لقاء غير جيد

207 12 21
                                    

صاخب، المكان صاخب، يعج بالأصوات والطبقات المتعددة من الصراخ حتى الهمس، الأجساد تتمايل، والعقول تدور، تذوب وتنسلخ عن كونها عقلًا لابن آدم
تلويح، تحطيم، تهديد، مداعبة وكذب، اعتذارٌ ودهس تنمرٌ وبكاء صراخ وشجار حيث المكان أكثر إزعاجًا
"الملهى"
جسدٌ ملقى على أحد الأرائك، بعشوائيةٍ تامة، وتقلب مستمر، الأفكار تحيطه ولا علاماتٍ تدل على رغبة أحدٍ بالاقتراب منه، باستثناء النادل الذي توجه ناحيته، لتنظيف مخلفاته.

"أتعلمين جاز، لقد بدأت أمّل من هذا كله"
قالها متذمرًا، بنبرةٍ عالية يحاول أن يتغلب على صوت الموسيقى الصاخبة
لا حراك، أو ردُ فعل وكل ماتلقاه ابتسامةٌ انكشفت بسبب انكماش أعينها قليلًا
"اذهبي لغرفة التبديل، فورًا"
أقامها ليدفعها أمامه بخفة معاتبًا، تعبًا من كل محاولاته لردعها عن المجيء لمكانٍ كهذا
تجاهلت بدورِها عتابه وصراخه اللامُبرَر برأيها، توجهت ناحية الساقي تطلبهُ أن يسكب لها كأسًا من التوت الأحمر، لونها ونكهتها المفضلة.

استرخت على كرسيٍ عشوائي أمام المنضدة بانتظار مشروبها بينما تلقي نظرها هنا وهناك نحو عشراتِ الأجساد المتمايلة، بشفقة وسخرية لتختمها بتهكم ضاحكة فلاحظها شخصٌ ما، يملك نفس أفكارها ربما.
أتى مقبلًا بكأسه ليجلس بجانبها تمامًا، وعلى بُعد عشرةِ سنتيمترات منها على وجه الدِقة، لم تلاحظه، ولن تفعل، لأنها لا زالت تنتظر ذلك النادل المغلوب على أمرِه عندما يكتشف أنها لم تذهب حيث أراد
حتى تزعجه مجددًا، وتتمتع قليلًا به قبل الرحيل.

أدرك أنه لم يستحوذ على إدراكها، وأن بالها منشغل بأمرٍ أكثر أهميةً منه على الأرجح، حاول أن يبدأ بسكب العصير عليها حتى أخبرته ألا يفعل، مما أثار تعجبه وأفزعه قليلًا، تدارك تعابيره سريعًا حتى أجابها متسائلًا "لا أفعل ماذا؟ "
"محاولة جذب انتباهي" قالت هي بوجهٍ لم تزحه عن منصة الرقص المتكدسة.

أطلق قهقهة لا تُسمع بينما ينظر ناحية حذائِه الذي اتسخ توًا، مُلقيًا اللوم عليه لسوء حظه هذه المرة، لقد كُشف! وللمرة الثانية أجابها بسؤال "ألا يبدو لكِ أنني نجحت؟"
سخرت قائلة "أجل، بشكلٍ مثير للشفقة"
"لا تبدين سهلة، أو صعبة المنال حتى، أنتِ شائكة وبكل وضوح"
أخذ يحادثها بينما يوزع الساقي المشروبات، وأتى بخاصتها ليشير الغريب للساقي أن يأتيه بمثلِه.

"وأنت تبدو متبجحًا يظن أنه يفقه في أكبر الأمور وأصغرها، نشكل ثنائيًا جيدًا" تحرك الكأس الرقيق بيدِها سانحة للسائل الأحمر بالتجول هنا وهناك داخل حدوده، وهي متمتعة تمامًا بذلك، حدق بها الغريب قليلًا ثم أزاح نظره عنها ليلتقط عبوة السجائر وقداحته، صامتًا أشعلها ليرتب أفكاره بصحبة الدُخانِ المتصاعد.

"لسنا كما نبدو في الحقيقةِ إذا، كلانا كاذبان" ومع ثانِ نفثة تحدث بنبرة وتيرة بهذه الكلمات، هادئة ولا تُسمع في صخبٍ كما حولهما، حتى صمت متأملًا عبوات النبيذ أمامه بمختلف النكهات.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 27, 2019 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

جِسرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن