Panic disorder

481 24 16
                                    

كان يَلعب مع صديقة طفولتِه لعبة الصراحة في مكانهما المعتاد الذي يتقابلان فيه دومًا؛ تحت حمايةِ شجرةٍ ما خلفَ منزلهما.

كَانت تكبح فِي جَوفِها كلامًا كبيرًا يجب أن تُخبره به، لكنّها تعلَم أنها لو افصَحَت عنهُ لانهار ذاك الذي يجلِس قبالتها وسيجنّ جنونه حتمًا.

حِين ابتدأ بِدورهِ بالسؤال بعد ثلاث جولات؛ سأل سؤالًا جعل من جسد الأخرى يتصبب عرقًا، هي تخشى ردة فعل الآخر، وبشدة.

" هل سيأتي ذلك اليَوم الذِي سأكون بِهِ لِوحدي وتتركينني أمضِي وحيدًا فِي عُتمة الحياة دون أن اُمسكَ بِيديكِ النّاعمتين ودون أن استمِع لِأحاديثكِ التي لا أملّ سماعها ابدًا؟ "
فَور انتهاءِه مِن سؤاله تنهّدت الأخرى بضيق؛ تودّ الإفصاحَ عمّا بِداخلها لكنّها تخشى انكسار ذاك الذي يقبع أمامها ينظُر لها بتلكَ العينان البريئتان الحزينتان.

" في الواقع.. هناك شيء لم اُخبركَ بِه سابقًا ولا أملُك الجرأة الكافِيه لِإخباركَ به الآن ابدًا "
سكوتها بعد قولها لتلكَ الكلمات جعل من الآخر يتوتّر من الموضوع الذي ستطرحه أعزّ انسانه في حياته، بدأ يشعر بالضّيق وبغصة أليمة يعلم انّها تُخفِي شيئًا كبيرًا عنه.

هي وأخيرًا تجرأت وتحدّثت :
" استمِع إليّ جيدًا؛ عائلتي وعائلتُك تشاجروا شجارًا قويًا، ووالِدي يُريد ابعَادِي عنكَ بأيّ شكلٍ مِن الأشكال.. لِذا هو قرر إرسالِي إلى منزِل جدّتي فِي الريف، وطَلب مِني أن اُخبركَ بِذلك لأنه يعلم بأننا مقرّبان من بعضِنا وانتَ متعلّقٌ بي لدرجة كبيرة، تفهّم موقفي صدّقني أنا اُحبّك لكن.. "

كَانت مطأطأةً رأسها تعبَث بِأصابعها بتوتّر، لكنها تشجّعت ورفعَت عيناها نحوَه لِترى ردة فِعله.

أما هوَ فلمْ يُبدي أيّ ردة فعل؛ بَل جسدهُ من فعل، حيثُ أنّ نبضاتِ قلبه بدأت بالتسارُع جاعلةً مِنْ صدرِه يضيق، انتفخت اوداجه وجسده بدأ بالارتعاش خوفًا بمجرد تفكيره بموضوع أنه لن يراها ثانية ابدًا، ويعلم كم أنّ والدها متشدد.

" لن تفعلي!، سنهرب معًا "
هو نطَق ضاغطًا على اسنانه محاولًا كبحَ توتّره وغَضبه، هيَ تقدّمت بجذعها نحوه تُمسك بيديه الكبيرتين مقارنةً بيدها قائلة :
" لا استطيع، أنا حقًا لا استطيع صدّقني عائلتي فوق كلّ شيء تفهم موقفي ارجوك. "

نظَر لها بِغضب مِن حدِيثها الذي لم يُعجبه بتاتًا، صرخ بِقوة في وجهها غَير متحمّل فكرة ابتعادها عنه :
" وأنا؟ هل ستتخلين عنّي بِتلكَ السّهولة؟ وأيامنا معًا نسيتِها بحلوها ومُرّها؟ حياتنا منذ طفولتنا وحتى الآن لا تعنِي لكِ شيئًا صحيح؟ "
هو اشتدّ في صراخه في آخر كلامه وهيَ تُحاول اقناعه لكن هو الآن لا يستطيع سماعَ أيّ شيء من ايّ شخص، فقط الموضوع يدور في باله.

" اُقسم بأنني لن ادعكِ تذهبين من يدي، اقسم "
هوَ استقام مِن مضجعِه غاضبًا بشدّة لِيتوجّه نحو منزل عائلتها جاذبًا الباب بقوّة نتيجة غضبه الشديد، دخَل في نزاعِ حاد مع والدها الذي لطالما كان يُمقته؛ هُو نهايةً امسكَ بِيد صديقتِه وركضَ بِها نحو منزل عائلته صاعدًا بها للأعلى، فتح باب غرفة اخته المتوفّاه وادخلها بها بعد أن منع الجميع من دخولها.

كَانت تصرخ طالبةً مِنه ان يفتح الباب فور قفله عليها، جعلها تمكث فِي تلك الغرفة لِثلاث ايّام، ويجلب لها الأكل بين فترة وفترة في اليوم ثمّ يتحدّث معها من خلف الباب قليلًا ويذهب دون الاستماع لها، هيَ اساسًا كانت تستمع لأحاديثه دون ان تردّ عليها.

خلال تلك الثلاثة أيام عائلة صدِيقها لم يكونوا يعلمون بكونها في منزلهم، رغم نزاع والدها مع والده ومعه لأنه يظنّ بأنهم يخبّؤونها عِندهم، لكن في النهاية هو انتصر من والدها ولم يعُد ثانية، ولم يتوقع احدٌ ما انها في غرفة شقيقته.

" اليومَ اكملتِي الاسبوع الأول هنا، أنا آسف صغيرتي لكن لن اتخلى عنكِ بتلك السهولة لمجرد نزاع حصل بين والدينا، اعتذر لحبسكِ هنا ايضًا، لكنني احبكِ حقًا."

هِيَ تُعاني مِن خوفه المُبالغ به تُعاني من تفكيره الغبي.

لكنها لا تعلم بأنه يعاني من ألم التفكير في الموضوع، فكرة كونه سيستيقظ في اليوم الآخر ولا يجدها تجعله يجنّ، هو أيضًا يُعاني من قلقه المبالغ به.

هوَ لا يستطيع التحكم بنفسه؛ وهيَ لا تَستطيع التحكُم بِه.

انتهى.

أكثر شي كتبته وعجبني صدق😭😭🔥🔥.

Short stories | psychopath.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن