خليط منصهر

فصل ثالث

-صدقوني لايوجد شر مطلق ولا حتى خير مطلق، ثقوا بي نحن لسنا طيبين، كما وإن شرشبيل ليس شرير…

لم يكمل عبارته حتى هتف الجميع بعدم الرضا والاعتراض على كلامه ومنطقه، كيف لهم أن يكونوا ليسوا طيبين، سيما إنهم بحصار وضغط متواصل لضمان حريتهم قليلاً، لا بل كيف لشرشبيل أن يكون ليس شريراً، وقد سرق كسول وربما جعله وجبة يلوك بها وسط فكيه الشرسة!

أنتفض بابا سنفور وقال بصوت ثخين مليء بالفصاحة والسنفرة:
-ياصغاري السنافر لاتحكموا عقولكم لجانب واحد، صدقوني هذا خطأ فادح، فاليوم لابد من تغيير الحقائق النسبية التي اخذت طابع الاطلاق، فقط ثقوا بيّ لايوجد شيء مطلق.

همس سنفور خياط ليقول بتردد:
-بابا قد اتفق معك، فــ بالامس لاحظت إنه من الممكن خياطة بدلة جميلة من قطعة صوف بدل الحرير الناعم، بعدما جزمت إنه لايمكن، بشكل مطلق.

ضحك الجميع وأسترسلوا في الضحك حتى تنهد بابا سنفور ليقول بصوت مرتفع عما قبل:
-لدي فكرة مسنفرة ياصغاري، كل واحد منكم يذكر لنا سلبياته وايجابياته، مارأيكم؟

تسلل هلهول نحو السنافر ليجدهم مجتمعين حول بابا سنفور وهم يتحدثون ويفكرون وغالباً ما يضحكون، فرجع لشرشبيل مخبراً له ماشاهدت عيناه وهو منذهل، كيف لهم أن يتناسوا أمر سنفور كسول!

زمجر شرشبيل وأخذ يقطب حاجبيه مستدرك لما سمع؛ فيقول:
-الويل لكم جميعاً، لو بقي لي يوم واحد لن يهدأ لي بال حتى احطمكم سنفوراً، سنفوراً…

أرتعب كسول مما سمع الا إن كسله جعله كالابله فزفر بضيق وهو يقول:
-شرشبيل قل لي ما الدافع من التهام كائنات زرقاء لا تشبعك.

ضحك الاخر وهو يمتعض مما سمع وأخذ يتراجع نحو مكبس خاص، ضاغطاً اياه ليفتح بدوره صندوق صغير ليضع كسول داخله ليبدأ بالتنحنح وبنبرة شرسة يقول: