|| 5 ||

150 7 8
                                    

V

رنين 🔹
- انا لن اتحرك خطوةً واحدة !
قلتها ختاماً بعد سلسلة نقاش طويلة بيني وبين حوراء ولافا عن تركي الجامعة ليومين
حوراء : لاتصيبيني بالجنون ماذا عن والدك
هززت رأسي برفض وارتشفت من كوب القهوة لاقول : ليقلّ مايشاء مادام راكان في ذات الجامعة معي انا لن اذهب
لافا :ياالهي كفي عن العناد الشاب قلقٌ عليك
رنين : وماشأني به ليحترق في مكانه
خزرَتها حوراء ثم نظرت لي بابتسامة مترجية :لاعليك منها ارجوك كي لايحزن والدك
تركت كوب القهوة جانباً وثنيت شفتي : انا لن اضع نفسي بموقفٍ مخزٍ مثل هذا !.. لقد نمت بين احضانه ياحوراء والمصيبة انني من طلب هذا .. ياالهي لااصدق بانني اقولها
خبأت وجهي بين كفي لتضحك لافا بعد غمزها : انها من علامات الهيام ياجميلتي
وجهتّ سبابتي اليها : حوراء امسكيها والاقتلتها ..
ضحكتْ حوراء ثم قالت : رنين لا تأبهي لم تكوني بوعيك على كل حال !
حملقت بها واومأت بابتسامة باهتة ، انتِ لاتعلمين ياصديقتي بأن المصيبة تكمن هنا ، فقد كنت بكامل وعيي حين طلبت حجره ، وحين شممت عطر رقبته وضممت وجهي به .. كنت صاحيةً ، لم يؤثر بي لا مرض ولا دواء !
لم تؤثر سوى احساس الراحة حين حملني وسط الجميع واخذني اليه .. وكأنني بعد سنوات طويلة احسست اخيرا بسندٍ لي غير والدي ..
كأنه كان طوق النجاة الذي حدثني عنه والدي سابقاً !
لازمت المنزل بعد الحاحٍ مني على امضاء اليوم فقط .. لاجمع جرأتي واتوجه للجامعة غداً وكأن شيئاً لم يكن ..
كنت جالسةً في صمت رهيب اتذكر موقفي الاخير معه ، المشاعر الغريبة التي اجتاحت قلبي بعد ان حاوطت ذراعيه خصري ، بدمدمته بالقرب من اذني ، كانت ترتيلةً لم اذكر منها شيءً لكنها اجبرتني على الابتسام وكسر قيد الحزن ، مسحه على شعري واستنشاقه لخصلةٍ منه بعد ان رفعها .. لم انم ساعتها ، او ربما نمت لكني شعرت بكل ماحولي ، كل ماشعرت به جعلني ابكي ، من السعادة والراحة التي شعرتها ..
تمنيتْ ان يكون هو الدواء لي ، بعد كل انهيار اعيشه بلا وعيٍ ، تمنيتّ ان يكون هو الشيء الوحيد الذي يعيدني للوعي ولهذا العالم المظلم ، ويريني نوره !
سمعت موسيقى الهاتف من تحت الوسادة على الاريكة ، ابعدت الوسادة لارى اسم المتصل .. قُبض قلبي ورمشت بجفنيّ وانا احاول قراءة الاسم مجدداً .. ابعدت شعري للوراء وبلعت ريقي قبل ان ارفع الهاتف واحدق بشاشته المضيئة ..
* حُمرة النار *
تباًللحفل والمدفئة والمرض الذي جمعني بك !.. لايكفيك بأنك تشغل بالي والان تشغل هاتفي ايضاً .. اين اذهب لاتخلص من طيفك اللعين
ومن اين جاء برقم هاتفي !
هززتّ قدمي بحيرة ، بدأت بعض شفتي متوترةً ، هل عليّ ان ارد عليه ؟ ماذا سأقول ؟ اوبخه واصرخ ياعديم الشخصية لاتتصل بي مرة اخرى !
وكيف لي ان اصفه بانعدام الشخصية وانا التي نسفتُ شخصيتي ارضاً حين عانقته
انقطع الاتصال لأزفر براحة لم تدم لاتصاله مجدداً .. تباً تباً !
تنفست بعمق قبل ان اجيب بصوت واثق : مرحباً .. من معي ؟
جائني صوته الهادئ : يارنة القلب ..
اغمضت عيني لرعشة جسدي اثر نبرته :
من انت ؟
- الم تعرفي هائمكِ يارنة القلب
تباً لهيامك وجنونك !
زفرت بضيق وقلت : ماذا تريد ؟
- الاطمئنان عليكِ
رنين : انا بخير اشكرك ..
- لمَ لم تأتي للجامعة اذن ؟
ولمَ عليك الالحاح كثيراً!
رنين : كنت متعبةً ..من اين اتيت برقم هاتفي
- سآتي لأخذك الان ..
انتفض جسدي من الاريكة وهتفت بصدمة : ماذا ! الى اين
- الى الجامعة ارتدي ثيابك ريثما اصل
رنين : لاتجن سآتي غداً !
تجاهلني تماماً وقال بنبرة مرح : انا قريب منك فلا تتأخري
اغلق الهاتف دون سماع جوابي ، بقيت واقفة في مكاني لثوانٍ قبل استيعاب الامر ، ركضت لغرفتي واخرجت سترةً صفراء فوق قميص اسود ، مع جينز بخصر طويل ، اخذت هاتفي في حقيبةٍ صغيرة ، وقبل ان انتعل حذائي الاسود سمعت طرق الباب ، فتحته باستعجال دون ان ارتدي الحذاء بالكامل فظهر امامي بليقاته المعتادة ، ابتسامة عريضة نمت على ثغره بعد تفحص شكلي من رأسي لأخص قدمي ، زم شفته ثم ابتسم مجدداً حتى ظهرت اسنانه : تبدين رائعة !
ارجعت شعري المنفتح للوراء وقلت بابتسامة حرجة : شكراً .. ءء فقط انتظر !
عدت لفردة حذائي الثانية وارتديتها وسط نظراته التي لم تزدني سوى توتراً ، وبعد انتهائي رفعت رأسي اليه وقلت له : حقاً لم يكن هناك داعٍ لمجيئك !
هز رأسه بنفي وهو يحسبني من ساعدي للخارج ويغلق الباب من خلفي : بل هناك .. لقد كان وضعك سيئاً لذا انا هنا اليوم لعلاجك
ارتفع حاجبي بدهشة مصنطعة : علاجي !
اومأ لي واراد الدخول للمصعد لكني قلت معترضة : مارأيك بالسلالم ؟
ابتسم بخبث :اتخافين ؟
رنين : لاا لكني لا احب المصعد
كتف يديه بتحدٍ : المصعد اسرع
قلدت حركته وقلت : لنرَ !
وقفت عند عتبة السلالم بينما ضغط هو على زر المصعد حتى فُتح .. انتظرته كي يدخل للمصعد وماان اغلق الباب بدأت بالنزول هرولةً ، وصلت لاخر درجتين من السلم فسمعت صوت فتح الباب المصعد ، زدتّ سرعة حركتي فألتوت قدمي واردت التعثر واغمضت عيني مستعدةً لاستقبال الارض لكن وجهي استقبل للمرة الثانية في هذا الدهر صدر راكان العريض ، ابتعدت عنه فوراً لاسمع قهقته : وصلت قبلك !
تركته بلا ردٍ من احراجي مجدداً ، ركبنا السيارة المصفوفة امام البناية ، توترت حين جلست بجانبه ، السيارة التي جمعتني به بموقف مخزي به !
بدأ بالقيادة وانشغلت انا بالتحديق في الشوارع ، احاول الهاء نفسي بأي رقم او اسم اراه امامي ، اقرأه فقط لكي لااتكلم معه ، وهو لم يقل شيئاً بل اكتفى بتشغيل موسيقى هادئة استقرت مشاعري وتلاشى توتري بسببها ..
رغم اختلاف شخصياتنا الواسع ، لكنه ..في الاونة الاخيرة ولكثرة تصرفاته الغريبة ، ذكرني بوالدي وكأنه هو الذي يسكن هذا الجسد وهذه الروح .. بمشاعر عشقٍ لاابوة !
لاحظت شيئاً اثناء تحديقي الطويل بالشوارع ، اننا اولاً طال طريقنا كثيراً ،وثانياً بأن الطريق الذي نسلكه لا يؤدي للجامعة !
قلت بفزع : راكان الى اين تأخذني
نظر لي بخبث ولم يجب ، ارتجفت يدي بخوف اثر نظرته ،بقيت اردد اسمه بلا ردمنه ، حتى توقفت السيارة في ساحة سيارات مرتبطة بحديقة كبيرة ، نظر لي مجدداً وضحك : هيا انزلي
هززت رأسي : الى اين !
تقرب من وجهي وقال بصوت خافت : لااعتقد بأنني سأؤذي رنة القلب !
كبتّ ابتسامتي بصعوبة ، كم بات هذا اللقب مميز لدي !.. وبتّ فجأة احب اسمي
تركنا السيارة سائرين حتى وصلنا لوجهتنا ، رفعت رأسي وقرأت الاسم
Shanadar park
رنين : اوه !
راكان : اوه !.. الى اين ذهب عقلك
ابتسمت له وقلت : لا فقط كنت اتساءل ، فضولاً لااكثر
هز برأسه بغير تصديق ومشى حتى وصلنا مقربةً من البحيرة وسط الحديقة ، جلست انا على الحجار وادخلت يدي في المياه الباردة ثم سحبتها فوراً ونظرت للارض بسكوت ..
- رنين
نطق بأسمي فرفعت رأسي اليه فاسترسل : ما حدث لكِ قبل ايام .. انا لااود ازعاجك لكن وضعك لم يكن طبيعياً اريد مساعدتك ارجوك
تنهدت واجبته : احياناً التعب يسيطر علينا فنقوم بتصرفات بلا ادراك منا
حدق بعيني وسأل : ماذا عنا ! .. اكان بلا ادراك ايضاً
لم استطع الرد هذه المرة ، اكتفيت بمبادلته ذات النظرة ، التحديق بعينه التي اكتشفت عمقها الآن ! وعمق مافيها من صدق وطيب
جثى على ركتبه ووصل لي ، ثنى ذراعه على ركبته وقال : صدقيني انا لااريد جرحك .. لكن ليس من حقك ان تتركيني معلقاً في نارك هكذا ، لاتحرقيني ولا تخلين سبيلي
اريد ان اعرف هل كان عناقك احتياجاً لراكان ذاته !.. ام انكِ كنت ستطلبينه من اي شخص اخر غيري !
لم اجبه ايضاً ، كانت عينه تتلألأ بأمل تارة وتارة اخرى بحزن ، ابتسم لي وامسك بيدي ليقول : اتسمحين بأن اكون الوحيد في قلبك ؟.. ان اناديك برنة قلبي امام الناس في العلن وان لاتنزعجي منها ؟.. اتسمحين لي بدمج حمرة ناري بزراقك !.. في النهاية نحن نار واحدة مهما اختلفنا !
ارتفعت يده الاخرى وتلمس خدي برقة ، اقشعر جسدي وتصنم وحتى الانفاس كبتت في صدري ، مسح بابهامه خدي قائلاً : هل تقبليني حبيباً لكِ يارنة القلب ؟
لمعت عيني بتحديقي به ، بقي هو ينتظر جوابي بأملٍ كبير ، خفضت نظري للارض بحرج ، الشعور الذي اجتاحني اتعبني ، لدرجة بأن الكلمات ابتُلعت ، انزل هو يده ثم قال بعد تنهيدة : مارأيك في السير قليلاً
رفعت رأسي له مندهشة ، الم يكن قبل قليل في حالة رومنسية قصوى !
رفع حاجبه المدور بأبتسامة : لنتعارف قليلاً
اومأت له بلاهدف لننهض ونبدا بالمشي وكأن شيئاًلم يحدث !
كان يسترسل بالحديث طوال فترة الظهيرة التي قضيتها معه ، يسير على عشب الحديقة ويتحدث بطلاقة دون ان يضع اية قيود بيننا ، بعفوية تامة حدثني عن حياته ..
عن والدته وشخصيتها القوية التي بها بعض التسلط ، وكيف فرضت عليه ان يدخل الصيدلة من اجل مستقبل عمل والده الذي لم يكمله كما تمنى !
تأثرَ مباشرةً حين تحدث عن والده فعض على شفته وانزل رأسه بابتسامة قائلاً :
لعد كان رجلاً شهماً ..والاهم كان اباً حقيقيا
ثم دخل فوراً في سلسلة شرح عن شقيقته الكبرى ، التي لطالما يتشاجر معها على اتفه الامور وابسطها ، وعلى زوج اخته الشاب المثقف الهادئ الذي ينزعج من اصوات شجارهم العالية فيتجالس مع ام راكان ويتناقشان بكل هدوء عن اسعار السوق
اما ابنة اخته فكان لها النصيب الاكبر من حديثه ، فكلما ذكر حدثاً رافق اسمها لسانه ، شككتُ بأنها تحبه اكثر من والديها !
راكان : اتصلت بي ذات يوم تبكي بقوة ولم افهم منها شيئا سوى كلمة ماتت !
لن تتصوري ساعتها كيف ركضت الى بيتهم ، وفي النهاية استقبلتني بالضحكات وعانقتني وهي تقول بأن الامير قبلها وتزوجا
اكمل كلامه بضحكة طويلة ثم هز برأسه وابتسم ، ياالهي الا يتعب وجهه من وضعية الابتسام هذه !
لم انتبه الى انني اطلت الشرود بضحكته الا حين التفت الي وقال : ابتسامتك جميلة !
تداركت ذاتي لأزم شفتي واجيبه : شكراً
راكان : اذن..ماذا عنك !
رفعت كتفيّ بحيرة : لاشيء مميز
راكان : اخوتك ؟
رنين : انا وحيدة والديّ
راكان : جميل.. ماذا عن اصدقائك
ضيقت عيني وقلت : برأيك ؟
اومأ : ليس لديك .. منطقي !
صمت مجدداً ثم نظر لي وقال بحماس : كتبك المفضلة ؟
توقفت عن السير وانتصبت امامه ناظرةً اليه بحيرة قبل ان اقول : انا اعشق الادب العربي .. كاحلام مستغانمي ونزار قباني
لكني بشكل عام مدمنة على روايات عبير
انزل رأسه الي وهمس : انا اكره ثلاثتهم !.. بالنسبة الي اجاثا كريست هي الاهم
عقفت حاجبيّ بتقزز : كيف تفهم انا اصاب بالغباء حين اقرأ صفحة واحدةً لها
نقر على صدغي :
اني لست مثلك فعقلك لايعمل !
كتفت يدي وقلت بانزعاج واضح : انا اساسا نابغة !
قهقه بسعادة : لك جانب مغرور ايضاً !.. انت رنين بكل احوالك !
قطبت حاجبي بحيرة : ماالذي تقصده
راكان : اختلافك ذاته لايتغير وان تغير مزاجك
لم اجبه فاشار بيده : لنعد ..الجو زاد برودةً
****
اوقف السيارة امام البناية ، وبعكس ذهابنا ، فقد تحدثنا كثيراً حتى انه كاد يصطدم بالرصيف لانخراطه في الحوار معي ..
اردت النزول لكنه تلفظ باسمي بهدوء فالتفت له ، سأل بجدية : ستأتين غداً للجامعة ؟
رنين : ربما .. لكن الطلبة
راكان : لاتقلقي لن يتجرأ احدٌ على ازعاجك مادام راكان معك !
رنين : شكراً !
راكان : هل يمكنك الكف عن شكري والغاء الحضر بدلاً من هذا !... بالمناسبة انتظر رداً لطلبي غداً !
اومأت موافقةً وترجلت من السيارة ليذهب هو بعد ان لوح لي .. رفعت رأسي اثر هتاف بأسمي لأرى لافا تقف على الشرفة في الطابق الثاني وتصيح : انها معه !ايتها الخائنة لقد خدعتنا هيا تعاليّ
استقبلتني حوراء بضربة على رأسي واغلقت الباب بقوة من خلفي لتصرخ : وظلت طوال اليوم تتذمر على رؤوسنا بانها محرجة من موقفها معه وفي النهاية تخرج معه ولاتجيب على اتصالاتنا !
قفزت لافا الى الصالة وهتفت بحماس : هل قبلك ؟
توسعت عيني بصدمة : ماذا اللعنة لا .. لمَ عقلك منحرف هكذا !
حوراء : انا شخصياً اعذر لافا على تفكيرها هذه المرة فقد مرت اربع ساعات منذ خروجك واتصلنا عليك قرابة الخمسون مرة حتى حضرتنا شركة الاتصالات ..
اخرجت هاتفي من الحقيبة وقلت : لقد كان في وضع الصامت ..
غمزت لافا بخبث : ولم على الصامت
شزرتها لتضحك وتقول : ماذا فعلتما
رنين : لاشيء.. فقط ذهبنا الى الحديقة وتحادثنا وطلب مني غدا ان ارد له جوابا
سألتا في ذات اللحظة : جواب ماذا؟
رنين : ءءء ربما ، لقد طلب مواعدتي
لافا : عااا !
حوراء : عااا !
ثم حدقتا ببعض : عاااا
ارتمت علي لافا تليها حوراء الذي بدأت بالضحك بسعادة ، رددت لهن العناق بابتسامة واسعة وابتعدت لافا لتسأل : ستوافقين اليس كذلك ؟
رنين : لااعلم !
لافا : ماذا واللعنة وافقي
حوراء : لاتجبريها على شيء لاتريده
لافا : لكنه يحبها
حوراء : وان كان لاتجبريها ..
نظرت لي وخفضت صوتها : برغم ان الافضل ان توافقي !
لافا : سنحضر ثيابك للغد يجب ان تكوني باجمل اطلالاتك
حوراء : وانا سأهتم بتسريحة شعرك غدا
تذمرت قائلةً : ارجوكما .. انا متعبة
حوراء : حسنا ارتاحي في غرفتك
ابتسمت لافا ودفعتني:ثم بعدها نحضر ثيابك

رواية لون النارWo Geschichten leben. Entdecke jetzt