فصل الأول

435 25 31
                                    

تزايد دقات مقبض الدم حول بوابة قلبي وأنهض من نومي مفزوع أتجه بترنح نحو الباب أطيل النظر نحو شماعة ملابسي أراها واقفة بصمود أستمد منها أشلاء قوتي لأفتح الباب و يبدأ شريط واقعي بالتزاحم أمامي؛ لتطفو تلك الطفلة تزاحم هواجسي.

"بابا أين سنذهب؟"
قالتها بنبرة طفولية مليئة بالحنان، ليجيئها الجواب بصوت رجولي أجش مستمد عطفه من برائتها:
"حبيبتي سنشتري بعض الشكولاته، وحاجيات البيت؛ لنرجع"

سرعان ما تقفز طفلته بفرح قائلة:
"حسناً لماذا لا أتأرجح قليلاً، ثم نعود سريعاً"
يجيبها ذلك الأب الحاني بلطف:
"لا بأس طفلتي لكن فقط قليلاً، ولاتطلبي أكثر فقد نتأخر"

مشهد حفظته عن ظهر قلب فقد كنت أتمعن كثيرا ًبملامح الطفلة وأبوها مطولاً وهما يتحاوران، فكان منظرهما جميل جداً ودافئ أكثر مما الشتاء على مقربة الحطب وعلو النار.

"تشير أنباء الأخبار عن التقاط صورة لمشهد طفلة تحتضن رجل يبدو إنهُ أبوها، قد كانا يقفان قرب أرجوحة، مما يظهر إن الحياة تأرجحت بهما فأوقعتهما بدماء ورديه تُغني للحياة؛ فعصفهما الأنفجار ليجعل أحداقهما تراقب مشاهد الدم قبل مشهد الطيران في الجو عالياً وقبل أن يتأرجحا ها قد هبطا أرضاً... .."

كان هذا صوت رجل الأخبار يصدح بخشونة مع هذا الموقف الناعم، كان ذاك الرجل الأخباري ذو اللحية السوداء والشارب الخفيف، مع نظارة صغيرة الإطار وأنف طويل، بشفاه سمراء وشعر أسود خفيف،
يُذيع عن أنفجار حدث قبل قنبلة أو أكثر بقنبلتين، فالساعة صار مؤشر عقاربها متفجرات، ها قد أحرقت قلب الصغيرة وأبوها.

أعتلى صوتي نعم إنها هي، هي، تلك الطفلة التي راقبت مشهدها عن كثب يا الهي صارت ضحية الدم قبل أن تستمتع بشكولاته وأرجوحة.

مر هذا المشهد فوق قبعة ذاكرتي لأرفعها بأسّى ودمع، وأفتح الباب خارجاً نحو المطبخ بأتجاه الثلاجة لأشرب كوب ماء يبرد قلبي الثمل بالأحتراق.

تزاحم الأخبار حول قتيل وجريح وآخر سجين والكل مُتفرج، شخص واحد فقط من يبدأ بسحب الخيط نحوه؛ ليفتح بقية العقد.
هو وحده من يستطيع تتبع الأحداث لمعرفة السياق ويأمر بحذف وتأخير، أو ربما تقديم!
كل هذا وذاك يتكفله واحد لا غير.

لكن المشكلة إن صنّاعه أحياناً متعجرفون ويبقون غامضون حتى النهاية، أما فئة أخرى فهم المتاجرون، يتاجرون بهِ حيث شاؤوا وأرادوا.

نعم إنه الـتـأريـخ ذاك الوحيد الذي يخط بسطوره كل ما حدث، لكن بعد أن تأتي عواصف الغبار لتغطي ما حدث فيبدأ هــو بسرد ما كان يحدث.

الثالث من فبراير تأبط ذاك الدفتر الأزرق وأعتلى سريره معلناً فرقعة أصابعه يليها حشو ذلك الدفتر، بعد أن يمارس تحريك مخيلته بأحادث الطفلة التي صارت جزء لايبرم من ذاكرته، بدأ يدس حبر قلمه بأحضان صفحته.

أظن إننا في الربيع فالجو يبدو معتدل في الخارج ومحاكمتي في غياب مطبق، ناهيك عن سيناريو الأوضاع الهابطة من قاع لأخر، فلا داعي لتشخيص الطقس، فكلهُ واحد، فالليل والنهار أصبحا تؤام متشابه، لاَضير بتعاقبهما.

إلا إن الزنزانة تعج بأرتفاع حرارتها معلنة الويل لساكنيها الجاثيين حول أنفسهم كالقرفصاء، كنت أصرخ بشدة وأشتم كل قادات الظلم والعاملين في تلك القاعة، حتى بت ألعنهم بأسمائهم.
جمال اللعين السافل،
سيف القرد المقرف،
سعد الكلب المتسخ،
حارث الدمية الممزقة،
رحت أقذف لهم لعنة تلو اللعنة حتى خلت بإن حبال أنفاسي قُطعت،

إلا إن المثير حقاً بإن كل هذهِ المشاهد كانت في مختلج صدري ولم تتحرك شفتاي إلا لأشهق قليلاً من أوكسجين الكبت وأستبدلهُ بثنائي أوكسيد الزنزانة.
تشتعل الحرارة في أركان جسدي، ورأسي يهاجمه بركان الصداع الثوري.

كان زين يلعب معي الغميضية ويباغتني مسرعاً بالكشف عن نفسهِ فصغيرتي لُجين تفضحه وتنطق بأسمهِ أينما لمحته،
حـبـيـبـاي أين صوتيكما ليحتويني وأشعر بطعم الطقس والحياة!

تركت ما التف حول إصبعي من ذكريات، فازعاً لصوت مزعج قد أعتلى، يبدو إنهُ لي! عساني أتخلص من ركام الظلام حول مخيلتي فشوقكم كاد يمزقني.

بحَّ صوت مأمور السجن بمناداتي نحو مكان قد يبدأ فيه شيء لايُحمد عقباه، لكن لا بأس قادتني قدماي نحو مبتغاه .

وقفت على مقربة من جسد يرتدي بدلة سوداء مع شنب خفيف وعينان محدقتان، وأنف عريض، شعر أشمط خفيف، مستحل جسد المنصة المنتصبة بشموخ والموضوعة في قاعة كبيرة؛ ليفقع مسمعي بنبرة مليئة بالقرف:
_محمد أمين.

فُتح باب السجن شعرت و

يتبع

ذَاكِـرّة مـُتـَهـَم Where stories live. Discover now