مشهد العيد

2.8K 173 17
                                    

العيد ،،، دوماً ما ترتبط ذكراه بالسعادة والبهجة ، صلاة العيد في ذلك المسجد القريب بصحبة الآباء ، ترديد التكبيرات بملئ الحناجر ، الود وزيارة الأقارب .. والعيدية من الفئات النقدية المختلفة والحديثة أيضاً ، ورغم ان كل تلك المشاهد من طفولته لا تجلب له سوي ذلك الشعور المقيت المصاحب لها .. تماماً كالفقير الذي يقف علي عتبة الخباز يرمق حلوي العيد باشتهاء دون القدرة علي الإقتراب ، الا أنه لا يستطيع أن ينكر انتظاره للعيد بفروغ صبر تماماً كأقرانه .. ولن يكذب لو قال أنه لازال ينتظر بهجته الخاصة وأذناه تلتقطا تكبيرات العيد التي اعتاد ترديدها خلف المؤذن وحيداً في غرفته .. بعد أن تجرأ ذات مرة وطلب من والده إصطحابه للمسجد كباقي رفاقه وقوبل طلبه كالعاده بالرفض القاطع ، وكأنه عار يتهرب من مواجهة الجموع به .. وكم أدرك بعدها صدق حدسه ذاك الوقت ،،،
تأهبت كل حواسه وأذناه تلتقطا صوت تكبيرات واضح لا التباس فيه .. عقد بين حاجبيه بشك ، هل يهيأ له !!
تهللت ملامحه بسعادة طفولية رغم سنون عمره وتحرك مسرعاً مغادراً لدفء فراشه ،،،،
سطح الباخرة كان مزدحماً عن آخره بينما ربانها يتوسطه ممسكاً بالمايكروفون يبثه تكبيراته بابتسامة ودود تعلو ملامحه .. تلفت حوله باسماً وهو يستمع للترديدات تأتي من كل مكان حوله .. وبدون وعي منه ولأول مرة يعلو صوته مكبراً ، يستشعر لذة مشاركة الجموع تكبيراتهم وعيناه رغماً عنه تترقرق فيهما الدموع ،،،،
انتهت الصلاة والجميع يعايدون بعضهم بينما هو يبحث بعينيه عن وردته .. توقفت عيناه فجأة علي تلك المستبدة ، ما بالها تزداد كل يوم فتنة وبهاء .. وخاصة بذلك الوشاح المتوسد رأسها والذي يضاهي عيناها زرقة .. اقترب كالمسحور نحوها وهو يتأملها بانشداه هامساً كالمغيب ،،،،،
- " يخربيت كدة ، انتي يا بنتي خطر علي المجتمع ، بشعرك مصيبة وبحجابك كارثة .. انتي فتنة تمشي علي قدمين "
أمالت رأسها وهي تضع يدها علي خصرها قائلة بسخرية ،،،،
- " حلاوتك يا عم الشاعر في البؤين الحنينين دول .. بس معلش يعني لو هقاطعك "
ضيق بين عينيه يرمقها بشك لتعتدل في وقفتها وهي تفرك يديها ببعضهما بحماس قائلة ،،،،،
- " بيقولوا الشيف عاملنا كحك وبيتي فور و غريبة ومشهيصنا "
ثم سحبته من ذراعه ناحية المطعم وهي تتابع دون الإكتراث بصدمته من ردها الغير مناسب تماماً لبهاء تلك اللحظة ،،،،،
- " يلا بقي احسن عصافير بطني بتصوصو "
***
- " ايه ده انت جايبلي نسكافيه ؟ انا عاوزة شاي بلبن مع الكحك "
ترك ما بيده علي الطاولة أمامه ثم عقد ساعديه أمام صدره وهو يقول بسخرية مصطنعة ،،،،
- " يعني لو مفيش شاي بلبن مش هتفطري هتكملي صيام "
نظرت له باستنكار قبل أن تقرب الصينية منها وهي تتناول قطعة من الكحك المحشوي واضعة لها في فمها وتقول بينما تلوكها بشهية واضحة ،،،،
- " لا طبعاً هو انا هعترض بس اتعودت فطار العيد كحك وبيتي فور و بسكوت وغريبة و معاهم مج الشاي بلبن من ايد الحاجة "
ابتسم رغم نغزة الألم التي تعتصر قلبه ثم جلس علي الطاولة أمامها يشاركها الإفطار بنهم ،،،
- " سحس ما تجيبلي بلونة من الي في ايد الواد الي هناك ده "
اتسعت عيناه بغير تصديق وهو يهتف ،،،،
- " عاوزة بلونة ؟ "
أومأت له ببراءة وهي تتابع ،،،
- " اه وبعدين فين العيدية ؟ "
- " نعم ياختي ؟ "
تخصرت وهي تقول باستنكار بينما تمد يدها الحرة نحوه ،،،
- " نعم الله عليك يا حبيبي قب بالعيدية بلاش بخل ، دي فرصتي جاتلي لحد عندي والحاجة ربنا يخليهالي مش موجودة علشان تقلبني فيها زي عوايدها "
ضرب كف بالآخر وهو يضحك من تصرفاتها الطفولية ليتحرك بعدها تاركاً لها ويعود بعد فترة بالبالون الذي أرادته .. صفقت بحماس وهي تسحب منه البالون بسعادة طفلة تلهو في أول ايام العيد .. طالعها باسما بينما تمسك بخيط البالون وتبتسم لمداعبة الهواء لبالونها .. ابتسم بدوره وكأن ابتسامتها عدوي لذيذة تنعش حواسه .. التفتت له وقد تبدلت ملامحها للعبوس وهي تقول بحزن مصطنع ،،،،
- " وبالنسبة للعيدية هتعمل من بنها بقي ولا ايه ! "
قهقه بصوت مرتفع ورأسه ترتد للخلف وهو يمد يده لجيب بنطاله مخرجاً محفظة نقوده .. أخرج ورقة من فئة المئتا جنيه ونقدها اياها في يدها .. ابتسمت بإشراق وهي تضعها في جيب كنزتها قبل ان تتلفت حولها ثم تعود بعيناها المتسائلتان نحوه هامسة وهي تميل نحوه ،،،،
- " تفتكر هيغدونا فسيخ ؟ "
ظهرت علامات الاستنكار والنفور علي وجهه وهو يقول ،،،
- " نعم ؟ "
- " فسيخ !! ايه متعرفهوش ؟ "
- " المصيبة ان انا عارفه ، والمأسوف علي شبابه هتهببي بيه ايه ؟ "
رفعت فمها بسخرية لأعلي وهي تقول ،،،،
- " هترمله سنانه علشان اعمل بيها عقد لولي ، ايه السؤال ده هاكله طبعاً "
نظر لها باشمئزاز وهو يقول ،،،
- " هتاكلي سمك معفن ؟ "
حركت شفتيها يميناً ثم يساراً وقالت باستهجان ،،،
- " ما انت بتاكل الفراخ وهي بتمشي حافية ، وبتحب الكوارع وهي رجل البقرة الي برضو بتمشي حافية بالمناسبة ، وبتاكل عصبان الي هو مصارين الحيوان و .... "
استوقفها مسرعاً بإشارة من يده وهو يقول ،،،،
- " بسسسس قفلتيني من الأكل كله "
- " حد ميتغداش فسيخ في أول يوم عيد ، وياسلام بقي لو في رنجة وفحلين بصل ولاد حلال ،، يااااه هتبقي أكلة ملوكي "
وضع يديه في جيوب بنطاله وهو يشيح ببصره عنها بينما يقول من بين أسنانه ،،،،
- " ملوك الزفارة وانتي الصادقة "
حركت رأسها لأعلي وأسفل بموافقة مستاءة ،،،،
- " معلش خليها عليك واكسب فيا ثواب واسأل الشيف شربيني بتاع الباخرة ده ولو لقيت يبقي يا جمالو يا جمالو يعني "
زفر بضيق مغمضاً عيناه قبل ان يفتحهما وهو يقول بنفاذ صبر ،،،،
- " الاقي ايه يا لاسعة اكيد مش هينتنوا فسيخ علي الباخرة يعني .. وبعدين انتي عاوزة تاكلي بصل وتقرفيني بقي ؟ "
حركت يدها أمام وجهها وهي تشير له بالذهاب قائلة ،،،،
- " لا عاملة حسابي هقرقش لمونة هتضيع ريحة البصل والفسيخ ومعايا مستيكة ( لبان ) نعناع "
رفع رأسه للسماء وهو يقول بانفعال بينما يتحرك من أمامها ،،،،
- " يا صبر أيووووب "
- " صح متنساش تقول لعم أيوب يعملنا عيش بلدي سخن علشان نستمتع "

ڤينوسترافوبياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن