1| عرابوا الليل

23.4K 624 109
                                    


يحلم الجميع بحياة سعيدة وسط هذا العالم الكئيب، متناسين واقعهم المشوه بتصديق كذبة أن البشر كائنات نبيلة تفتقر إلى أي صفات دنيئة، رافضين حقيقة أن كل واحد منا يحمل في داخله جانبًا بشعًا

لا وجود للخير دون الشر، و لا للشر دون الخير. و كما يقال، الصدق و الكذب وجهان لعملة واحدة، تفصل بينهما خطوة واحدة... خطوة واحدة من الخداع

مبتذل، أليس كذلك؟! لكن تلك لم تكن سوى بمجرد عبارة ولدت من رحم هذا العالم المشوه، مزخرفة بخيوط من الحيل الماكرة و مبنية على إيقاع مقطوعة شيطانية. مقطوعة تغنت بأن البشر ما هم إلا أبناء الجحيم. البشر أو الشياطين، النار أو الطين، لم يعد هناك فرق... لماذا؟ ببساطة لأننا جميعًا واحد

من الجحيم إلى السماء، و من السماء إلى الأرض وصولاً إلى مسقط الآلهة، الذي تدنس بخطوات ملاك أسود. هنا، في اليونان... أثينا، أرض الحكمة، حيث حُفرت تحتها قبور الآثمين لأرواح ملعونة، تراقصت بين لهيب واقع مشتعل تحت لعنة مُقدسة كتبت بدم الخطيئة

و كأن عصر الآلهة لم يغب أبدا، بل اصطدم بحاجز مظلم، بشيء عميق يلتهم الوجود مع كل نفس من حراس القصر. البدلات السوداء تملأ الأرجاء، و الأسلحة السوداء تتأهب لأي تهديد، محاصرين القصر من كل زاوية، فوق الأرض و تحته، على امتداد أكثر من خمسين كيلومترا. التوتر يخيم في الأجواء، و العيون تترقب بقلق... لماذا كل هذا؟! لأن اليوم يومٌ حاسم.. يوم مهم

في الأول من نوفمبر عام ألفين و عشرين، نُظمت حفلة "الخلاص" في قصر عائلة السيلفادور. قد تتساءل عن سبب هذه التسمية الغريبة! ببساطة لأن نهايتها ستشهد خلاص هذه الحياة من ثلاثة أشخاص لا يستحقونها. هذا الحدث لم يكن استثناءً بل تقليدًا للعائلة، آل سيلفادور، عرابي الليل الذين ارتوت أيديهم بالدماء في نفس التاريخ كل عام، منذ خمسة مضت ماحين أخطاء أسلافهم

هل قلت ثلاثة فقط؟ في الحقيقة، الرقم رمزي. هذه يا أعزائي ستكون مذبحة لطيفة للغاية... تذكير خفي بأن العدالة قد تأتي حتى من قلب الجريمة المشروعة

و رغم أن رؤية الخوف و التوتر على وجوه المدعوين قد تبدو مغرية للبعض، إلا أن المشهد الحقيقي يجري خلف الكواليس. في تلك الغرف المظلمة حيث تُراقب الأحداث بهدوء، تنكشف الفوضى الحقيقية. المدعوون، رغم معرفتهم التامة بأن حضورهم يعني أكثر من مجرد الإحتفال، يواصلون لعب أدوارهم البائسة. كأنهم يحاولون، و لو للحظات، الهروب من مصيرهم المحتوم.. أمر مثير للسخرية

اختلطت ضحكات النساء بثرثرة المنافقين، متداخلة مع نغمات الموسيقى لترسم تعابير الإشمئزاز على وجه ذلك اليوناني المنغمس في سكون أفكاره. مظهره جذب الأنظار للتأمل، مزيج من البرود و الهدوء مع لمحة حدةٍ متسربة من عينيه الداكنتين بلون سماء ليل معتم. لم تكن تلك العيون وحدها ما حملت حدته، بل امتد ذلك إلى جسده الضخم و الخشن، الذي كان مرصعًا بآثار حياةٍ قاسيةٍ، حياة عاشها و ما زال يعيشها. ذراعاه المتصلبتان، اللتان لم تلامسا إلا دفء السائل الأحمر الذي رافق حياته لون الدم الذي يجري في عروقه، و الذي نزف ليحافظ على رابطة عائلته. لون الدم الذي سينزف الليلة... و كل ليلة، فقط من أجل البقاء

EL CAPO ||new beginning حيث تعيش القصص. اكتشف الآن