أرض محايدة

48.9K 643 55
                                    



هما مختلفان في كل شئ ، في اللغة و في الثقافة و في السن يشاء القدر ليجتمعا على أرض محايدة فهل سيكتب لعشقهم النجاة ؟ أم أنه سيكون عشقا مستحيلا أم أن الظروف ستقتله قبل أن يولد ؟
                                        ###
ياسين تيمور ابن مراد تيمور رجل من أغنياء تركيا بل و من أغنياء العالم ، هو رجل بمعنى الكلمة و لكن حياته قاسية ألقي على عاتقة الكثير منذ كان صغيرا ، عاش حياة الجندي في سن مبكرة و لم يتخلى عنها فبشكل من الأشكال قد وجد فيها نفسه ، ملتزم دينيا ، هو رجل أعمال باليل و مدرس للكيمياء بالنهار كما أن له مهارات في تدريس جميع المواد العلمية
دائما يرتدي كالجنود ، يحب الملابس الغامقة بالأخص الأسود
                                       ###
أسيل عادل : فتاة في الثامنة عشر في الثانوية العامة ، هادئة ، خجولة ، لها جانب مجنون و أنثوي إلى أقصى حد و لكنها تخفيه عن الجميع ، رقيقة و حنونة و مراعية لشعور الآخرين ، تحمل نفسها أكثر من الازم ، تحملت الكثير في سن صغير أيضا ، ملتزمة دينيا هي الأخرى ، جاءت إلى تركيا بعد غياب طويل ، والدها يحملان أكثر من جنسية و هي تعيش في تشتت منذ زمن
## بداية البارت##
دخل ياسين إلى المدرسة بخطى ثابتة في وضعية الجندي الذي يستعد للهجوم في أي لحظة ، يسير بثبات و لا يأبه بشئ على وجه الأرض ، يرتدي الأسود معلنا أن ذلك الحداد الذي بداخله لا يفارقه أيا كان المكان أما أسيل فقد كانت تسير بالاتجاه المعاكس ليس فقط في ذلك الرواق بل في طريقة السير و طريقة الحياة ، هي تسير في وضعية دفاعية أحد أيديها مرفوعة جهة صدرها لتتفادى الناس و لتحمي نفسها و الأخرى على حقيبتها تحميها و تمنع اصطدامها بالمارة هو ذاهب إلى المديرة و هي تخرج من عندها و تفادى كل منهم الآخر في ذلك الرواق غير عالمين بأن ذلك اللقاء العابر سيحدد مصيرهما للأبد و أنهما ارتبطا مع بعضهما البعض بخيط القدر في تلك اللحظة العابرة..
                                         ###
" سيد ياسين ! أهلا بك " قالت المديرة و هي ترحب بياسين
" أهلا بك أيتها المديرة . طبعا أنت تعلمين لا داعي للإطالة أي فصل سأستلم " قال في جدية تكاد تخرج للوقاحة
ارتبكت المديرة مع هذا الأسلوب " نعم طبعا ! أنت ستسلم الفصل الجديد الذي أنشأناه للصف الثالث الثانوي . أتمنى أن يريحك " قالت المديرة و كأنها تريد أن ينتهي هذا اللقاء بأسرع ما يمكن فأومأ هو برأسه و خرج
                                        ###
فتح باب الصف مع جرس الحصة الأولى ، كان الجميع في حالة هرج و مرج و الفتيات الفاتنات الاتي لا يأبهن سوى لجمالهن هنا و هناك فالمدرسة كانت خاصة بعد كل شئ و هذه العينات من الناس كانت متوقعة
جال بنظره بينهم و على وجهه فيما يعد شبح ابتسامة ساخرة و لكن ابتسامته تلك تلاشت عندما نظر إليها ، كانت تعطيه ظهرها و تبحث عن شئ فيحقيبتها بانهماك شديد ، كانت الوحيدة المختلفة كانت الوحيدة المحجبة و الوحيدة التي تجلس وحيدة..
كان يعلم جيدا ان ذلك الشعور الذي يرافق تلك النظرة لن ينساه أبدا ، ذلك الشعور بالألم المحبب كأنه طعن بسكين تمنى أن يطعن بها منذ زمن بعيد و كأنه مريض و لا يوجد له دواء سوا السم ، هو كان يعلم جيدا أنها كتفاحة آدم  محرمة و بعيدة فالذي يفصل بينهم يتخطى عظمة المحيطات و رغم معرفته بهذا استمر في النظر ، استمر في انتظارها لتلتفت و عندما التفت أثبتت له أن كسره لكل ما بينهم من الحدود يستحق..أن ألم تلك الطعنة في قلبه و ألم ذلك السم يستحق.
ملامحها البريئة كملامح طفلة لم تتجاوز الثالثة عشر ، نظراتها الشاردة و المجهدة ، روحها المنهكة و المعذبة و الوحيدة التي تطل من عينيها ، يدها التي تتحرك في رقي شديد ، تفاصيلها الكثيرة التي تطهر فقط من اللمحة الأولى
تأملها و لكنه سرعان ما انتبه لنفسه و لتلك الحالة التي كان فيها ، أدار وجهه للناحية الأخرى في محاولة للخروج من تلك الحالة و يتمنى لو أنها تنزع عينيها من عليه حتى يستطيع الحديث " ايه أيها الأصدقاء " علا صوته في جدية تشبه الغضب و لكنه لم يكن غضبا إطلاقا بل كان توترا و ترددا من ذلك الموقف المفاجئ الذي لم يستطع أن يجابهه كجندي ، إنها تلك التي هزت كيانه و أخرجته من كونه من هو لتلتقِ بروحه العارية دون أي تكلف أو أقنعة أو مقدمات دون حتى أن يعرف اسمها
استقام في وقفته بعد أن صمت الجميع نتيجة ندائه الأول ، معظم الطلاب الذي يعرفونه قبلا يهابونه بالفعل و الجميع كل عام يجعلونه أكثر المواضيع شيوعا بينهم في مجالس النمييمة و ذلك طبعا نتيجة الغموض الذي يلتف حوله و ذلك الظلام الذي يعيش فيه - رغم أنه ليس منه - حتى يكاد يغرقه
سكت بعض الطلاب في خوف و آخرون أخذوا يتهامسون عن وسامته و شكله أما هي فجلست هناك فقط تنظر إليه في هدوء قاتل تشعر بارتجافة في جسدها فصوته و شكله يتركان أثرا في نفسها لا تستطيع فهمه ، شئ ما يتجاوز الهيبة و الاحترام و لكنه ليس خوفا أو ربما هو كذلك فهي لم تكن في حالة نفسية تسمح لها بذلك ، هي قد اقتلعت من أرضها حديثا و زرعت في اسطنبول و هو قد انتمى إلى الأرض و لم ينتمِ للأناس في النهاية كانت تشكل اسطنبول لهم أرضا محايدة و لكن التقائهما على تلك الأرض سيجعل كلا منهما وطنا للآخر
" للذين يعرفونني منذ العام السابق لا حاجه للتعريف أما بالنسبة للجدد فأنا ياسين تيمور المسؤول عن فصلكم ، في هذا العام الدراسي سأتولى تدريسكم المواد العلمية و أي مشكلة تواجهونها تأتون إليّ أولا . اذا لنتعرف على الجدد..و لنبدأ من هذا الصف " قال و هو ينظر إليها بغتة بعد أن كان ينظر أمامه فاحمر وجهها خجلا و فكت يديها اللتان كانتا يحاوطان جسدها في وضعية دافعية حتى و هي جالسة " أنا؟!" سألت في اندهاش
" ايه هل توجد مشكلة ؟ " قال و هو ينظر إليها مباشرة و كأنه يحاول أن يظهر عاديا و يتحدى نفسه و ذلك الشعور بداخله
" لا ، أبدا ! أنا أسيل . أنا من هنا و لست من هنا..يعني والدي يحمل العديد من الجنسيات و والدتي أيضا و لكن والدتي في الأصل مصرية و انا اعتدت على الحياة في مصر و هذا أول عام لي هنا.." قالت بتركية جيدة و لكن كان ظاهرا أنها ليست لغتها و أنها تحاول الاعتياد عليها
" تمام..بعده " قال و كأنه يتجاهلها و كأنها لم تتكلم فجلست هي في هدوء غير آبهه أيضا فأهم شئ لديها ذلك الشعور بأنها قد نجت من مخالب الأسد و كانت تحمد الله كثيرا أنه لم يسألها أكثر..
