقى من الأغراضِ في الحقيبةِ الكبيرة بينما حالةٌ من السكونِ التام تخيم على المنزل.

_" أغراضكَ جاهزة. "_

قررت زوجته الخروجَ من هذه الحالة والمبادرة بالحديث.

_" شكراً عزيزتي. "_ ردَ الزوج بينما قرر الترنُحَ من مكانه والذهاب لأخذ حقيبته وتوديع من شغفت قلبه حباً.

أمسك بالحقيبةْ ومن ثَمَ إنحنى إلى زوجته ليطبعَ قبلة دافئة مليئة بالحب ويشُوبها بعض الحزن.

_" هل هذا ضروريّ؟!"_ سألت الزوجة بينما دموعها بدأت بالنزول لا ارادياً على فستانها الوردي البسيط.

_" وداعاً ياسمين ، أوصلي سلامي الى ماثيو."_ تجاهلَ السيد سؤالها بينما امسك بحقيبته الكبيرة وتوجهَ نحو الباب الحديديّ الكبير، تاركاً زوجته في دموعها وأحزانها.

_" أُحبكما.. "_ تمتم الزوج بهذه الكلمة ومن ثم أغلق البابَ ورائه.

توجه نحو سيارته الفُورد السوداء، الذي وضع بها زهور الياسمينِ الجميلة التي تذكرته بزَهرته .

أخذ طَريقه نحو ميناءْ مرسيليا الذي يوجد به قاربه ومساعدهِ نوح.

جمعَ زهور الياسمين المنثورة في سيارته ووضعها في حقيبته الكبيرة كذكرى له.

ألقى التحية على نُوح ثم صعد إلى القَارب. قرر البدأ في كتابةِ الخطابات قبل أَن يحلَ الليل.

شغل نوح القارب للذهاب إلى المكان المَنشود الذي يستغرق للذهاب إليه أسابيع..

في هذه الأثناء كان السيد بدأ في
كتابةِ الخطاباتْ بالفعل. اخذ قلمه وأوراقه من الحقيبة الصغيرة التي على كتفهِ. في خلالِ دقائق أنهى خِطاب الشخص الذي خَطرَ على باله، هو لم يكثر من الكتابة هذه المرة.

أدخل الخطاب إلى الظرف بينما ابتسمَ إبتسامه جانبية يائسة.

قرر تَسليمَ الخطاب إلى نوح ليعطيه إلى أحد البحارة في الميناءِ لتوصيله.

نوح كعادتهِ الهادئة أومئ فقط بدونِ أن ينطق بكلمة واحدة. هو يعرف شعور السيد براهام الآن.

انطلق نوحْ بالقارب، مما جعل السيدْ براهام يُلقى بنظره على الميناء والسماء الصافية مستعداً للموت في المكانِ الذي نشأ فيه.

ليبدأ من هنا تَغير حياة شخص آخر تدريجياً، وحروب وصراعات نفسية وداخلية خاضها جميعُ من عرفهم وعَرفوه لتنتهي برجوع ماضٍ مجهول .

~~~~~~~

القصة المشاركة مسابقة العلامة.

تاريخ النشر 3 يونيو 2016.

OShey (memory of the volcano)Where stories live. Discover now