سمعت عويل النائحات عشية...
في الحيّ يبتعث الأسى و يثيريبكين في جنح الظلام صبيّة...
إنّ البكاء على الشباب مريرإيليا أبو ماضي
------
فترة ما بعد حرب داعش، في أحدى ضواحي بغداد القديمة حيث البيوت تعود لأكثر من خمسة عقود وحيث الجدران التي تأكل بعض منها، وملئت برسومات أطفال من أجيال مختلفة والأبواب التي لم يأخذ منها الدهر صلابتها
"بكاء و عويل، نعي حزين يصدر من أنحاء هذا المنزل، صوت الأم الثكلى بأبنها المفقود منذ ما يقارب الأشهر الثلاث ، جعلها تلحن ألامها لفقد فلذة كبدها؛ بسبب رأيه المخالف بصوتها المبحوح، تمسك بصورته في حجرها بينما جعلت من باب بيتها مقعد لها ، تسأل لعل أحد المارة قد شاهد ابنها ليطمئن ذاك الفؤاد المفطور. "
هذا ما كانت تقوله المراسلة بينما تمسك بيدها اليمنى التي زينت بخاتم ذهبي بسيط، الميكروفون طبع عليه شعار القناة التابعة لها، مرتديةً ذاك الزي الرسمي بلونه الترابي، قطبت جبينها حيث بدأت قطرات العرق أن ترطبه لتتحدث بانزعاج :
" اقطعوا التصوير. "بعد مدة قصيرة أخرجت الفتاة تنهيدة ألم خارجة من قلبها قبل فمها، و هي واقفة تشاهد تلك العجوز التي أتخذت من اللون الأسود عنواناً، أكان بسبب تمسكها بتلك العباءة والحجاب أم كان بسبب ما يحيط بها من حزن و أسى؟
ورحت أدقق في ملامح وجهها الذي تم الرسم عليه بفعل ويلات الزمان، لتظهر التجاعيد عليه مبكراً وساند بفعلها المصائب التي لا تأتي فرادى، بل تجمعت منذ ثلاث أزمنة، زمن النظام السابق الذي بسبب انقلابه هي فقدت كلا شقيقيها، و في زمن الحرب مع إيران فقدت ابنها البكر، لتفقد الأوسط حيث قتل في فتنة طائفية سنة 2006، و الآن تجزع بصغيرها المحبب إلى قلبها.
هذا ما أدركته من خلال كلام السيدة العجوز وذلك الحوار الذي جعل العجوز تنتحب بوسطه وجعلتني أرى إن مآسي لا تصل لذرة مما عانيته، حولت ناظري نحو تلك الصورة المؤطَّرة بشكل بسيط، و ذلك الشاب الذي يتوسطها بتصفيفة شعره الأسود الكثيف بعناية، و عينيه الرماديتين اللتان تملكان حدة كحدة السيف، تحميهما من أشعة الشمس الحارقة حواجبه السوداء الكبيرة، و الابتسامة البسيطة المرسومة على وجهه القمحي.
التفت نحو السيدة بعد أن سمعتها تلحن
كلامها الذي تنطق به بمرارة و لوعة، بصوتها الذي يدخل الأسى بالقلوب ويتوغل به:
" صغيري... يا بني، إياس أرحم قلبي العجوز و أعطني جواباً... أين أنت؟ أين؟ أأنت عند الأعز الأكرم أم عند أولئك اللعناء؟ "كلامها أثر بي وجعل دموعي تنزل لأنها ذكرتني بمصابي فحالي لا يختلف عن تلك الام المفجوعة فهي فجعت بصغيرها أما أنا ففجعت بشخص حفر حروف إسمه على قلبي.
أنت تقرأ
فوق ثرى العراق
Short Storyسيكون هذا الكتاب عبارة عن مجموعة قصصية من وحي المجتمع العراقي كل قصة تروى بها لحظات جميلة أو مأسي مرت على شعب موطني وأنا أحاول نقلها بصورة شفافة وواضحة لكم ...