كل شيء تحول لكذبة

289 25 3
                                    

في أحد الأزقة القريبة من الاخياء المهجورة يتربص ثلاث أشخاص مريبوا المظهر بمنزل أحدهم عن كثب ويراقبون جميع التحركات حوله وداخله..... و ليظهر من يمشي متجهاً للمنزل بعد منتصف الليل ثم يمر أسفل أحد الأنوار وتظهر ملامحه وإذ هو الأستاذ راي..... إلتفتَ يمنىً ويسرى ليرى إذا كان أحداً ما يلحق به أو يراقبه... أكمل مسيره عندما إطمئن متجهاً إلى باب منزل قديم تظهر عليه علامات السن بصوت صريره اللذي يصاحب فتحه.... عندما فتح الاستاذ البيت ببطئ إذا به يقف مذهولاً من اللذي يراه امامه... شخصان ذوي بذلة سوداء وهيئة غريبة أقرب الى المافيا.... فما كان منه الا ان يفتح فمه على آخره دلالة لتعجب المصحوب بغض عارم... لقد تذكرهم إنهم أولائك الأشخاص إنهم.......(لماذا أنتم هنا يا اوغاد...هيا إذهبوا) قالها بجنون و علامات كبح نفسه تظهر عليه بوضوح..... رد عليه أحدهما بهدوء (تعال معنا ولن نفعل لك شيئاً) أثار هذا الكلام أعصابه بعد محاولات تنفس بطبيعية بائت بالفشل (لن أبرح مكاني بعدما حدث منذ زمن تعودون من جديد) تحدث بغضب وإذا بهما يباشران الهجوم ....لكن أحدهما وقع أرضاً وركل الآخر ليبعده عنه..... أمسك بياقة الشخص الذي على الأرض وبدأ بلكمه على وجهه (إبتعد عن ريو أيها الأحمق) قالها الشخص الآخر بعدما ركله ومن ثم توجه نحوه وأمسك به ليتحدث بلهجة مستهزءة: (ماذا تظن نفسك فاعلاً!!) إبتسم راي بخبث وقال: (إني أنجو بحياتي) ليخرج سكيناً صغيرة من جيبه ويطعنه..... بدأ يضحك بجنون و انتهى به بدموع تخرج من عينيه إلى أن أغمي عليه بسبب ضربة على رأسه من أحدهم تسلل من خلفه..... (هل أنتما بخير؟!) قالها وهو ينظر للأستاذ.
*****في اليوم التالي*****
فتحت عيناي ببطء لأرى نفسي في مكان آخر جالت أنظاري تستكشف المكان حتى لاحظت وجودي في غرفة بيضاء...... حاولت أن أستوعب المكان الذي أنا فيه...... لأصل لنتيجة تقول أنني في غرفة إحدى المشافي لما أنا هنا وماذا أفعل؟؟ كم يوماً مضى؟! وجهت ناظري نحو النافذة لأتأمل مافي الخارج.
فُتح الباب الغرفة بهدوء و كان زين من فتحه ثم أستأذن لدخول إليها ويرى أنني مستيقظة إتجه نحوي ببطء لكني استشعرت وجوده وادرت وجهي نحوه وقف أمامي و وجهه يعلوه الحزن والأسى لكنه بدلها بعدما أخرج قلماً وورقة ليعطيني إياها وقال لي (أريد أن أتحدث معك في موضوع مهم) نظر إلي منتظراً جوابا لأرد بالموافقة.... جلس على الكرسي الذي أحضره من أحد أطراف الغرفة ويبدأ حديثه قائلاً: (مينا.... يجب أن تكونِ مستعدة جيداً) نظر إلي ليراني أحرك القلم على الورقة قائلة: (ماذا هناك؟! تبدو من ملامحك أنك جاد في هذا الموضوع) وجه ناظريه إلى عيناي ليراهما حزينتين فارتبك كيف سيقولها لقد عجز لسانه عن نطق تلك الجملة التي بداخله ولكنه إستجمع قواه أغمض عينيه ...تنفس ببطء ليبدأ حديثه: (مينا... أمك قد وافتها المنية) هذا شيء وما حدث لي شيء آخر فلقد ضحكت بكل ما اوتيت من قوة و زين بدى عليه الأسى بينما يحاول تهدئتي لكن ضحكاتي كانت قوية جدا و بعدها بلحظات إنهارت دموعي و بدت كالمطر ولم أرى نفسي غير أنني أصبحت أمام غرفة أمي.
لم أهتم كثيراً ما قاله زين مما دفعني راكضة إلى غرفة أمي فأنا متأكدة انها لن تتركني...لقد عانيت لكي تعود الي لن تموت بهذا السهولة
قلت ما في قلبي و الأسى يحتضرني ....وقفت أمام الباب مترددة قبل فتحه..... و بعد ان استجمعت قواي...فتحته... وإذ أرى أن بعض الممرضات يرتبن الغرفة والسرير كان فارغاً لأسمع صوت زين من خلفي يقول والأسف بادٍ عليه: (مينا...... لقد نقلوها إلى الخارج..... نقلوا جثمانها من هنا) لم تحملاني قدماي بعد الذي حدث أمامي ...العالم اصبح مشوشا جدا وكل شيء بدى اسودا لأجلس أرضاً... رفعني زين عن الأرض وأجلسني على أحد المقاعد وقال لي: (إهدأي مينا فأنا معك).
مرت فترة عليهم إلى أن هدأت مينا من بكائها اللذي يعتصر القلوب و يجرح الكيان ...ليأخذها زين معه خارج المشفى..... أوقفته مينا لتكتب: (إلى أين تأخذني) نظر إليها ليقول: (يجب أن نذهب لعزاء والدتك بسرعة)..... ركض كلاهما بسرعة إلى أن وصلا للمقبرة حيث يدفنون والدة مينا.... ثم اكملت لزين (لكن كيف...لما يريدون التخلص من جثمانها بهذه السرعة )
اشاح زين نظره عنها فلم يعرف بما يجيبها ايقول انه يعلم حالة مينا المادية اللتي لا تسمح لها بفتتاح جنازة
فكتفت هي باحتضان حجر القبر و الجلوس بجانبه بيعنيان سلبت منهما الحياة...بقيا هناك لحوالي ساعتين أفرغت مينا خلالها كل شيء بداخلها وأهمها أنها قالت: (أمي سامحيني لعدم تمكني من مساعدتك)
وأما عن زين فتحدث في نفسه: (خالتي سأحميها من كل شيء ثقي بي) ليتحدث بعدها مصراً: (مينا هيا بنا علينا الذهاب بسرعة) نظرت إليه باستغراب وكتبت قائلة: (إلى أين ستأخذني؟؟) رد عليها قائلاً: (لتعلمي الحقيقة....حقيقة الكذبة اللتي عشتي بها) نظرت إليه نظرات شك وعدم تصديق مما يقوله لتتحدث مع نفسها: ماذا يعني هذا بكلامه ايريد قتلي من الألم اكثر؟
كتبت له رداً عليه: ( حقيقة ماذا؟!)... مد يده لكي يساعدها على النهوض (هيا بنا..... فوالدك ما زال على قيد الحياة ولم يمت).
توقع زين ردة فعل أكبر وليس فقط ابتسامة مستهزئة خالية من معنى الحياة
و كأنها تقول ...لن يفاجئني اي شيء اكثر بعد اللذي حدث
..
لم أصدق في البداية كلام زين لكنني توجهت معه إلى قصر كبير ذو حديقة بديعة المجال تتربع على عرش المدخل و لا أخفي عن أحد روعة ذلك المكان..... دخلنا من بوابة كبيرة إلى الداخل لأرى رجل كبير في السن أعتقد أنه كبير الخدم بل من زيه الرسمي أكد لي هويته... إنحنى مرحباً فينا لنرد عليه التحية بانحنائنا وقال: (زين من هذه التي جائت معك) ليرد عليه مبتسما: (إنها إبنة السيد.... ويجب أن يراها الآن)... (ماذا!!!.... هل هذا صحيح؟) قالها متفاجأً..... هز رأسه علامة على صدق حديثه..... هذا أمر غريب من جهتي فلم أعتد على هذا طوال حياتي...... أخذنا كبير الخدم إلى غرفة والدي وأنا أنظر بدهشة حولي من جمال المكان من يعيش هنا من المؤكد سيكون سعيدا جدا...... ليتني عشت هنا مع أمي هكذا ...قلت والحسرة في قلبي....دق الباب ودخلنا جميعاً وقال كبير الخدم: (سيدي لقد جاء زين) إنحنى زين لرجل يبدو في الستينيات من عمره إنه كبير جداً كيف يكون لهذا الرجل أن يكون والدي فعلامات الدهر تروي حكاية بين تجاعيد وجهه..... رد عليه: (حسنا.... هل يمكنك الخروج) بقينا أنا وزين في الغرفة بمفردنا مع...... الذي أعتقد أنه والدي.
..
ظل الجميع صامتين لفترة قبل أن يتكلم قائلاً: (لقد أصبحت شابة يابنتي) ابتسم وعلامات الحزن تظهر عليه..... أخرجت دفترها من الحقيبة لتكتب ببرودة قائلة: (قبل كل شيء هل أنت حقاً والدي؟؟)....قبل ان تحصل على الرد من والدها قال لها زين (لا داعي للكتابة استخدمي لغة الايادي و سأترجم لسيد كلامك) ....فهمت مينا انه تعلم اللغة كي يتواصل معها فلم تعطه اي ردة فعل تذكر و بالعودة لوالدها.... لم يعلم ماذا سيقول لها..... أغمض عينيه ليقول: (أعلم أنك لا تصدقين أنني والدك..... لأنني تركت المنزل منذ ولادتك بسبب شيء حقير و دنس مثلي). تفاجأت منه وتكلمت بسرعة وحزن ليترجم زين و صوته يروي احاسيسها(لما تركتنا أذلك العمل أهم من عائلتك أهو أهم من زوجتك التي توفت بين يداي أهو أهم من طفلك الذي جاء إلى هذه الدنيا) توقفت عن الحركة والدموع كادت أن تنهمر لكنها صدمت من شيء قاله والدها مما جعلها تخرج من الغرفة وهو: (لقد تزوجت امكي عندما كانت شابة جدا ...لكن عائلتها كانت من افقر ما يكون فستغللت هذا الامر لصالحي و عرضت على والدها مبلغ كبيرا مقابل ان يزوجني بها)
نظر لوجهي اللذي حكمه الجمود و يكمل (تزوجنا و قبلت هي بذلك حتى تعيش عائلتها بكرامة...و لم تعلم ان الحب لن يكون له مكان بيننا .... تزوجتها عندما كنت في الاربعين من عمري...٤٥ سنة تحديدا لهدف واحد فقط...اردت وريثا لثروتي اللتي تناقلتها عائلتي جيلا بعد جيل .... و هذا السبب الاساسي لتركك...عندما ولدتي فتاة لم تسلم أمكي مني كنت افرغ غضبي عليها لانها لم تحضركي صبيا و الاسوء كان عندما علمت بأمر نقصكي اعني كونكي بكماء في تلك الليلة رميت والدتكي و ...رميتك معها على قارعة الطريق )
تكلمت مينا بعدها و مظهر البرود عليها (ماذا تريد مني بعد كل هذا)
اجابها بصوته الأجش (الله عاقبني على الظلم اللذي الحقته بكي و بوالدتك ...الوحدة غزت كياني ...انا امتلك كل شيء...المال و السلطة و الشهرة لكني لا املك الحب لا يوجد من اكلمه او اضحك معه ) قالها بحزن وأسف
و يعيد نظره علي بسخط مكملا (لم يبقى لحياتي سوى بضعة اسابيع ان بقيتي معي لحينها فقط كل هذه الثروة ستكون لك)
اخر ما قلته له  قُبيل ان اخرج من غرفته القذرة (المال لا يشتري السعادة و بعد ان حرقت قلب امي و قلبي لا اعتقد اني ساكون لك ... ثروتك لن تشتريني)
ثم خرجت من الغرفة و زين لم يحاول منعها فالحق كان معها
اغلقت الباب خلفها و بقي جزء منه مفتوحا
لتركي نفسها عند الحائط برتياح
و تقول مع نفسها (اعتقد يا امي اني اخذت حقكي من هذا الظالم ....امي لقد عثرت على شخص يحبني انه....) قاطع سلسلة الافكار تلك صوت صفعة قوية من داخل الغرفة فما كان منها ان تسترق النظر لما يحدث
والدها صفع زين بكل ما اوتي من قوة ليقول له بغض (قلت لك اعترف بحبك المزيف اللعين لها و لم امرك بتقبيلها كيف تتجرئ على لمس ابنتي)

صوت كسر قوي طرئ في رأسي و كأن صوت تحطم زجاح قلبي وصل صداه الى عقلي
حب مزيف....والدة ماتت...اب فظيع...استاذ مجنون....
قدماي تحركت وحدهما في تلك اللحظة وإذا بي أذهب إلى درج الصعود فلقد أكتفيت من هذه الحياة الجميع لا يرحمون أبداً..... لقد كانت أمي الوحيدة التي تسمع شكواي ولكن الآن لا أستطيع التحمل...... وصلت إلى السطح وقفت قرب أحد أطرافها وأنا أنظر نحو الأرض إنها بعيدة......
..
ما زال صراخ الرئيس عالياً (لم يجب أن أقول لك أحبها.... تباً لكن وأمثالك سأقتلكم جميعاً)..... تنهد وبعدها رد عليه قائلاً: (إهدأ سيدي فلا داعي للغضب)... (أخرج أيها الأحمق من غرفتي بسرعة) لم يزدد كلامه إلا غضباً عليه...... خرج زين لينظر يمنى ويسرى ولكن لم يرى مينا هنا تحدث في نفسه قائلاً: (أين من الممكن أن تكون هل من الممكن أنها خرجت) توجه نحو ساحة القصر ليبحث عنها هناك لعله يجدها..... وحين سيره نظر إلى القصر ليرفع ناظريه لأعلى فقد كنت اقف اعلى سور السطح و الرياح تداعب خصلات شعري في كل الاتجاهات
تركت حذائي بالقرب من الحافة.... لأسمعه يصرخ بأعلى صوته: (مينا.... لا) ....فات الاوان
.......يتبع.....

إني احبك...لما لا تصدقين؟! Where stories live. Discover now