(٦) قرار نهائي!

315 55 169
                                    

"محال!"
نبست شفتيه بصدمة، كيف لحروفه التي انبجست بوهج من نور أن يخفت توهجها؟ احتار ثم غضب، هل كذبت عليه الظلال؟ بحاجبين معقودين سحب درج الأوراق حيث كانت تبيت وهتف "قلتِ أن الوصفة السحرية تلك ستجعل كلماتي متوهجة، فما الذي أراه الآن؟"

تشكل جزء صغير من الكلمات على سطح الأوراق بهيئة رأس إنسان وانطلقت الإجابة من بين ثناياه بذات الصوت الرقيق الذي سمعه منها أول مرة "المعذرة يا سيدي نسيت أن أخبرك شيئا، أي كاتب حينما يبدأ الكتابة وقد بذل كل الأسباب التي تجعل من كتاباته جذابة - ستتوهج كلماته، وتكون مضيئة بقدر ما فيها من فائدة وإبداع، لكن بالنسبة له هو فإنه سيراها تخفت بعد مرور بعض الوقت، لكن هذا لا يعني أنها قد فقدت نورها حقا، بل الأمر يكون هكذا بالنسبة له لأنه يطمح للأفضل، أما غيره فسيظل يراها كما هي مضيئة كمصباح يشق طريقه في ديجور"

حملق هنيهة بالظلال يحاول استيعاب ما قالته، هل الأمر كذلك حقا؟ إن كانت كلماته لم تفقد وهجها فهذا ما يرجوه ويطلبه، لن يهتم لنظرته القاصرة لما كتبه، بل سيفخر به كجزء انبثق من روحه، كفائدة سارية المفعول دوما حتى بعد رحيله، لَمْلَمَ شتات فكره ورد عليها قائلا "أتقولين الحقيقة؟ ألا تعتقدين أنك تجاملي نفسك كونك تلك الكلمات التي أكتبها؟ أريد الصدق!"

انطلقت ضحكة خفيفة مرحة من الظلال ثم أجابت "لمَ عساني قد أفعل ذلك؟ أنا أقول الحقيقة فقط، إن كنت لا تصدقني سَلْ غيري، ليس كما لو أنك لن تجد ناصحا أمينا وناقدا فطنا"

بسخرية وبصوت مرتفع علق "ها قد قرأتم ما كتبت هل كان جيدا؟" توقف بضع ثوان شعرت خلالها الظلال بالغضب من سخريته اللاذعة، لكنه عاد يفسر ما فعل بقوله "من سأسأل بربك في هذا الوقت والمكان بالذات؟ ولكن..."

حدقت الظلال به ترجو هذه المرة كلاما جيدا ولبقا، أكمل قائلا "كما كنت دائما سأبقى، سأكتب للفائدة وليس لأتبع السرب أينما حلق، سأفي بوعدي لصديقي وبالعهد الذي قطعته على نفسي. المتعة والتسلية والمغامرة وكل شيء يشعر به الكاتب أثناء كتابته سيكون كله إلى جانب الفائدة، سيكون هذا هو طريقي في هذا العالم الشاسع"
شد قبضته في آخر كلامه وهو يرفعها للأعلى مع ابتسامة شقت طريقها على ثغره، سنا العزيمة والإصرار والثقة يتلألأ في عينيه "لا استسلام" قرار أخير ونهائي حسم به أمره في تلك الليلة

حُب الكتابة قد طغى على كل حب في قلبه، وشعوره بذلك أنتج رغبة في كتابة شيء جديد قبل أن يخلد إلى النوم، لكن عليه الإسراع قبل أن تتصاعد الأدخنة من رأسه حين تعجز آلات فكره عن العمل

وصل إلى ما يرنو أخيرا حين انبجست تلك الفكرة في رأسه، الآن يمكنه أن يختم يومه بابتسامة متجذرة في قلبه وسعادة نابعة من قلبه، وسرور متفيئ ظلاله في أعماقه، هتف متحمسا وسعيدا "بعد أن تغادري قلبي فلتسكني في أعماقهم، ليكن ذا ديدنك دائما يا كلماتي، هكذا فحسب يمكننا أن نكون أصدقاء"

أخذت الظلال تراقبه وهو ينسج جزء روحه الجديد على أكتاف أوراقه "حملٌ ثقيل أيتها الأجنحة البيضاء، لكنك وحدك من يستطيع إيصاله" أنهت مراقبتها حين انتهى هو من صناعة حلته الجديدة، غاصت في مأواها سامحة له بإعادة إغلاق درجها الخاص، أخيرا سيلتقي صديقه العزيز "سرير" لينقله إلى عالم أحلامه على بساط النوم

ترك ورقته التي حفظت بين جنباتها كلماته على سطح مكتبه، ثم حلق في عالم الأحلام بعد جهد وإجهاد استنزفا طاقته هذا اليوم، لكن ما الذي كتبه يا ترى؟

لنقترب قليلا من تلك الورقة، الآن بات ما كتبه واضحا أمامنا لنقرأ إذن "كان عليّ أن أسأل نفسي ألف مرة: لمَ سأختار طريق الكتابة؟ الإجابات ستكون كثيرة بالتأكيد على الرغم من أنه سؤال واحد، لكن إن سألت نفسي الآن فأنا أعرف ما هي الإجابة، أو الإجابات فلا فرق عندي، لكن هل هناك من يفكر مثلي؟ لا أعلم! كل ما أعلمه هو أنني استطعت أن أجد طريقي، أستطيع أن أواصل السير وحدي، أستطيع أن أسبر أغوار الكتب لأخرج بما يقويني، سأكون كشمس تسطع بعد ليل بهيم، سأكون يوما في القمة أستغرب كيف بقيت في القاع طويلا وكيف تأخرت في الصعود! القمم كثيرة ومتفاوتة لكنني لن أرضى لنفسي غير قمة أكون في علوي عليها مفيدا لغيري كما استفدت أنا لنفسي وبنفسي
الطرق كثيرة كما هي القمم يا صاح، فأيها ستختار؟"

ختام ما كتب كان موجها إلى غيره، لمَ عساه قد فعل ذلك؟! لا يهم هذا الآن، المهم هو ما عزم عليه في الأخير، فهل كانت قصته ذات فائدة في نهاية الأمر؟

النهااااااية

*******

ها قد انتهت قصتي القصيرة هذه ^_^
كيف كانت؟ وكيف هو كاتبنا؟ غريب الأطوار؟

كل ما أوتيت من قوة وجهد وإبداع وكل شيء قد بذلته في هذه القصة، أحبها حبا جما! وآمل أن يكون ذا هو حالكم

عموما: كل شيء فيها تقريبا هو عبارة عن تعبير مجازي لشيء واقعي، مثلا الصديق الراحل، هو كناية عن الأصدقاء الذين يحصل عليهم الكاتب في بداية طريقه، والمرض هو الظروف التي تجبرهم على أن يبتعدوا عنه بين فترة وأخرى، والموت هو رحيلهم أو رحيل دعمهم له نهائيا، يحدث هذا الأمر مع البعض إن لم يكن الأغلبية، وعلى رأسهم أنا هههههه

على كل حال هل اكتشفتم شيئا آخر وما هو؟ وهل استفدتم شيئا من القصة؟ وما هي ملاحظاتكم عليها؟

في الختام شكرا من أعماق الفؤاد إلى كل روح انغمست بين أسطر هذه القصة، وإلى كل عين تمتعت بقراءة أحرفها، وإلى كل أنامل نسجت مشاعرها تعليقا عليها

دمتم في رعاية الله وحفظه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ثُم توهَّجــت! Tempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang