الجزء -9-

2.6K 75 13
                                    

أشرقت شمس يوم جديد على قصر عائلة غفار و أول من نهض بالقصر فردوس، إرتدت بذلتها الرياضية و إنطلقت للركض بالشاطئ فهذا ما كان يساعدها على الإرتخاء و التفكير بعمق في أسوء لحظاتها كانت تركض دون توقف لأميال إلا أن تنقطع أنفسها، كانت تخرج كل مكبوتاتها بالركض، لكنها توقفت عن هذه العادة منذ إنهماكها بالدراسة في الجامعة خاصة بتخصصها في طب النفس فقد أرادت الوفاء بوعدها لأبيها بأن تصبح طبيبة و تحقيق رغبتها في دراسة نفسية كل من حولها في آن واحد، وضعت سماعتها و أخذت تركض ببطئ و تفكر في ما عليها فعله حتى تمر أيامها بالقصر بسلام دون أن يفتح جرح قلبها من جديد و في تلك الأثناء إنظم شاب للركض قربها لم تعره إهتمام و لم تشئ حتى النظر بوجهه بل عدلت قبعتها الرياضية لتحمي عينيها من شعاع الشمس القوي و زادت بسرعتها و بصوت سماعتها لتندمج مع أغنية الروك الصاخبة غير آبهة للشاب الذي زاد سرعته أيضا و لحقها، إنزعجت من تصرفه لكنها لم تشأ أن تفسد يومها من أوله بمخاصمته فإنطلقت بالسرعة القصوى و خرجت من الشاطئ بإتجاه طريق الغابة المؤدي للقصر لكن دون جدوى فقد إنعطف معها ذاك الفتى و تبعها ليلحق بها رغم سرعتها و يركض معها جنبا بجنب، وصلت فردوس حينها لذروة غضبها فتوقفت فجأة نازعة سماعتها و قبعتها لتصرخ بوجهه قائلة:" أووووه !! ما الذي تريده مني أيها السمج !! منذ الصباح و أنت تلاحق ...ماذا !! هذا أنت !؟"
فارس و هو يسترجع أنفاسه:" ... ههه أصبحت عدائةً ماهرة ما شاء الله !...لقد أتعبتني معك !!"
زفرت نفسها و أدارت وجهها لتمشي دون أن ترد عليه فلحق بها صارخا:" هاااي لم أركض كل هذه المسافة لتذهبي و تتركيني هكذا !!... إنتظريني سأرافقك للقصر فطريق الغابة خطر !"
رفعت كتفيها بلا مبالاة و أرجعت سماعتها لتواصل ركضها لكنها ما إن تقدمت لأمتار قليلة حتى إعترض طريقها كلب مخيف كشِّر عن أنيابه و بدئ بالنباح في وجهها، توقفت فزعة و قد تجمد الدم في عروقها، بدئت بالتراجع محاولةً تهدئته بيدها لكن دون جدوى فقد زاد نباحه و كاد يهجم عليها لولا الضربة التي تلاقها بحجر من فارس ليهرب بسرعة بعدها، بينما جلست هي على الأرض تسترد أنفاسها فقد إرتخت عضلاتها من شدة الخوف و لم تعد تستطيع الحراك، وصل فارس حينها و جلس قربها يسترد أنفاسه و يناظرها بنظرات مؤنبة ليصرخ بها:
" ألم أقل لك أن طريق الغابة خطير ! لكنك لم تصغي إلي !! "
لم ترد عليه كعادتها فأمسك وجهها بيده و أداره نحوه قائلا بهدوء :
" إنظري إلي فردوس لماذا لا تَرُدِّين !...هل لازلت غاضبة مني !!؟"
نظرت له بعمق ثم إبتسمت بإسهزاء لتجيبه:
"هههه غاضبة !!! أترى الغضب بادٍ على وجهي مثلا !! بالعكس أنا الأكثر هدوءًا هذا الصباح لولا قدوم كلبين لملاحقتي ..!"
ثم نهضت و أخذت تنفض ثيابها من الغبار و مشت، بينما إحمر وجه فارس من إهانتها فقد فهم مقصدها من نعته بالكلب ليلحقها و يمسك بيدها صارخاً:
" منذ متى أصبحت إبنة عمي المؤدبة تتحدث بهكذا أسلوب !؟ ...ثم لا يحق لك إيهانتي دون سماعي ! لن أتركك تذهبين هكذا دعينا نتحدث !!"
رن حينها هاتف فردوس و قد كانت عائشة المتصلة فقد نهضت و لم تجدها فقلقت عليها، أخبرتها فردوس أنها قادمة و نظرت إليه نظرة تهديدٍ ليترك يدها و خرجت من الغابة للطريق ، بينما ظل هو يراقبها بتوعد ثم إنطلق مواصلا ركضه و الغضب يتطاير من عينيه، في حين عادت هي للقصر بعدما قامت بشراء الفطائر لكل العائلة، و بمجرد دخولها لحديقة القصر إنطلقت كل الأنظار نحوها حيث كان الجميع بإنتظارها على طوالة الفطور، ليسألها والدها بقلق :" هل عدت للركض يا إبنتي !؟... لما لم تخبريني أنك ذاهبة ؟؟ لقد قلقنا عليك جميعا !!"
إقتربت لتقبله مجيبةً:" أبي العزيز ...أنا آسفة لقد كنت نائما حين خرجت و لم أرد إيقاظك .....ثم أنظر لقد أحظرت فطائراً بطريقي أعرف أنك تحبها بالعسل سأذهب لأضعها بصحن و أحضر معها العسل و أعود !"
بسملة:" أتركي من يدك يا إبنتي سأتولى الأمر ! إذهبي أنت للحمام قبل أن يجف عرقك و تمرضين"
فردوس:" حسنا ...شكرا لك خالة "
ذهبت لتأخذ حماما سريعا لتعود بسرعة مرتديةً فستانا صيفيا أبيض بسيط بدون أكمام تزينه فراشات حمراء، رافعةً شعرها على شكل ذيل حصان كالعادة دون تجفيفه؛ دخل حينها فارس من بوابة القصر الخارجية يتصبب عرقا و قد بدى عليه التعب لوح بيده ملقيا السلام على كل الجالسين و إتجه للداخل، فإعترضته عائشة قائلة:
"أووهووه الكل نهض مبكرا للركض اليوم ما عدي !!... يبدو من حالتك أنك ركضت لكلومترات عديدة !!...في المرة القادمة أيقظني لنذهب معا فقد زاد وزني هذه العطلة"
داعب فارس خدها و إبتسم لها شبه إبتسامة دون ردٍ و إتجه للحمام، بينما عادت هي لمقعدها محتارةً،
عائشة:" ما بال فارس يا ترى لا يبدو على ما يرام هل يكون لتلك الأفعى سارة دخل بحالته ....حتما هي السبب فقد كان الليلة الماضية معها !"
منية:" كفي عن هذا الكلام يا إبنتي ! فارس معتاد على الركض هكذا كل صباح فما الجديد بذلك !؟"
بسملة:" معها حق الفتاة لا يبدو على ما يرام ألم تري حالته كيف كانت و الإنهاك الذي بدى عليه، !! صحيح أنه متعود على الركض لكن ليس لهذه الدرجة و بعد سهرة البارحة، ...فقد عاد مع بزوغ الفجر فمن أين له كل هذا النشاط !!"
كانت فردوس تستمع إلى حوارهم و إبتاسمة نصر تعلو ثغرها فهي الوحيدة التي تعرف السبب الحقيقي في إنزعاج فارس، إنتبهت عائشة لإبتسامتها فسألتها مستفسرة: خير إن شاء الله ما الذي يجعلك تبتسمين ! أسعدينا معك فردوس !!"
فردوس:" ...لا شيء، فقط تذكرت طرفة مضحكة لا غير "
عائشة:" إييم، تقولين طرفة إذن !.." ثم إقتربت منها هامسةً:" ألم تكوني مع فارس هذا الصباح يا ترى ؟!"
لم تُعِر فردوس سؤالها إهتمام بل أجابتها بكل برودة دم:" ههه، ...ناويلني العسل من هناك حبيبتي فقد إنفتحت شهيتي هذا الصباح !"
وضعت إناء العسل أمامها بغضب و قالت:" بالهناء و الشفاء عزيزتي، ...لكن أنصحك بعدم الإفراط بتناول العسل لأنه سيزيد وزنك و ستضطرين للركض مع فارس كل صباح !"
إبتسمت لها فردوس و غمست فطيرتها بالعسل لتأخدها و تنهض قائلةً بفم ممتلئ:
" بالهناء و الشفاء للجميع ...أنا لديا موعد مع بعض الرفاق ...يجب أن أذهب بسرعة لأتجهز "
فرحات:" أي رفاق فردوس ؟؟!"
فردوس :" لقد أخبرتك أبي هل نسيت ؟! إنهم أصدقاء تعرفت عليهم عبر الفايسبوك و قد كانوا ينتظرون قدومي بفارغ الصبر لنمضي يوماً ممتعا مع بعضنا "
فرحات:" آااه نعم تذكرت لقد حدثتني بالموضوع، حسنا بإمكانك الذهاب بشرط أن أذهب معك لأتعرف عليهم أولا و من ثم أدعكم تستمتعون بوقتكم !"
فردوس:" سيمرون لأخذي من القصر على كل حال لذا ستراهم و ستتعرف عليهم كما أنك ستحبهم بالتأكيد؛ فلا تقلق أبي و لا داعي لكل هذا الخوف "
ثم قبَّلته و ذهبت مسرعةً لغرفتها فصادفها فارس بالباب لم تعره إهتماما بينما لم ينزل هو عينيه عنها إلى أن وصلت لغرفتها ليكمل طريقه للحديقة و يلتحق بطاولة الفطور ليشد إنتباهه حوار والدته مع السيد فرحات ،
منية:" سيد فرحات دعها تستمتع بوقتها لازات في ريعان شبابها كما أنها أصبحت إمرأة يعتمد عليها ما شاء الله و لم تعد صغيرة "
فرحات:" ههه بالطبع سيدة منية فأنا لم أمنعها، لكنني فقط أريد التأكد من أخلاق أصدقائها ليطمئن قلبي فهي مهما كبُرت ستظل صغيرةً في نظري "
منية:" معك حق "

ثأر الزمن (بقلم أميمة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن