الفصل الخامس

3.8K 74 3
                                    

بدأت بعد قليل تشعر بثقل في قدميها، ورغبت بالتوقف وشرب مرطب. لكنها لم تجرؤ على الجلوس في المقاهي المطلة على الشارع حيث يجتمع الشبان البرتغاليون و يشيرون إليها و يلاحقونها بنظراتهم. وان بعضهم ينظرون إليها بشفقة لأنها وحدها. فالأفضل أن تتابع
jardinهمسات روائية

كانت المتاجر كلها مقفلة. ومع ذلك، لم ترغب سارا بالعودة سيرا على الأقدام. فقررت وبدون تفكير طويل، أن تتابع نزهتها، وفيما بعد، فهمت أنها كانت مخطئة. اتجهت، رغما عنها نحو شوارع ضيقة، ولم تكن تعلم أنها في الحي القديم من لشبونة. و الجو المحيط بهذا الحي جعل الفتاة تشعر بالاضطراب. كان من الأسهل أن تسلك الاتجاه المعاكس، لكنها لم تعرف كيف تتوجه.
فجمعت شجاعتها و تابعت سيرها. أليس من عادتها الاعتماد على نفسها و التصرف وحدها؟ و تقدمت في هذا الشارع وأعجبت بالشرفات المزينة بأنواع الورود، وبالنساء اللواتي يتبادلن الحديث من خلال النوافذ و ينظرون إلى سارا بفضول. ثم التقت بأولاد يلعبون في الأزقة حفاة الأقدام، وبائعي السمك الذين ينادون على أسماكهم.
يبدو أن هذه الشوارع لن تنتهي، وسارا لم تعد تتحمل ألام قدميها. فنظرت إلى ساعتها و دهشت عندما رأت أنها الثالثة بعد الظهر، يجب أن تأكل أو ستنهار. و كانت قد لاحظت على طريقها عدة أماكن لبيع الأطعمة الجاهزة، لكنها لم تجرؤ على دخول أحدها، و في قمة درج طويل، وبعد أن هدها التعب، دخلت إلى احد هذه المطاعم. كان المكان مليئا بالرجال السمر الذين يعتمرون البيريه و يتكلمون وهم يحركون أيديهم القوية، و يضحكون بشكل يظهر أسنانهم السوداء. لم تكن سارا لتدخل أبدا لو لم تكن شديدة الإعياء. ومع ذلك جلست، و حاولت أن تبدو بشكل طبيعي.
و فور دخولها، التفت الجميع نحوها كأنهم يرون سائحة لأول مرة في حياتهم. تقدم الخادم منها فشرحت له أنها تريد أن تأكل و تشرب. فأجابها بابتسامة تعني انه فهم و اختفى. و عاد بعد قليل يحمل لها زجاجة مياه معدنية و طبقا من الستيك و الخضار المطبوخة بالطريقة البرتغالية.
أرغمت الفتاة نفسها على ابتلاع هذا الطعام و عندما خرجت من هذا المكان، قررت العودة بأسرع وقت ممن إلى الفندق. و لكن أي اتجاه تسلك؟ سارت طويلا و تخطت لحظات القلق و التردد إلى أن غابت الشمس و وصلت أخيرا إلى الشارع الرئيسي. وبعد قليل من الانتظار، لمحت تاكسي، فنادت عليه بسرعة.

jardinهمسات روائية
و ما أن رأت فندق الشيراتون حتى شعرت بالراحة، فأسرعت إلى الطابق الرابع، و قبل أن تخرج من المصعد، فكرت أن تخلع نعليها لكنها لم تجرؤ. قد تلتقي ببرايس تايلور صدفة. بجهد كبير عبرت الأمتار القليلة التي تفصلها عن غرفتها، وألقت نظرة نحو غرفة جارها. لكنها لم تميز فيها أي صوت يدل على وجود برايس بداخلها.
بعد لحظات كانت سارا تقف تحت مياه الدوش، ونامت بعمق فورا عندما وضعت رأسها على الوسادة. ولم تستيقظ إلا عندما سمعت طرقات على بابها، ففتحت عيونها رغما عنها ولاحظت أن الشمس مرتفعة في السماء."حان وقت العمل، آنسة مارتندال، لايزال لدينا الكثير من العمل قبل عودتنا إلى لاسو".
فأجابته بهدوء و كأنها مستيقظة منذ وقت طويل:
"حسنا، سأكون جاهزة بعد لحظات".
ونهضت رغما عنها . الم يكن بإمكان مديرها أن يتأخر قليلا ريثما تتناول الفطور؟ كانت على وشك الخروج، عندما احضروا لها الفطور، لكنها لم تتمكن من تناوله كله لان برايس ظهر من جديد أمام باب غرفتها. فنظرت إليه بجفاف:
"اسمح لي أن اجمع حوائجي فقط"
"أرجوك"
لم يكن برايس أفضل منها، هذا الصباح. كان يحمل ملف أوراقه وحقيبة سفره. فلم تستطع سارا أن ترفع نظرها عنه. هذا الرجل يسحرها و يربكها دائما.
ظل برايس ينتظرها أمام باب غرفتها، و سألها فجأة بابتسامة مصطنعة:
"هل قضيت نهار أمس جيدا؟"
"تماما" وكانت تكذب.
هذا الجواب لم يبدو انه أعجب مديرها. أكان يتمنى أن تلزم الفندق بينما هو يتمتع بوقته؟ كانت سارا لا تزال تشعر بألم في قدميها بعد نزهة الأمس، لكنها حاولت أن لا تظهر ذلك.
و أخيرا غادرا الفندق و عندما صعدت سارا في سيارته، شمت رائحة عطر نسائي غير عطرها. فالتزمت الصمت وشعرت ببعض الانقباض.
جالا لمدة ساعة في المحلات ليتأكدا من توضيب مشترياتهما وكيفية شحنها بأسرع وقت ممكن إلى لاسو.
خرجت الفتاة من المتجر الأخير و هي تعتقد أنهما انهيا عملهما في لشبونة، و لم تكن قد فكرت بأمر الخدم، لكن المدير قال وهما يعودان للسيارة:
"نحن بحاجة لطباخين من الدرجة الأولى وكذلك لمدبرة لشؤون المنزل، أما الخدم فسنتولى أمرهم هناك في مكاتب التشغيل."
ثم صمت قليلا و أضاف:
"لقد أخذت لك موعدا عند كازيمور، انه أشهر مصممي الأزياء في المدينة، وطلبت منه أن يساعدك باختيار بعض الملابس، سنذهب إليه على الفور."
" أهذا ضروري حقا؟"سألته بجفاف.

قوس قزح // روايات عبير الجديدةWhere stories live. Discover now