هل أغار ؟؟

30.4K 795 7
                                    


الفصل الثالث عشر

هل أغار ؟؟
هتفت حنان باستنكار :- لم يحدث شيء !
قالت حنان وهي تمشط شعرها بعصبية :- لقد أخبرتك بأنه قد وصل متأخرا ونام دون أن يوجه لي أي كلمة .. لقد كان يظنني نائمة في الواقع
فكرت حنان قليلا ثم قالت بحزم :- هذا يدل على نبل أخلاقه
نظرت إليها نانسي باستنكار فأوضحت حنان :- لابد أنه يقدر عدم تجاوزك بعد لوفاة والدتك .. ويترك لك المجال لتتأقلمي مع وضعك الجديد كزوجته
تجهمت نانسي .. قطعا هي لم تفكر بهذه الطريقة .. هل كان هذا هو هدف محمود ؟ ألا يجبرها على شيء ليست مستعدة له بعد ؟ .. لم تعرف هل تقدر فيه فعله هذا أم تحقد عليه لأنه يثبت لها من جديد بأنه أفضل منها .. ولكن الحقيقة هي أن صورته داخلها قد تغيرت قليلا .. ما الذي توقعته ؟ الدكتور محمود أستاذ جامعة قدير .. وليس رجل غابة متوحش .. تنهدت وهي تقول :- من الأفضل أن أذهب إلى الجامعة قبل أن أتأخر
ارتدت ملابس داكنة اللون بالطبع شديدة الأناقة .. مع زينة خفيفة على وجهها لم تنقص شيئا من جمالها ورقي مظهرها ..
إن كانت ستعود إلى الجامعة .. فستتسلح بأقوى أسلحتها .. الأناقة
أوصلها مأمون إلى بوابة الجامعة .. وهناك سألها :- متى أعود لاصطحابك يا سيدة نانسي
نظرت إلى ساعتها قائلة :- في الساعة الثانية والنصف
ترجلت من السيارة بساقين مرتعشتين .. وبصعوبة استطاعت اختراق الجامعة وهي تعتنق روحها القديمة .. المشبعة بالثقة والكبرياء .. أدهشها رد الفعل الذي وجدته إذ أسرعت زميلاتها نحوها مرحبات بها ببشاشة .. بعبارات العتاب للغياب الطويل .. ثم أطلقت إحداهن تعليقا خبيثا عن الدكتور محمود .. هكذا إذن .. لقد أدركن بأنها الآن أصبحت زوجة أستاذهن .. بل هي زوجة رجل مهم في المجتمع .. مما يعني أن إغضابها ليس من مصلحتهن .. لدهشتها لم تكن نانسي سعيدة لهذا .. فهي لا ترغب بأن يعود مجدها القديم القائم على المصالح والذي أثبت هشاشته من خلال تجربتها .. لم ترغب بمودة تختفي عند حدوث أي مشكلة معها .. إلا أن هذا يبقى أفضل بكثير من عدائهم واضطهادهم لها
تساءلت عن مصدر معرفتهم بخبر زواجها .. وعندما انتهت محاضرتها الأولى .. خرجت لتجد ماهر في انتظارها.. نظرت إليه ببرود وهو يتجه نحوها قائلا :- صباح الخير يا نانسي .. تسعدني عودتك
تمتمت بهدوء :- أشكرك
قال بخفوت :- أعتذر عما بدر مني في المستشفى يا نانسي .. لم يكن من حقي مخاطبتك أو الحكم عليك بهذه الطريقة .. لقد عرفت بوفاة والدتك .. والدكتور محمود هو أفضل من يهتم بك ويحميك وقد خلت حياتك من أي معين
رفعت عينيها إليه قائلة :- هل أنت من أخبر الطلاب بزواجي من الدكتور محمود ؟
:- كان لابد أن أمهد لعودتك .. وقد توقعتها .. الآن لن يجرؤ أحد على الاقتراب منك أو الخطأ في حقك
ثم قال وقد ظهر القلق في عينيه :- هل تسامحينني يا نانسي ؟
ابتسمت قائلة :- أنت صديقي الوحيد يا ماهر .. لو لم تأت إلي لأتيت أنا إليك
تبادلا بعض الأحاديث قبل أن يفترقا ليلتقيا بعد المحاضرة الثانية
لم تر نانسي محمود في الكلية ذلك النهار .. بل هي لم تره على الإطلاق ذلك الصباح إذ استيقظت لتجد جانبه من السرير فارغا مما أشعرها بالراحة والإسترخاء
أوصلها ماهر إلى حيث يقف مأمون بالسيارة في انتظارها وهو يقول :- ان احتجت لأي مساعدة فلا تترددي في سؤالي .. وسأحضر لك كل ما تحتاجينه من أوراق ومحاضرات فاتتك
:- أشكرك يا ماهر
ترددت قبل أم تطرح عليه السؤال الذي كان يقلقها منذ الصباح .. وعندما طرحته قال بدهشة :- جابر ؟ ما الذي ذكرك به الآن ؟ لقد طرد من الكلية منذ فترة طويلة .. ربما بسبب إحدى فضائحه الأخلاقية
هدأت أعصاب نانسي التي أمضت يومها تتلفت يمينا ويسارا خوفا من مصادفته في الكلية .. عندما وصلت إلى البيت .. بدلت ملابسها ثم تفقدت لينا التي كانت ترسم في غرفتها .. قضت معها بعض الوقت .. ثم قررت النزول إلى المطبخ والبحث عما تأكله وقد شعرت بالجوع الشديد بسبب وصولها متأخرة عن موعد تقديم الغداء ..
توقفت جميع العاملات عن العمل على إثر دخولها إلى المطبخ .. ونظرن إليها بدهشة .. أسرعت نجوى نحوها وهي تقول بارتباك :- سنعد لك الغداء فورا يا سيدتي
قالت نانسي بهدوء :- أخبريني أين أجد كل شيء وسأخدم نفسي بنفسي
موقفها كان مفاجئا حتى لحنان التي أبت إلا أن تساعدها في وضع الطعام داخل المايكروويف وتسخينه .. ورغم اعتراضها لم تقبل نجوى أبدا إلا أن تقدم لها الطعام في غرفة المائدة وبطريقة لائقة
وعندما بدأت بالأكل سألت نجوى :- هل يأكل السيد محمود كثيرا خارج المنزل ؟
أجابت نجوى :- نادرا ما يتناول غداءه هنا .. ولكنه غالبا ما يعود وقت العشاء
أنهت نانسي طعامها بهدوء .. ثم سألت فور انتهائها :- هل الجدة مستيقظة ؟
:- لا أعتقد يا سيدتي .. فهي تنام دائما في هذا الوقت
تساءلت نانسي عما تفعله .. فقررت الدخول إلى مكتب محمود والبحث عما تقرأه .. دخلت لتجد ريم هناك تجلس على إحدى الأرائك الجلدية باسترخاء وتتصفح إحدى المجلات .. اعتذرت نانسي قائلة :- أنا آسفة .. لم أعرف بوجود أحد هنا
أجابت ريم ببرود :- كما ترين .. أنا هنا ولا أحب أن يقاطعني أحد أثناء مطالعتي
كبتت نانسي غضبها وهي تقول :- في هذه الحالة عليك إيجاد مكان آخر لمطالعتك .. فأنا بحاجة إلى كتاب
نهضت ريم بغضب .. ولكن قبل أن تنطق بـأي كلمة .. ارتفع صوت محمود يقول :- مرحبا أيتها الفتاتين
استدارتا نحوه فاقترب من نانسي قائلا :- كيف حالك يا حبييبتي ؟
وكي يفاجئها .. انحنى ليطبع على وجنتها قبلة سريعة جعلت قلبها يخفق بقوة .. ولكنها فاجأته بدورها وهي تقول برقة شديدة :- بخير يا حبيبي .. لقد اشتقت إليك كثيرا
ارتفع حاجباه بدهشة بينما استرقت نانسي النظر نحو ريم الساخطة .. والتي قالت بحنق :- بالإذن
ما إن خرجت حتى ابتعدت نانسي عنه وهي تقول بجفاف :- أهلا دكتور .. لم أتوقع عودتك باكرا
قال ساخرا :- كما لم اتوقع عند عودتي عرضا غراميا أمام ابنة عمي .. ما هو هدفك بالضبط ؟
قالت ببرود :- ربما انا لا أحب أن يدرك أي من سكان المنزل حقيقة زواجنا المخزي .. وريم تنتظر كالصقر الجائع أقل لمحة عن ذلك .. لا تحاول التظاهر بأنك لم تعرف بان ابنة عمك مغرمة بك
قال ببرود مماثل :- اتركي ريم في حالها .. وأنصحك أن تهتمي بأمورك الخاصة في هذا المنزل .. وبدلا من إجهاد نفسك في مشاكسة الآخرين .. تذكري كيف وصلت إلى هنا
قبل أن تتمكن من منع نفسها هتفت بغل :- أنا أكرهك
وضح حقيبة اوراقه على المكتب وهو يقول :- وهل ظننتني متيم في هواك ؟
استدار نحوها يسألها فجأة :- كيف كان نهارك في الجامعة .؟
هزت كتفيها قائلة :- جيد
نظر إلى وجهها متفحصا وكأنه كان في انتظار جواب أكثر إسهابا .. سألها :- هل قابلت ماهر؟
:- طبعا قابلته .. هل نسيت بأنه صديقي ؟
تجهم وجهه دون أن يعلق .. قال مغيرا الموضوع :- جهزي نفسك هذه الليلة .. فنحن مدعوان للعشاء
قالت بدهشة :- نحن ؟
:- نعم .. أحد شركائي وأعز أصدقائي عرف بزواجنا ودعانا للعشاء احتفالا به .. يجب أن تتوقعي الكثير من هذه الدعوات .. فأنا لدي الكثير من المعارف
لاحظ ترددها فسألها :- هل من مشكلة يا نانسي ؟
لم ترغب حقا بقول ما يشغل بالها .. ولكنها تجاوزت كرامتها وقالت بانزعاج :- ليس لدي ما أرتديه
دهش وكأن هذا كان آخر ما توقعه منها .. وقال :- عرفت بأنك قد أحضرت معك الكثير من الحقائب الممتلئة بالملابس
قالت بحدة :- أنت لا تفهم .. ملابس السهرة لدي قديمة وقد لبستها أكثر من مرة .. كما أنها لا تناسب امرأة متزوجة
نظر إليها طويلا ... قبل أن يبتسم لدهشتها بحنان قائلا :- علي إذن أن أعتذر منك يا زوجتي العزيزة .. لم تحصلي على زفاف لائق كغيرك من العرائس .. أو حتى على جهاز مناسب .. كان علي التفكير بهذا مسبقا .. أنا آسف
فغرت فمها ذاهلة عندما قال :- يمكنك أخذ مأمون والذهاب إلى السوق وشراء كل احتياجاتك .. واحتياجات لينا أيضا .. ما يهمني هو أن تكوني جاهزة في تمام الساعة الثامنة لنلحق بموعدنا .. هل يناسبك هذا ؟
أفاقت من دهشتها .. ورفعت رأسها قائلة بشموخ :- لا بأس
ضحك وهو يقترب منها .. وينظر إليها برقة قائلا :- أنت طفلة صغيرة يا نانسي .. مهما حاولت التظاهر بالقوة والنضوج .. فأنا أستطيع بسهولة رؤية تلك الطفلة المختبئة هنا
أشار إلى صدرها .. قبل أن يداعب أنفها بخفة ويتركها مغادرا المكتب .. عقدت ساعديها أمام صدرها محاولة إبعاد تأثير لمسته العابرة وهي تفكر بعناد .. إن كان يظن بأنه قد اشتراني .. فهو لن يدفع ثمنا بخسا لي .. من واجبه أن يوفر لي كل ما أرغب به .. أليس كذلك ؟
في تمام الساعة الثامنة .. كانت نانسي تضع لمسات الزينة الأخيرة أمام المرآة .. وبطرف عينها كانت تراقب محمود وهو يحكم وضع ربطة عنقه .. ملاحظة وسامته وجاذبيته الصارخة في الملابس الرسمية .. حتى الآن لم تستطع التأقلم مع إقامتها في غرفة واحدة معه .. كانت تشعر بالتوتر في كل مرة ينفردان فيها .. نهضت قائلة :- أنا جاهزة
نظر مطولا إلى ثوبها الأسود الجميل .. الذي غطى بطوله كاحليها .. وناسب جسدها بشكل تام .. كان عاري الكتفين وقد زين صدره دبوس على شكر نمر ماسي صغير بعينين من الزمرد كان من بقايا مجوهرات والدتها
تأمل شعرها الذي رفعته بشكل بديع أظهر عظام وجنتيها الجميلة وعنقها الناعم الرشيق .. فابتسم قائلا :- مدهشة
توترت تحت أنظاره المتأملة .. راقبته وهو يرتدي سترته قائلا :- ولكن هناك شيء ناقص
عبست قائلة :- ماذا ؟ ما هو ؟
استدارت تنظر إلى المرآة بقلق .. لقد تبرجت بإتقان فظهر لون عينيها الأخضر الفيروزي .. وفمها بدا أكثر جمالا وامتلاءا بعد أن طلته بلون وردي فاتح .. راقبته يقترب منها بهدوء ويخرج شيئا من جيبه .. حبست أنفاسها عندما فتحها لترى محبس الزواج الذهبي مرفقا بخاتم ماسي يخطف الأنظار ببريقه .. تمتمت باضطراب :- ما هذا ؟
قال بهدوء :- زوجة فاضل محمود لن تتجول امام الناس بلا خاتم زواج يليق بها
عقد لسانها .. ولم تستطع النطق بكلمة وهي تتأمل الخاتم الجميل .. أمسك يدها .. وأحاط بنصرها الأيسر بالخاتمين دون أن يتوقف عن النظر إليها ..ثم رفع يدها إلى شفتيه ليطبع قبلة طويلة على بشرتها الناعمة مما جعل رجفة خفيفة تسري في أوصالها .. قال بعمق :- لقد سبق وقلت بأن هذه الأصابع الناعمة قد خلقت لأجل ارتداء الخواتم الثمينة
تسارعت أنفاسها وقد أحست بشيء كالشلل يلفها عندما قربها منه بنعومة هامسا في أذنها .. أنت تشبهين هذا النمر النائم على صدرك يا نانسي .. بعينيه الخضراوين .. واستعداده للقفز بعيدا عند أول لمسة
وكأنها كانت في انتظار كلمته لتصحو من غيبوبتها وتهتف بذعر :- لقد تأخرنا
انسلت من بين يديه وتناولت حقيبة يدها قائلة :- ألن نذهب ؟
ظهر شيء من الفوضى في عينيه وهو يقول :- بلى .. سنذهب .. هيا بنا
ارتدت معطفها وهي تحاول تهدئة نبضات قلبها العنيفة .. يا إلهي ساعدني .. ثم غادرا معا
التقت في المطعم الفاخر بشريك محمود وزوجته .. كان رجلا متوسط العمر .. وزوجته كانت ثلاثينية حسناء .. بدا من حرارة استقبالهم لمحمود شدة إعجابهم به .. وبعد أن عرفها إليهما وبالعكس قالت الزوجة إيناس :- أخيرا تزوجت يا محمود .. لم أظن أبدا بأن هذا اليوم سيأتي قط
قال محمود باسما وهو ينظر إلى نانسي :- لابد ان يتخذ الرجل القرار الحاسم عندما يجد الشخص المناسب
تورد وجه نانسي وهي تتحاشى النظر إليه بينما قالت لها إيناس :- عندما نلتقي ينشغل عصام ومحمود دائما في أحاديث العمل .. فأشعر بالملل الشديد .. الآن لا امانع ان يتحدثا في العمل طوال الأمسية .. فقد حصلت على صديقة جديدة
منحتها نانسي ابتسامة صادقة وقد أعجبت بها .. بينما قال زوجها مفكرا :- أنت من عائلة راشد .. بالتأكيد لا يمت إليكم سلمان راشد بأي صلة صحيح ؟.. إنه ذلك الرجل الذي اتهم بالقيام بأعمال غير مشروعة .. والذي مات في السجن .. لقد عرفته شخصيا قبل أن يتم اتهامه .. لقد كان شخصا جيدا .. ما زلت غير مصدق للاتهامات التي وجهت إليه .. هل تعرفينه ؟
شحب وجه نانسي في الوقت الذي قال فيه محمود باهتمام :- لقد أخبرني عمي بأنك قد طرحت عليه موضوع الأرض هذا الصباح .....
تمكن محمود من تغيير الحديث بمهارة حيث التفت الرجل لحديثه باهتمام .. بينما مالت زوجته نحوها قائلة :- لم أتخيل يوما ان أرى محمود متزوجا .. لقد بدا لفترة طويلة عازفا عن الزواج .. وقد كرس نفسه لعمله في شركاته وفي الجامعة .. أما عن زواجكما دون ضجة فهذا لم يدهشني .. لطالما كان محمود كارها للمظاهر الزائفة
ابتسمت نانسي قائلة :- يبدو أنك تعرفينه جيدا
قالت إيناس بمرح :- لقد كنت زميلته في الجامعة .. محمود كان شابا مجتهدا في دراسته .. وذا شخصية لامعة بين زملاءه .. ولا أخفي عنك مدى شعبيته بين الفتيات .. فقد كن يحمن حوله كالنحل حول وعاء العسل .. أي منهن لم تكن مميزة بالنسبة إليه
تساءلت نانسي إن كانت هذه المرأة أيضا إحدى المعجبات القديمات به .. وكأنها قد قرأت أفكارها قالت :- لو لم أكن مغرمة بعصام ابن خالتي منذ الطفولة لأغرمت بمحمود كأي فتاة طبيعية أخرى .. فهو يمتلك جميع المقومات التي تجعله مرغوبا .. ولكنني دائما أحببت عصام 00 تزوجنا بعد تخرجي مباشرة .. ولدينا الآن 3 أطفال بارعي الجمال
كانت سهرة لطيفة للغاية .. فقد قضت نانسي وقتا ممتعا بصحبة الزوجين المرحين .. بل واكتشفت بأن زوجها البارد قادر أيضا على أن يكون مرحا بدوره عندما يرغب .. كادت الأمسية أن تكون كاملة لو لم تقترب فتاة سمراء من طاولتهما وهي تقول بسعادة :- محمود .. يا لها من صدفة سعيدة .. مضى وقت طويل منذ لقائنا آخر مرة
وقف محمود لتحية الفتاة التي أسرعت ترمي نفسها عليه معانقة إياه فقال بهدوء وهو يبعدها عنه بلطف :- مرحبا هديل ..
التفتت هديل إلى الآخرين قائلة بمرح :- عذرا أيها السادة .. محمود صديق قديم ... لا يظهر إلا لماما .. فكان علي استغلال رؤيته لتبادل بعض الحديث معه
عادت تعاتبه قائلة :- أين أنت يا رجل ؟ منذ تلك الحفلة التي أقامها والد نسرين لن نرك في أي مناسبة .. اسمع .. أرغب بأن أراك في ...
قاطعتها نانسي قائلة ببرود :- ألن تعرفني بصديقتك يا محمود
انتبهت الفتاة في تلك اللحظة إلى رفيقة محمود التي شملتها بنظرات ازدراء شديدة .. فتنحنح محمود وهو يقول :- أقدم لك زوجتي يا هديل .. نانسي .. هديل صديقة قديمة
الصدمة العنيفة بدت جلية على وجه الفتاة وهي تنقل نظرها عبر الوجوه وكأنها تنتظر من يضحك في وجهها معلقا بأنه محمود يمزح .. بينما بدا القلق على وجه إيناس .. وانزعاج في وجه محمود الذي لم يخف ضيقه من هذا اللقاء غير المتوقع
تمتمت هديل قائلة :- أنا آسفة .. لم أعرف
قالت نانسي بفتور :- بالتأكيد لم تعرفي .. لقد تزوجنا حديثا جدا
استدارت الفتاة نحو محمود قائلة :- هل عرفت نسرين بذلك ؟
قال بهدوء :- سيعرف الجميع عاجلا أم آجلا .. تفضلي وشاركينا السهرة
قالت ببرود :- أشكرك .. أنا مضطرة للذهاب .. سعدت بلقائكم
منحت نانسي نظرة قاسية وكأنها تستثنيها من كلامها .. ثم ابتعدت
قضت نانسي بقية السهرة صامتة بالرغم من محاولة إيناس الترويح عنها ..وعندما ذهبتا إلى استراحة السيدات وجدت إيناس الفرصة لتقول لها :- كل الرجال لديهم قصص ومغامرات قبل الزواج .. أنا واثقة بأن هذه الفتاة كغيرها لم تعد تعني شيئا لمحمود
قالت نانسي بهدوء :- بالتأكيد
لم تتفوه بحرف طيلة الطريق إلى البيت .. وعندما دخلت إلى غرفة النوم كان أول ما فعلته هو انتزاع خاتمي الزواج من إصبعها ورميهما فوق منضدة الزينة .. دخل محمود خلفها وهو يقول :- أفهم من هذه التصرفات الطفولية بأنك غاضبة
استدارت إليه وهي تقول بانفعال :- غاضبة .. هذه هي أقل كلمة قد تصف مشاعري في هذه اللحظة .. أعرف بأنك لا تهتم بمشاعري مثقال ذرة .. ولكن إياك أن تهزأ بكرامتي في العلن يا دكتور محمود .. إياك أن تظهرني أمام الناس بمظهر الزوجة المخدوعة الحمقاء وأنت تتباهى بتاريخك العظيم مع النساء
قال بغضب :- الفتاة لم تكن تعرف بزواجنا يا نانسي
صاحت :- وأنت لم ترغب بإيذاء مشاعرها ففتحت لها ذراعيك
ضيق عينيه وهو يقول :- هل أفهم من هذا بأنك تغارين ؟
احمر وجهها من هذه الحقيقة التي لم تخطر على بالها .. ولكنها قالت بعصبية :- أنا لا أغار عليك .. بل على كرامتي وكبريائي .. ومظهري أمام الناس .. كيف سيكون رد فعلك لو تركت أنا زميلا لي يحتضنني أمام معارفك
قال بخشونة مفاجئة :- كنت قتلتك
أجفلت لعنفه المفاجئ والبريق الوحشي الذي أطل من عينيه وهو ينظر إليها بطريقة جعلتها تخاف حقا .. تمتمت بتوتر :- هاقد فهمت وجهة نظري
قال ببرود :- الزوجة الحقيقية هي التي تبذل جهدها لتمنع زوجها من النظر إلى غيرها بدلا من الانفجار غضبا كلما اقتربت منه امرأة
راقبته متوترة وهو يبدأ بتبديل ملابسه فقال :- ما الذي تفعله ؟
قال وهو يحل أزرار قميصه :- كما ترين .. أبدل ملابسي
توقف فجأة وهو يلاحظ وجهها المحتقن فقال :- ما الأمر ؟ هل تكرهين أن أفعل هذا أمامك ؟
قالت بصوت مختنق :- نعم
نظر إليها من رأسها حتى أخمص قدميها بطريقة جعلتها ترتعش .. ثم قال :- هل نسيت بأنك زوجتي يا نانسي ؟ وأن ما يحق لي هو أكثر بكثير من تغيير ملابسي أمامك
شعرت بالذعر وهي تراه يقترب منها .. تراجعت وهي تقول بقلق :- ما الذي تفعله ؟ إياك والاقتراب مني
ولكنه استمر في الاقتراب فتراجعت حتى التصقت بزجاج النافذة الكبيرة وهي تصيح بذعر :- إياك أن تلمسني .. أحذرك بأنني سأصرخ عاليا .. سأركلك .. سأضربك
أغمضت عينيها بقوة عندما مد يده نحوها .. ثم فتحتهما بدهشة وهي تدرك بأنه لم يلمسها .. بل مد يده إلى النافذة خلفها يحكن إغلاقها قائلا ببرود :- الجو بارد في الخارج .. تأكدي في المرة القادمة من إحكام إغلاقها
تراجع وهو يحمل ملابسه ويدخل إلى الحمام مغلقا الباب خلفه .. فزفرت بقوة وهي تحاول استعادة هدوئها .. إنه يعبث بها وبأعصابها .. ولكنها تعرف بأنه عندما يقرر بأن الوقت قد حان لامتلاكها فإن أي من اعتراضاتها لن تجدي .. وهذا اليوم لن يكون بعيدا .. لقد قرأت هذا في عينيه بوضوح .. بدلت ملابسها بسرعة ودست نفسها في السرير .. سمعته يخرج من الحمام ويستقر إلى جانبها .. ساد صمت طويل في الغرفة المظلمة إلا من ضوء الأباجورة المجاورة لطرفه من السرير ..
قال فجأة بينما هي تدير ظهرها له :- لم أقصد جرح مشاعرك يا نانسي .. لم يكن بيني وبين هديل أي علاقة في أي وقت مضى .. لطالما كانت مجرد صديقة لا أكثر
أرادت أن تتجاهله .. ولكنها قالت دون أن تنظر إليه بجفاف :- من الواضح أنها لم تعتبرك صديقا على الإطلاق
:- هذا شأنها هي .. إن آخر ما قد أرغب بفعله هو إهانتك أمام الآخرين
استدارت نحوه مترددة .. فاستطاعت رؤية بريق عينيه القاتمتين .. بينما غطت الظلال معالم وجهه تمتمت :- أشكرك لأنك وقفت إلى جانبي عندما تحدث السيد عصام عن أبي
قال بحنان فاجأها :- أنت زوجتي يا نانسي ... وقد وعدتك يوما بأنني سأحميك
فكرت بأنها لا تتذكر هذا الوعد .. إلا ان حنانه جعلها تشعر بالضعف فجأة وبالرغبة بالبكاء .. منذ متى لم تشعر نانسي بالحماية ؟ أحست بان هذا الشعور بعيد جدا عنها .. فتمتمت بصوت اجش :- تصبح على خير
وادارت له ظهرها كي لا يتمكن من رؤية دموعها .. فأطفأ هو نور الأباجورة .. وساد الظلام في المكان .. فراحت نانسي في النوم بعد فترة قصيرة
بعد حلم مريع .. استيقظت نانسي مذعورة عندما سمعت صوت محمود ينادي باسمها .. لاحظت بأن وجهها مغطى بالدموع .. وأن شهقاتها تتلاحق بسرعة وكأنها تبكي قال محمود وهو يمسح الدموع عن وجهها :- اهدئي يا نانسي .. إنه مجرد كابوس
تمتمت بكلمات غير مترابطة :- لقد رأيت أبي .. ورأيت أمي أيضا .. ولينا كان تغرق
ضمها إليه بقوة وهو يقول بصوت حنون :- لم يحدث شيء .. ولن يحدث لك أي مكروه
ارتعدت وهي تشعر بذراعيه القويتين تحيطان بها .. وبصدره الصلب يحتويها .. استنشقت عبيره الرجولي الذي كان له أكبر التأثير على أعصابها .. بينما هو يهدهد لها كالأطفال هامسا :- لن أسمح لأحد بأن يؤذيك يا نانسي .. أنت ستكونين بأمان .. أعدك
انتابها شعور غريب وهي تستمع إلى هذه الكلمات وإلى نبرة صوته .. ثمة شيء مألوف لم تستطع تمييزه .. ولكنها سرعان ما نسيت كل شيء وهي تغفو على صدره

رواية عندما تنحني الجبال ..بقلم بلو ميWhere stories live. Discover now