الوقت الضائع

14.7K 787 26
                                    

لم اعرف بماذا شعرت عندما أكد لي الشرطي موت محمود . كانت مشاعري متضاربة ولم اعرف هل ابكي ام اضحك ام اصرخ ام اهرب او اعود للنوم .. كنت حقاً غير مصدقة للخبر .
بعد ان أخبرت الشرطي بكل ما حدث و بأني لا املك اي فكرة عن سبب موته لاني فقدت الوعي قبلها ، اخبرني الشرطي انه بحلول وصول الشرطة لمسرح الجريمة كان محمود ميتاً غارقاً في دماءه وانا فاقدة للوعي . سألتها عن سبب موته فقالا انه نتيجة لاصابة في الرأس فيما بدى انه سقط وارتطم رأسه على قطعة حادة من الاثاث . عندها أكدت لهما انني لم اشهد هذا الامر لان اخر ما أتذكره هو رجلي المكسورة. غادر الشرطيان وهما يخبرانني ان التحقيقات ستظهر كل شيء. لم ادرك حينها انني كنت متهمة بقتل محمود .
*****
بعدها لم تكن الأشياء سهلة ابداً فبإصاباتي ووحدتي في الغربة كان عليّ أيضاً ان أدافع عن براءتي، فقد كان شك الشرطة انني قتلته دفاعاً عن نفسي او ربما عن غير عمد . لكن تلك لم تكن الحقيقة . وبإحتجازي على ذمة التحقيق وخوضي لاختبار جهاز الكذب وحضوري للمحاكمة كنت احس بإن لعنة محمود تلاحقني وانه لا يريد ان اعيش بسلام حتى بعد موته . كان الشيء الوحيد الذي أخرجني من تلك التهمة هي نتائج التحقيق الجنائي الذي اثبت به الطب الشرعي ان سبب موته هو على الأغلب فقدان توازنه بسبب نسبة الكحول العالية في دمه مما جعله يسقط ويؤذي رأسه مما سبب وفاته.
وعندها أفرج عني ، وخرجت من تلك المحكمة وانا اشعر ان الأشياء السيئة ستلحقني بطريقة او بأخرى . متوجسة وخائفة مشيت بحذر بعكازي الذي كنت اشعربالتعب بعد فترة قصيرة من الاستناد عليه فاتوقف للراحة قليلاً كل فترة واُخرى ، وفي النهاية وصلت الى المنزل ... تلك الشقة التي لي فيها ذكريات شهور طويلة من التعذيب وذكريات موت محمود عليها . احسست بأني تحولت الى وحش كما ارادني محمود ان اكون ، لانني شعرت بإن موته بتلك الطريقة البشعة هي عقاب الله وانصاف لظلمي .
لم يرحل عني محمود الا وقد نزع عني كل شيء جميل كنته . كنت متضررة بشكل بالغ جسدياً وبشكل غير قابل للإصلاح نفسياً . لم أعد شيئاً من تلك اماني التي كنتها يوماً . ولم أعد اعرف ماذا اكون .
******
رغم معرفة الجيران بما كان يفعله محمود بي الا انهم اعتقدوا انني من قتلت محمود كنت ارى ذلك في نظراتهم وتجنبهم لي .. اردت الصراخ في وجههم ان المحكمة اثبتت براءتي ثم أتراجع عندما افكر بأني لا يجب ان اهتم بمٓ يفكرون. كنت قد اقتنعت انني مخلوق سيّء لانني لم أعد آبه او اشعر بأحد وبأنني وحش حقاً ، وكنت ابتسم وانا افكر بأنني اصبحت حرة لأفعل ما اريد بحياتي بعد موت محمود ، ولم أذرف دمعة واحدة لاجله .
*****
للحق ، كنت أواجه صعوبة في البقاء في الشقة ، فقد كنت اشعر بمحمود وروحه تجوب المكان ، وبالكاد كنت اتمكن من النوم ليلاً . لذلك كنت اخرج كل صباح ولا اعود الا مساءً.
وبقيت على هذا الحال ايام طويلة . وكانت قد بدأت حياتي تستقر قليلاً عندما في احدى المرات وأثناء عودتي مساءً رأيت رجلاً واقفاً امام باب شقتي . لم اعلم لكم من الوقت قد قرع الباب حتى ادرك ان لا احد بالداخل وقرر الانتظار . اقتربت خائفة بحذر ، الإضاءة في الممر لم تكن جيدة بحيث لم ادرك انه يوسف الا عندما كنت واقفة أمامه بالفعل وهو يحدق بي !
وكأن اعصاراً ضرب بكافة مشاعري لحظتها لم اكن اعرف ماذا اشعر او ما يجب ان اقول او كيف اتصرف بعد كل ماحدث بينما هو وقف ينظر نحوي بصمت وبألم كما لو كان يعلم ما حدث ، ذلك جعلني اخرج من تشوشي وكل ما احسست به هو الغضب .
" اماني ..!" قالها يوسف بنبرة يائسة " لقد بحثت عنكِ طويلاً لماذا اختفيتي هكذا ؟"
قبل ان استوعب الامر كان قد احاطني بذراعيه وشعرت بقلبي يتحطم لآلاف القطع الصغيرة .. كان حضنه لا يزال دافئاً يشعرني بأن لا هم موجود في الدنيا ، كما أتذكره . كان هو لا يزال كما كان وهو جني .. نفس الملامح وبنية الجسم ولا زال يبعث فيني نفس المشاعر تلك التي حاربتها وقبرتها عميقاً في قلبي . اردت البكاء بشدة وأردت ان اشكو إليه بكل ما حدث .. لكني لم أعد اماني التي احبها لم أعد شيئاً منها انا فقط تلك المرأة التي ذهبت لتتزوج شخصاً اخر .. انا ذلك الوحش الذي اصبحته بحيث لم يعد بإمكاني الشعور بشيء .. بل لا يحق لي .
دفعته عني بقسوة وقد استعدت عقلي . انا " اختفيت ربما لانني تزوجت! "
قلتها بابتسامة ساخرة على وجهي بينما بدت الصدمة على وجهه ثم رأيت الوجع في عينيه عندما نظر الي طويلاً وأدرك انها ليست مزحة . ثم قال " لا يمكن ان يكون هذا ممكناً ! انا .. نحن نحب بَعضُنَا .. اماني .. انتِ وعدتي بإنتظاري !" صرخ جملته الاخيرة ولا يزال مأخوذاً بما قلته .
غضبت انا أيضاً من كلامه " لقد اخبرتك ان لا تذهب لكنك ذهبت رغم رجائي ودموعي ، لمٓ يجب علي انتظارك . انا أكرهك !" صرخت بكل قوتي وفتحت باب شقتي ودخلت مغلقة ورائي الباب تاركة يوسف لا يزال في مكانه متجمداً غير مصدق لما يحدث .
سقطت أرضاً فور إغلاقه الباب ، وبدأت ابكي بصمت وانا اعتذر ليوسف في نفسي " اسفة يوسف لكنك اتيت متأخراً جداً .. اماني التي أحببتها ماتت !"

©Manar Mohammed ..

حبيبي الجني (مكتملة)Opowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz