قُرصُ عَينيهِ المُزَوَّقَتَانِ بِالزُمُرُدِ أفْرَسَتَا الخَواءَ سبِيلًا، بَينما شِفَاههُ المُطْبَقَةُ بدَأت بالنُزُوحِ عَن بَعضِها، فَتتَرَنَم أذناهُ بمسمعِ صوتهِ:
-"أَلْوَانُ الْلَّيْلَكِ، الزَّهْرِ الْمُخْمَلِي، الْأَسْتَلِيبِ، وَزَهْرَةُ فِيرِيسْيَا نَاصِعَةُ البَياضِ."زَمّ شَفَتيهِ الدَّامِيتينِ مَا أنْ أَعْرَبَ، ثُمَ ألُقَى زُجَاجَةَ البِيرةِ التي جَابَ شَذاهَا الغُرفَةَ. العَبَرَاتُ اِقتصَتْ مِنهُ، شَذُورُ الزُّجاجِ المُتناثِرِ كالنُّجومِ، رَائِحَةُ البِيرَّةِ التي تُداعِبُ لُبَهُ، سَنَا القَمَرِ الخافِتُ المُتَسللُ عَبْرَ زُجاجِ النَّافِذَةِ وَسَطَ السَّدَفِ، وَسِكِيرٌ يَتَرَنَحُ حَتَى غَلَبَهُ الوَسَنُ؛ تِلْكَ الطُّقوسُ المُتَرَتِبَةُ عَن هَفوَتهِ الرَّابِعةِ خِلالَ الأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ المُنصَرِمَةِ، وَلَيْسَتْ بِشيءٍ إسْتِثنائِيٍ يَجْدُرُ لِلْمرء ذِكْرُهُ.
أَطْلَقَ تَنْهِيدَةً خافتةً مليئَةٌ بالثَّقَلِ من سِجنِ شَفتيهِ الكامِدَتينِ، عَيْنَاهُ كالشَّظَايَا البَراقَة، يُحَدِقُ فِي مُحِيطِهِ المُشَوَش كَمُهجَتهِ؛ رَدَدَ بِغَصَةٍ تَعْتَنِقُ نَبْرَتَهُ السَّاحِرَة وَدُمُوعٍ تَشُقُ مَسْلَكًا عَلى وَجنتَيهِ:
-"أَتَمَنَى لَوْ أَنَ كُلَ ضَعْفِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكُونَ مخفِي، لَقَدْ نَمَتْ وَرْدَةٌ لَا تَسْتَطيعُ أَنْ تُزْهِرَ فِي حُلُمٍ لَنْ يَتَحَقَقْ..."¹صَدَحتْ تَرنِيماتهُ، تَغَنَى السِّكيرُ وَسَطَ فُؤادِهِ المُحَطَم، لَرُبَما إجْتَرَحَ فِي حقِ زَهْرَةِ فِيرِيسْيَا جُرْمًا، إلَا أنَ عَتَبَها عليهِ أَلِيمٌ. تَرَنَمَ وَهَزِجَ بِشَجَنٍ، حَتَى أُطْبِقَتْ جُفُونهُ؛ الآنَ اِنْقَضَتْ لَيْلَتهُ العَسيرةُ الأُولَى!
تَنْقَضِي السَّاعَاتُ وَتَدُورُ العَقارِبُ مُصَافِحَةً أَرْقَامَ السَّاعةِ الرُّومَانِيَةِ، والآنَ قَرَرَ أصغَرُ عَائلَةِ العَقارِبِ أَنْ يَحُطَ عَلَى رَقْمِ ثَمَانِيَة؛ أَمَا سِكيرُنَا الوَلْهَانُ فَقَدْ اِعتنقهُ السُّهَادُ حَتَى اللَحْظَةِ...
وَفِي حِينٍ سَادَ الصَمتُ فِيهِ تلكَ الغُرْفَةِ، فُتِحَتْ عَيْنَاهُ عَلَى مَصْرَاعَيْهِمَا، بَقِيَ فِي سُكونٍ وَثَباتٍ لِثَوانٍ مَعْدُودَاتْ؛ وَحِينَما اِستعادَ وَعْيَهُ نَهَضَ بَدَنُهُ. أَخَذَ نَفَسًا عَمِيقًا وَأَفْرَسَ الأَرْجَاءَ؛ عَبَقُ البِيرَةِ ذَاتُهُ، الشَّظايَا المُتَنَاثِرَةُ كَوَدَقٍ مِنْ بَرِيقٍ، وَفؤادُهُ المُهَشَمْ؛ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حُلُمًا. لَقَدْ أَحَسَ بِمَرَارَةٍ تَعْتَنِقُ حَلْقَهُ، كَأَنَما أرَاد أحدُهُم قَمْعَهُ، فَتَحِنُ جَوَارحهُ لماضٍ ألِيم وَتَتَعَثَرُ هَواجِسُهُ بَينَ كُتيبِ الذِكرياتِ القَدِيمِ!
YOU ARE READING
جَنَانٌ مِنْ وَرَقٍ.
Short Story-"مَاذَا إنْ كَانَتْ قُلُوبُنَا لِشِدَةِ هَشَاشَتِهَا وَرقًا، فَتُصْبِحُ أَفْئدَةً مَا أَنْ تَلِجَهَا لُجَّةٌ مِنْ أَلْوَانٍ؟" -"أَلْوَانُ الْلَّيْلَكِ، الزَّهْرِ الْمُخْمَلِي، الْأَسْتَلِيبِ، وَزَهْرَةُ فِيرِيسْيَا نَاصِعَةُ البَياضِ؛ فَأيُ صَبْغَة...