الفصل الخامس

72 11 2
                                    

مرت ساعات طويلة ممنطقة بهمس الفكر و نداء العاطفة ، خرجت ليلى على إثرها من بيت جدتها ووقفت تودعها أمام عتبات الباب ، و الذئب قربها يشاهدها بعينين تلتويان بحزن مبتسم . الجو كان قد أظلم حينها و السماء اكتست بغطاء أسود حالك مرصع بقبل الشمس و جواهرها ، الطبيعة سكتت  هدئت تماما مستكينة لذراعي الظلام القويتين ، وحده القمر  من كان يحي الجميع بأشعته الدافئة. 

قبلت ذات الرداء الاحمر جدتها قبلة الوداع ثم اقتربت من الذئب و هي تداعب فرائه و تدغده ، أما الجدة فكانت واقفة أمام الباب وهي  تنظر بعينين حانيتين إلى الطفلين الذين كسرت أسهم الحياة برائتهما ، و تنادي ليلى و توصيها :
"خذي حذرك يا بنيتي فالليل في القرية مخيف و انتبهي من عويل الذئاب البشرية إذا وقعت أعينها الحاقدة عليك و ممتلكاتك ، فحينها لا شيء سيقوفها عن الوصول إليك و تدميرك . و أنت يا ذئب اعتن بها جيدا "

"لا تخافي جدتي " أجابت ليلى بمرح ثم التفت إلى الذئب و همست له :" يا لبهاء و حسن القمر هذا المساء"

فتح الذئب شفتيه مجيبا  لكن رائحة مألوفة تسللت إلى أنفه محركة وعاء الذكريات من جديد،  لقد كان العطر نافذا وقويا من ذاك النوع الذي يميزه المرء و لو كان يبعد آلاف الأمتار عنه ، لقد كان ذاك العبير ينتمي لبشري . 

تحركت الحشائش المحيطة بالبيت و انبرى منها صوت قوي جهوري تبعه انفجار صغير ثم رصاصة فضية لامعة شقت طريقها في الهواء بسرعة غير مولية على شيء ،  كانت تمضي في درب سطرته أيد الأقدار لها على ضوء القمر الباكي الذي ينزلق ملامسا سطحها الأملس اللامع ، حياتها قصيرة قصر  الشمعة فقد ولدت من رحم المسدس قبل ثانية و نصف ، و هي ذي قد اجتازت مراحل حياتها الأربع: الطفولة والشباب و الكهولة ثم الشيخوخة ، و الآن قد حان وقت موتها ، داخل قلب الجدة الطيب .
اخترقت الرصاصة الجدة في طرفة عين  فخرت صريعة هي تلفظ أنفاسها. أما ليلى و الذئب فقد أذهلتهما المفاجئة فتسمرا في مكانيهما ، و قد عقدت الصدمة لسانيهما و أعاقت تفكيرهما .

لكن الذئب كان أسرعهما انتباها و بديهة، إذ لمح بطرف عينه رصاصة أخرى تتجه نحو ليلى  فقفز أمامها في رمشة عين حاميا بذاك ذات الرداء الأحمر من الموت و مضحيا بنفسه بدلها .
منهارة ،لم تكن تعرف ليلى ما الذي تفعله، أو ماذا حدث في الثوان الاخيرة ، لكن صوت الذئب الحازم و هو يأمرها بالهرب أعادها إلى الواقع ، فأطلقت ساقيها للرياح و جرت بكل قوتها ، لعل الحياة تهديها فرصة للعيش .

 الذئاب لا تنام Where stories live. Discover now