                                        ###
قد جرس الفسحة فجمع ياسين أشياءه و هم بالخروج " أستاذ.." أوقفه صوتها المتردد القادم من الخلف ، فأغمض عينيه و ضغط على أسنانه فهو يواجه صعوبة في ضبط شعوره تجاهها ، ذلك الشعور الذي لو أطلق له العنان فانه سيخرج كل ما أخفته شخصية الجندي بداخله ، ذلك الشعور الذي سيخرج من داخله العاشق ، المجنون ، المتهور و المحب للحياة
التفت اليها " هل تحتاجين شيئا ما ؟ " خرج ذلك السؤال من داخله عفويا - و ذلك عكس شخصيته - و لكنه معها لم يستطع ، لم يستطع أن يمنع عنها بعضا و لو قليلا من حنانه و اهتمامه فيبدو أنها تفتقد كل ذلك " أين يمكنني أن أحد مكان للصلاة ؟ " سألت و هي ما تزال مترددة  رغم أنها لا تستطيع أن تنكر أن قليل اهتمامه جعل في قلبها شعورا دافئا رغم أن ملامحه كانت جامدة إلى حد ما و لكن عيناه تكلمتا كل الكلام و هي كانت تشعر به و لكن كل منهما يكذب نفسه و يكذب الآخر
سؤالها ذاك جعله يشعر بأن جدارا ما انهدم ، بأن المستحيل ليس مستحيلا إلى هذه الدرجة فالطرق إلى الله هي الطرق التي تحقق الأماني ، لو جمعتهم صلاة في الدنيا فلا شئ بعد ذلك يفرقهم إلى الأبد
" اتبعينِ " قالها بلين هذه المرة و هو يتخلى بعض الشئ عن درعه القاسي
تبعته في صمت و هي لا تزال في وضعية دفاعية و هو يسير متقدما يفتح لها الطريق
سحبها فجأة فاضطربت هي لتدرك الموقف فيما بعد ، بعض من الشباب كانوا يتسابقون و أحدهم كان سيرتطم بها فسحبها ياسين من مرفقها في قوة لتصبح في جانبه ، تفقدها بعينيه في قلق صامت و هي تلهث من المفاجأة و تحاول استيعاب الموقف و سحب نفسها منه و هناك فقط أدرك أنه ممسك بها فتركها سريعا كمن اكتشف بأنه تم لدغه " هل حدث لك شئ ؟ " سأل في اهتمام حاول إخفاءه عندما وجد أن وجهها أصبح شاحبا من المفاجأة فقط " بخير فقط تفاجأت.." قالت و هي تأخذ زاوية و تتابع الشبان الذين استغلوا اهتمام ياسين بها و هربوا منه بالفعل " في هذه المدرسة قواعد و هؤلاء يستعملونها أيضا " قالت ياسين في إشارة أنه سيعاقبهم
فسكتت هي و استمرت خلفه ، فتح الغرفة الخاصة به و أقام ستارا أبيض " كلما تريدين الصلاة لتأتي إليّ و إذا لم أكن موجودا أن أترك المفتاح مع العامل أعطيه خبرا و تدخلين ، الآن أنا سأصلي أيضا أنت تأخذين مكانك وراء هذا الستار و ان شئت اتبعينِ و ان شئت صَلِّ وحدك " قال سريعا و كأنه لا ينتظر رأيها و كأنه يهرب منها و ذهب أماما و أقام ذلك الستار..
كل منهما تضرع إلى الله كثيرا ، هو تضرع إلى الله ألا يجعل شعوره ذلك إثما وهي تضرعت إلى الله أن يمر هذا العام بأي شكل ، بأن يرسل الله إليها من ينقذها و يرحمها من هذا التشتت و هذا العذاب الذي لا يعلمه إلا هو عير عالمة أن الله قد أرسل لها منقذها بالفعل و جمعهم أمامه في صلاة حتى لا تقوى قوة على أن تفرقهم في الدنيا و الآخرة مهما بدا ذلك مستحيلا..
                               ## نهاية البارت##
ملحوظة : دي حاجه خفيفة كده ، كان نفسي أعرف بالشخصيات أكتر ووضح حياتهم و اخلي في أحداث أكتر بس حسيته هيبقى طويل قوي و كمان عشان أحمسكم شوية . أتمنى القصة تعجبكم و تقولولي آرائكم فيها

العشق المستحيلWhere stories live. Discover now