يجلس في مقعده الملكي،و يحاول إلهاء نفسه بالعمل لكن عقله يأبى أن ينصاع له، ففي كل دقيقة يظهر له تلك اللقطة، وهي مرتمية بين أحضانه تعبة، شعور مجهول يخالجه يفقده صوابه و يدفعه إلى الصراخ بأقصى قوة:" اللعنة"، فينتفض من مكانه و يحمل كأس شراب يبتلعه دفعة واحدة كاملا، هذا الإحساس قد أرهقه ، لم يعتد أن يخالفه الناس ، لكن ماذا عن نفسه ، هو الآن يريد حقا رؤيتها ، لكنه لا يريد في نفس الوقت ، فقط لو أنه قتلها منذ البداية لكان مطمئما الآن ، سافر و ابتعد لوقت طويل ، لم يعتد أن يترك أخته كل هذه المدة لكنه كان مجبورا ، أولا لكثرة الصفقات و كذا للنسيان ، لكن لعنته ترافقه أينما حل و قد حان وقت المواجهة ، لن يستمر في الفرار كالفأر ، عليه فك لغز سحر غامض قد ألقته عليه.
***********
تنظر للمرآة، و انعكاس جسدها يجعلها تغرق في بحر من التفكير، حقا تلك المرأة التي في صورة أرجتها ديانا إياها شبيهتها، و كأنما هما توأمان ، ربما لأنه خلق من الشبه أربعين ، لم يسبق لها أن رأت تلك "سارة" من قبل أو هذا ما تقنع نفسها به، حتى أنها لا تتذكر ملامح أمها التي رحلت منذ أن كانت هي في الخامسة، كما أن والدها قد أحرق كل صورها و لم يدعها تفكر في الأمر مجددا، فيوقظها من سهوتها طرقات في الباب ، و دخول ديانا بشكل حماسي:
" ما الذي تفعلينه يا فتاة ، هيا بنا لنخرج من هذه الغرفة ، إن لم آتي و أجرك بنفسي في كل مرة فقد تلازمينها إلى الأبد"
تمسكها من يديها و ترافقها إلى صالة واسعة، تجلسان على الأريكة، لتخرج ديانا قنينة فارغة و تقول بابتسامة تزين ملامحها:
" ما رأيك أن نلعب الصراحة أو التحدي؟"
تجيبها بهدوء و اختصار:
" أجل .."
"حسن يا سيدة خجولة.." و تقهقه بصوت مسموع.
تدير القنينة فيكون عليها السؤال و سحر الجواب ، تنظر لها بمكر ، لقد اختلقت هذه اللعبة فقط لتعلم ما الذي حدث قبل أن دخل بها أخوها القصر، فمنذ ذلك الوقت لم تجرأ على سؤالها بصراحة:
" كيف التقيت بأخي فلاد؟"
تقابلها سحر بنظرات مستغربة ،و تقول بثلعثم:
" لا أريد الإجابة ، فلتعطيني تحديا.."
معالم الخيبة تبدو جلية على ديانا التي سرعان ما تتحول إلى ابتسامة ثم تنطق:
" حسن ، إذن... لنرى...عليك أن ترقصي لي "
تبحلق فيها سحر بعدم تصديق ، فتقول الأخرى بتأكيد:
"هيا أنت اخترت ذلك ..عليك تنفيذه... كما أني أحب الرقص العربي .. سأشغل الموسيقى"
تقوم بتأفف و تنتظر تشغيل تلك الأنغام التي ما إن
اخترقت طبلة أذنها حتى انتقلت إلى عالم آخر ، لقد كانت أغنيتها المفضلة و لطالما رقصت على أنغامها ، حينها كان أبوها يتعمد أن يدخل غرفتها فجأة ليسترق النظر إليها و هي تتمايل على إيقاعها.
العرق يتصبب منها سالكا تقاسيم جسدها المنحوت، ترقص و كأنما ذلك سينقذها من الموت، و يبدو أنه قد فعل فقد صرخت ديانا لتنتفض هلعة بعد أن كانت مندمجة مع الموسيقى:
" أخي... متى عدت.."
كلمات أنقلتها من عالم جميل لتوها إلى كابوس مرعب، لم تتجرأ النظر خلفها ، تقدمت خطوتين ليوقفها صوت ديانا :
" إلى أين أنت ذاهبة..انتظري.."
تتلفت و كانت ما لقته أسوء مما تخيلت ، فقط تلك النظرات الغامضة التي يقشعر لها بدنها، يقف ببنيته الصلبة، بملابس عصرية و حذاء رياضي، كلماته تدب فيها الخوف:
" لما خرجت من الغرفة ..."
تنظر لعينيه العسليتين اللتان يحملان شرارة أشعلت فيها أحاسيس بركانية جعلتها تزداد تعرقا ، رجفة تملكتها ،فهي تعلم جيدا أنه أمر أن تبقى سجينة تلك الغرفة حتى لا تهرب من جديد و أن إخراج ديانا لها يعتبر مخالفة لأوامره.
" ستغادرين..."
" ولكن.." تقاطعه ديانا لينظر لها بصرامة فتصمت .
قال كلمته تلك و توجه نحو المصعد ليختفي عن ناظريهما، تنظر لها ديانا بحسرة ،و هي متيقنة أنها حتى لو جابهت أخاها و ترجته أن يبقيها معها فأن ذلك لن يزيده إلا نفارا و تعلقا برأيه.صباح اليوم التالي ،تحضر الخادمة إلى غرفتها معلنة عن حلول آوان مغادرة هذا القصر الذي مكثت فيه لمدة شهر برفقة ديانا ، فصارت لها أكثر من صديقة و حكت لها عن تفاصيل حياتهم و العمة مارغريت التي لم تتعرف عليها جيدا لتحدد شعورها نحوها فلم تقابلها سوى مرات قليلة.
انتفضت حينما لمحته جالسا في السيارة، زاد ذلك من ارتجافها ، فقد كانت تشعر بالبرد نظرا لانهمار الثلوج غير أن ملامحه المبهمة و هي تصعد قربه بعدما ودعت ديانا بدموع حارة قد زادت من ارتجافها، لا تصدق أنها بمحاداته ، و لا تعلم لم تغير أسلوبه في المعاملة نحوها ، صار أقل قسوة و أكثر برودة، و لا تدري لم لم يتخلص منها كما وعد ، رائحته كانت زكية و قوية في نفس الآن ، استنشقتها و كأنما هي عبير الحياة و سرت في عروقها ، أغمضت عينيها للحظات لتهدأ من روعها فلو بقيت على هذا النحو سيغمى عليها.
يتصنع عدم المبالاة لكن وجودها قربه قد شل مفاصله ، لا يعلم ما يحدث له ، فقط يريد احتضانها بشدة ، أن يضع يديه على وجنتيها الورديتين و فمها الكرزي، يحاول تشثيث نفسه بالهاتف، لقد قرر أن يبعدها عن القصر و عن كل شيء يخصه ، سيذهب بها حيث لم يصل بشر يوما ، يخفيها عن العالم كله ، ربما جن أو أنها تذكره بتلك التي عنت له كل شيء ،" سارة" مربيته، لا يهم ، فقط يحتاجها بجانبه ، عندما رآها و هي تتمايل بخصرها ذاك ، أيقظت فيه رغبة في امتلاكها، لم يفعل جسد امرأة فيه ما فعلت به تقاسيم جسدها الواضحة خلف ذلك الثوب الأبيض الخفيف، لكن شعوره اتجاهها أكثر من مجرد نزوة جنسية عابرة ، يعلم ذلك جيدا ، فلولا أنها قد سيطرت عليه بسحر لم يستكشف أغواره بعد لكان قد دفنها تحت التراب.تنظر لطبيعة السويد الخلابة، كانت ديانا قد أخبرتها بأنهم انتقلوا ليعيشوا في قصر هنا بعد أن تركوا ذلك الذي في روسيا و ذلك استسلاما لرغبة فلاد ،من خلال كلامها عنه ، استنتجت سحر أن المسكينة لا تعلم شيئا عن أعمال أخيها الإجرامية و أنها كالأطرش في الزفة.
بحة في صوته و هو يقيظها من نوم عميق و هي تتكأ على كتفه أفزعتها ، لم تعلم أنه كان يتأملها لدقائق قبل أن يستدرك نفسه و يدعي الصرامة،" هاي استيقظي " استقامت و مسحت وجهها بتلبك ، خرج لتتبعه و تفتح عيناها على وسعهما حين تلمحان هذا الكهف الخشبي ، فتنظر من حولها لتوقن أنهم فوق جبل ما، يتقدم فتتبعه ، تخطو قدماها المكان فتذهل من فخامته تلقاها عند الباب خادمة و تطلب منها أن تتبعها بينما هو يختفي عن ناظريها...
*لسنا ندري كيف للذئب أن يصير وديعا و لا للأسد أن يسجد لمالكه كالعبد ، لكن هل للقلب المتحجر أن يلين ، فالروح الطاهرة قد تدنس بسهولة ، غير أن المرشومة بالسواد غريب أن تطهر. *
حبايبيي... اجيت و احضرت الجديد... ما رأيكم؟؟
شكرا على دعمكم😍 .. كثييرر بحبكم..❤💓اتمنى لا تبخلون علي بتعليقاتكم و تصويتكم😀😙
أنت تقرأ
السحر الغامض
Romanceمقتبس: فقط لو أنه قتلها منذ البداية لكان مطمئما الآن ، سافر و ابتعد لوقت طويل ، لكن لعنته ترافقه أينما حل و قد حان وقت المواجهة ، لن يستمر في الفرار كالفأر ، عليه فك لغز سحر غامض قد ألقته عليه. ...ليرتاح من سواده ، أراد أن يأخد من نورها، لكنه عوض...