ليلة اللقاء

177 6 2
                                    



دخلت غرفتي، اغلقت نافذة كانت تهرب ضوء برتقاليا يبعث على التعاسة، استلقيت على فراشي وفتحت الحاسوب اتفقد هنا وهناك عما يسليني، بدأت أشعر بصداع خفيف تجاهلته ضاحكا على أحد مقاطع الفيديو، بدأ النعاس يغازل جفني فطاوعتاه، أغلقت الحاسوب واضطجعت على شقي الأيسر الذي يقابل الحائط الوردي الذي أصبح رماديا بسبب بعض الضوء الذي أجهل مصدره. أحب الضيق أحيانا، يشعرني بالأمان فالضيق ليس به مكان يحمل أكثر مني أنا، أما الأماكن الواسعة فيكثر فيها احتمال تعرضك لحادث ما، أو تكون غالبا مصدرا لتوافر العديد من مصادر القلق والإزعاج، لكن الصمت هو ما أهاب. وحدث أنني انتبهت للصمت، أحيانا نكون محاطين بأشياء تخيفنا أو تزعجنا، لكن عدم انتباهنا لوجودها تجعل احتمال تأثيرها علينا معدما، أما أن يحدث وأن ينتبه عقلك لوجودها نتلقى ذلك التأثير صدفة ويبدأ ينقر على أعصابنا تماما كصوت عقارب الساعة الذي قد يكون عذابا ان رافقه الصمت. الصمت ها أنا وقد ذكرته فقد أدركه عقلي وبدأ تأثيره علي.

بدأت أشعر بضيق في صدري صاحبه ألم في رقبتي وتنفس متسارع، أعراض فيزيوليجية غريبة طرأت على صدفة، أعراض توحي بالخوف ...لم أنا خائف؟ ومن ماذا؟ تسارع كل شيء تحول الضيق الذي يشعرني بالأمان الى ضغط جعلني أحس بذوبان دماغي، وأصبحت جمجمتي وعاء يحمل شراب الدماغ المذاب. غيرت اضطجاعي لليمين مباشرة، فطالما كان اليمين كما يقال أكثر اعتدالا، أحسست كما يحس الغريق الذي يتصارع مع الماء تارة ثم يصعد للسطح ليسرق نفسا أو اثنين، جانبي الأيمن كان كالسطح، لكن الأعراض الأخرى لم تذهب، أحسست بحرارة مرتفعة في ظهري الذي بدأ يتصبب عرقا، ثم نسمات باردة على وجهي، كأنها أنفاس برد الفجر في فصل الخريف، استسلمت للنوم عيناي أخيرا أو هكذا ظننت.

خيل إلي أنني أرى وسادة تصعد من تلقاء نفسها، تتصاعد افقيا، ثم أصبح تتمايل نسبيا و عموديا، رافق هذا المنظر طرق عشوائي على الحائط الذي يفصل بين غرفتي و غرفة المرحوم والدي الذي توفي مؤخرا، أدهشي منظر الوسادة المتصاعدة من تلقاء نفسها، حدثت نفسي: "ما الطرق الذي سمعته الا صوت ريح تغلق الباب، رغم ان النافذة مغلقة و الباب مغلق، إلا أن (الريح) كان السبب الوحيد الذي لا يسبب الهلع" و لكن الوسادة هوت من هلوسات التعب، بدأت تلقائيا بتلفظ بعض الآيات و التسابيح "ليطمئن قلبي" و يذهب الروع، لكنني انتبهت أن الكلمات تخرج معكوسة أو عشوائية غير منظمة " على..رب...سبح...فلق ... أعوذ..."و كأن أحدا ما يعبث بمخارج الحروف في لساني.

أيقظت نفسي، أحسست بكيان ما #جاثم فوق كتفي الأيسر أدرت رأسي لأراه لكن الظلام الخفيف منعني من رؤية الكيان الجاثم فوق جانبي لمحت خطوط غليظة سوداء غير سواد الظلام، مشكلة رأسا دائريا ومتساقطة حوله كعباءة سوداء. شعور الخوف الذي أحس به تضاعف ليصبح هلعا، و تحول الهلع رعبا، موجات صوتية متذبذبة و مزعجة يتخللها أنين عجوز تقتحم هذه الأصوات أذني بقوة، صاحب تلك الحزم الصوتية أنفاس ساخنة على خدي الأيسر، رغم شلل جمسي تمكنت من تحرير يدي و مسكت قدم ذلك الكائن الجاثم على كتفي، كان ملمسه كملمس قطن إلا أنه لم يكن ناعما أحسست بألم على رقبتي و صداع كاد يفجر رأسي... صوت خفقان طائر طنان على أذني و أنين... "..أريد الصراخ، أصرخ و لكن بصمت ...تمكنت من اخراج بعض الصوت من فمي و لكنني لجمت بشيء بارد على رقبتي منعني من الصراخ... بلغت كل تلك الأحاسيس ذروتها، جزع تعاسة حزن رهاب خوف .تمكنت بمعجزة ما من قول "الله أكبر".

ذهب كل شيء، استيقظت خائفا أرتجف، برودة تثلج صدري، وحرّ يذيب رأسي وحبات عرق بارد ترصع جبيني. تمكنت من انتشال جسمي الذي مزال يعاني من الشلل الذي كان مقيدا لي منذ قليل أضأت الغرفة، لا يوجد شيء الحمد لله، كان مجرد كابوس مزعج، نعم ف تلك الأعراض التي كنت أشعر بها سببها أن عقلي الواعي استيقظ قبل أن يستيقظ جسمي والجهاز العصبي وبالتالي فإن الدماغ لما يرسل أمر التحرك لا يستجيب الجهاز العصبي الذي يكون مزال ساكنا، هذا ما سبب شعور الجثوم والشلل. لا شيء حقيقي سوى الألم الذي لا تفسير له على رقبتي وكتفي الأيسر، رغم أنني كنت نائما على يميني ولكن لا يهم، أنا الآن مستيقظ في عالم الحقيقة ولا يوجد ما كنت أحس به منذ لحظات.

خرجت من غرفتي ألتقط أنفاسي المتسارعة، توجهت نحو الحمام لأتوضأ، أكملت وضوئي، نظرت للمرآة، وجدت آثار مخالب على كتفي ..........الأيسر.

🎉 لقد انتهيت من قراءة جاثوم 🎉
جاثومحيث تعيش القصص. اكتشف الآن