01

45 3 50
                                    


جَورت الأرض وارتعد الشجر، سقط الورق وفُرِق العشاش، غبُشت عيناه بماء السماء واحترقت الشمس خلف السحاب.

نزفت قدماه على الحصى وارتعد صدره بين نبضِه وآخر نفَسه، كان يشهق قبل أن ينهي زفيره وكادت كتفاه تقتلعان من تخبطه بالماره، كان قابضًا كتابه على صدره والموت من خلفه يزحف.

كان الصبي، 'سيفتس'، يجري لا يرى أمامه، ربط الخوف عصابةً على عينيه ورمى به في الحشد، امتدت الأذرع من خلفه وتسابقت لتطعن قلبه، إما يصل وإما يموت.

لا الماء أمطره ولا السحاب وقاه، مئة يدٍ شدّت عاتقه ولم توقفه ولا حجرٌ سقط بِه أمسكه؛ فكان يقوم بعد كُل عثره، ويجري بحياته مربوطةً في الكتاب.

"اهرب" همسٌ في أذنه، نابعًا من جوفه تدفق الدمع حتى عينيه وتسرب الدم من شفتيه، غصّ حلقه كأن سُد بالحجارة، واحدة فوق أخرى حتى صحكت نواجذه.

مع دق الساعة تشتت رؤيته وأخذته الهلاوس، تهاوت ركبتاه كما تصدع وعيه؛ فصار لا يرى ولا يعي وإنما أخذت به اللمسات، اصطدم رأسه بدرعٍ من حديد و أمسكته الأذرع لتضمه نحو صدرٍ عتيد.

غاب 'سيفتس' كقمر الصباح وأطفأ الخوف أخر شمعه.

سقط بين يدين هلعت من منظره؛ فأخذ صاحبها ينادي وقد حمله كالقِماش "مولاي! انظر ما باغتني".

طال الأمير برأسه من عربته وطالت الغرابة وجهه وهو يخطو خارجًا، "آرثر؟ من هذا؟".

"لست أدري، ضرب بي من الحشد ثم أنهار باكيًا وفقد وعيه" تنهد آرثر، جاثيًا بنصف ساق سند الصبي وراح يتفحص جروحه ونبضه، ثم تسللت يمينه لأذنه ودفع بشعره خلفها، عبس ثم ضم رأس الصبي لعنقه "إنه حُر".

ستُ خطوات ووقف الأمير على رأسه، مشط شعره الأشعث بيساره وفحص خلف أُذنيه، يسرى ثُم يمنى، تعاقد حاجباه وهو يزيل الدمع عن وجنتيه، مُنهدِرًا على ندوبٍ غطت بياض وجهه حتى بدت كأنها تفجرت فيه.

من أعلى رأسه، قطع الشق جبينه حتى أوسط فكه، غطى جفنًا ونصف وكِسرةً من أنفه، كان خده الأيمين وشفتاه تحت أثرًا لِتَمزقٍ قديم، تلَوى قلبه حين أبصر الحُسن لا يزال مُختَلسًا.

"آرثر، هات الصبي معنا" أمر الأمير و أخذ يبحث تحت شمسٍ بزغت، لم يرى من يبدو يأبه بالفتى أو يطرده؛ فعاد للصبي بين ذراعيّ آرثر، ما عليه من قِماشٍ بالكاد يستره وليت فيه من الدفء منبع، قدماه كانتا تنْقط بالدم ولم يخفى له عظم، اقشعر وسأل في خيفته إن كان له أي نصيبٍ من العضل.

" من بعدك، مولاي" اشترط آرثر ثُم صَعِد الأمير السارح عربته، لحقه الفارس وجلس مُقابله وفي حضنه الصبي.

"ما هذا؟" سأل، كان لِتوه يلحظ الكتاب بين يديّ 'سيفتس' ، بل تكاد دعوته كتابًا مبالغة؛ فكان أميل لحُفنة من أوراقٍ أُخيطت محكمةً على بعضها، اهترأ بعضها وأخر أُضيف مؤخرًا. تعجب الأمير زيادةً من تشبثه، فقد سقط مرة وحُمل مرتين ولا يزال يقبضه كأن بِه بقايا عمره.

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Nov 28, 2022 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

ابن السّحاب.Where stories live. Discover now