2

391 8 7
                                    

كانت والدتي هي من أبدأ فيها سطوري حين يطلب من الأستاذ كتابة تعبير فردي.. كان والدي يعاملها بشكلٍ قاسٍ.. يمُّن عليها بالطعام ، يحرمها من زيارة والداها و تارات يصل به الحد لِينعتها "بالقبيحة ، الفقيرة ، الخادمة..الخ.

كنت أنا من يشهد كل هذا و أفهمه بينما اخوتي كان أكبرهم من بعدي عمره 6 سنوات!
كنت أرى والدي كَ وحش! ينقّض عليها بالضرب بعدما يأتي من عمله .. أردت أن أكبر بسرعة لأحمي أمي منه و لكن واقعي لم يكن سبيلاً منبسطاً يلائم سير أحلامي عليه ، لم أصبح الفارس الشجاع الذي يحمي والدته بل كنت إمعةً أُنفذ مطالب والدي.

ليس حباً فيه.. بل إكراماً لطيف أمي الراحل و كي لا أُشعر اخوتي بشيئ ، عودةً لمجرى الاحداث ..

نامت أمي على سريرها و والدي كان قد خاصمها.. و نام على الاريكة في غرفة المعيشة، فور عودتنا من المدرسة وجدناها ملقاة على السرير..
نادينها مرة .. مرتين .. ثلاث .. أمي لا تستجيب!
أصواتنا ازعجت أبي ف أستيقظ و توجه للغرفة ليتوجه بالسؤال: "وش بكم تصرخون؟!"
أظن ملامح وجوهنا كانت كفيلة بسد فجوة سؤاله.

تحسس جسدها و أشاح بوجه قانط.. بسط كلتا يدآه و هو يهشنا كَالذباب طارداً ايانا من الغرفة!
أخوايّ متمسكيِّن بيدي و يسألوني عمَّ يحدث.. كنت أحاول أن أُطمئنهما و أسوق الحديث لمجرى المدرسة كي أُنسيهما هذا الهم.. ناما بعد دقائق و بقيت انا واقفاً عند باب غرفة امي.. خرج والدي و معه رجل يأخذ جسد أمي!
تنملت أطرافي.. أرى أمي ترحل أمام عيني و قدماي تأبى الحراك!
صرخت: " بابا! بابا! وين ياخذون ماما؟!"
أمسكني من يدي و ادخلني غرفة اخوتي صارخاً في وجهي: " لا اشوفك برا هالغرفة! "
إسترقت النظر و وجدته يتصل بأحدهم..
إتصل على اقربائها، أتو.. ليبدأ وابلٌ من الكلمات يتهلل على والدي!

جملةٌ واحدة رسخت في عقلي من بين كل الكلمات و الجمل التي قالوها .. و التي قالتها خالتي: " ماتت بإهمالك! "
كانت نبرة صوتها هي من جعل دموعي تنهمر.. حزنها و بحة صوتها.. تجاهلها والدي و ذهب!
خالتي و الأخريات بدأن بالصياح و النياح و لم أفهم سبب كل هذا بعد.. اقفلت الباب ، أطفأت الأضواء ، إستلقيت على السرير بجانب اخوتي و غطيت في نوم عميق.

استيقظت على صوت أبي.. كان يصرخ و يشتم شخص يحدثه على الهاتف ، لحظات.. فُتح الباب و الأضواء و كان يصرخ منادياً بإسمي.. أتيت فوراً ، فقال: " اسمع و حط هالكلام برأسك ، أهل امك هنا.. إذا سألوك عن أي شيئ قل لهم مدري! سمعت؟ "
أومأت برأسي ليسخر مني قائلاً " هذا الي ماخذه منك ، هز رأس و الفعل بح " .. غادر.

مرت 3 ايامٌ و انا أسأل والدي: " وين ماما؟"
و هو يجيبني: " سافرت. "
" متى بتجي ؟ "
" وش شايفني ؟ ساحر عشان أجزم لك ب إجابة؟"
كان يتهرب بهذا الرد على الدوام..

حتى جاء ذلك اليوم و سألت أحد الأساتذة: " وش يعني ماتت؟"
سألني الأستاذ: " وين سمعت هذي الكلمة؟"
قلت له: " خالتي قالت امي ماتت "
نظر لي بنظرة تملؤها الحزن و استطعت ملاحظة ذلك.. أخبرني بجميع التفاصيل.

إصطحبنا والدي من المدرسة و انا انظر له بإحتقار!
عم الهدوء بيننا .. أخوايّ ينظران من النافذة و يشيران على كل بقالة و والدي يُتمتم في نفسه و هو يقود بكل بطء.. قطع صوت أخي تمتمات والدي حيث قال: " بابا نبغى نشتري من البقاله! "
توقف والدي عند أحد البقالات و ركّن السيارة وأخبرهما بالنزول .. نظر لي ..
فقال: " وانت ؟ ما تبغى تشتري لك شي؟ "
فقلت متحامقاً: " ماما بتجي من السفر وتجيب لي معاها أشياء كثيرة. "
لم يلقِ لما قلته بالاً.

وصلنا للمنزل.. ذهبا اخواي و تناولا ما اشتريّا من البقاله و ناما.
بقيت بمفردي جالساً على الاريكة أحاول تخيل البيت بدون امي.. المطبخ مُنطفئ ، الملابس مُتسخة ، الواجب غير محلول ، ضوء الشمس لا ينفذ لبيتنا.

لطالما كان والدي فظاً غليظاً متماسك القوام ، ينظر ب سوداوية للحياة ، عاش في هذه الحياة ٣٠ سنة! و تصرفاته لا تعكس سوى أنه كان ضحيةً لها.. تصرفاته أردّت أحلامه قتيلة و حطمت ما بناه من أمآل ، ناضل رغم كل مَ خاضه من مصاعب و إدراكي لذلك كان بِمثابة خيبةٍ لي .. كيف سَأدمر هذا الكيان المتماسك و الثابت؟ سأحتاج لِخبرة و قوة لأبعثره و اتجنب عودته لما كان.

ولكن.. في كل لحظة من هذه الحياة كان يُبنى ب شُقفة من القسوة ، الأمل كان صفحة مُمزقة في منهج حياته.

بعد اعوامٍ.. كبُرت.. و حان دوري لأنتقم منه لأمي.

Anas's Revenge. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن