الفصل الثالث

159 8 0
                                    

وذات مساء. ،زارتنا أّمي و"أدهمها" الذي كان لا يزال خطيبها آنذاك، أتى لُيبارك ليُ قرب موعد ِخطبتي أنا الأخرى،وكانت تلك المّرةالّثانّية أوالّثالثة التي أراه فيها.بدا خمسينّيًا، أنيقًا كعادتِه،شّبهته دوًما بحسين فهمي،ببياضه المشَرب ِحمرة، وعينيه الّزجاجّية وشعرُه الفضّي وحتى جسده البين بين. اعتاد حين رؤيتي، تقبيلي على خدي كما يفعل الفرنسيون،قبلتان  أنيقتان على خّدّي،كرهت ذلك كثيًرا وشعرتها إهانًة لأحلامي وبراءتي معاً!
كانت له وسامةّ طاغية.تلك التي تشهق لها حين رؤيتها،عجبُت لأمرأّمي التي دوماً ما حذرتني من الجمال حين ُير َسم بإتقان على وجوه الرجال. َأتوا ذاك المساُء محّملين بالهدايا
-هداياها المضّرجة بافتقادي لها، وهداياُه الّساعية لكسِب وّدي
-وكم أحُّب هدايا أّمي،لديها ذوق رفيع وحاّسة باريسّية في اقتناء الأزياء، تعلم جّيًدا ما يليق بي،تحفظ مقاساتي، وأكثر ماكنت أحّبه هوالأحذّية ذات الكعوب العالية التي تبتاعها لي، إذ إّنها أحياًنا كانت تبتاع زوجين لكلينا ولكن بلونين مختلفين،فتقوم بإعطائي واحدة من كل زوج، ولها كذلك. أّما بالنّسبة لهدايا أدهم فكان أغلبها ينحصر في أحدث الأجهزة الإلكترونية، من هواتف ذكّية إلى حواسيب محمولة.كل هداياُه لم تعنني، كنت آخذها مجبرةً  منه لإرضاء أمي فقط.
إنه سارق أمي مني. أمي التي احتضنته مطولاً  برحابة نسياني.
هل فعًلاَ أحّبها؟ أم أحَّب اقتنائها؟؟كنُتُ أقَهرحينما أراهما مًعا في حضرة الحب. ِ قال لي بصوته الفحولي:
انظري ماذا ابتعُت لك. لا شَّك في أّنني تفاجأُت جًّدا لمطلبه،فهو لا  يسأني أبًدا عن شيءكهذا، عادًة ما يضُع هداياُه على أي طاولة في المنزل،ولا يسألنيً حتى عن رأيي فيما بعد!! نهضُت عن الكرسّي المقابل له وأخذُت علبة مستطيلة لونها أزرق داكن، مرسوماً عليها زهور سوداء بارزة وعلى طرف العلبة شريط فّضي لامع.ومن ثم عدُت إلى مقعدي المجاور لجّدتي. وإذابه ينهض من مقعده ليجلس إلى جواري. نظرُت إلى أّمي بذهول فوجدتها تنظرإلّي بقلق خشيَة أن تنفجرفظاظًة أكّنها له.راحت تشيرلي بعينيها التي أحب،أن أفسح له مجالاً كي يجلس بارتياح.كان يراقبني بصمت، بحذر، بمكر، في حين اشتعالي! فتحتُ العلبة بعد أن فككُت الشرائط بهدوٍء ُمفَتعل. فستان!!!!! وكان أجمل ما رأيت، ولكن.. فستان أبيض سٍّكري مطّرز بكريستاٍلُ يذِهب الأبصار،قصيرللغاية، ظهره نصف عار، أكمام طويلة وأناقة مفرطة لم أفهمها!!!
- "شو هيدا؟ " لفَظ لساني.
بدا فستان زفاف جامح لعروسٍ جامحة.
- سترتديه الشهر القادم.
- "ليه بقى إن شاء الله؟ "  لفّظ تمّردي. أذكر أّنها كانت المّرة الأولى التي أتحّدث بها باللهجة المصرّية. رحُت أراقب وجهه وشفتيه، تفاجأ لّردي الّساخر، وأجاب:
- زفافي أنا وناهد!!! شعرُت بأحلامي تشهق لقرِب فجيعتي.كان من المفترض أنُ تقام حفلة ِخطبة بسيطة، ومن ثَّمُ يقام الّزفاف بعد ذلك بعام. ظّلْت أّمي صامتًة تترّقب رّدة انكساري وجبينها يتصّبب ذنًبا!!نهضُت وبيدي الفستان وقلت بٌتهّكم:
- مبارك يا عروس، أين سيقام الّزفاف؟
أجابني باسماً وهو ينظر إليها:
- على متن باخرتي في الإسكندرية.
- مممممم.. جميل أيضاً. لن أرتدي الفستان!!
فأجابني وهو يشعل سيجارة:
- سترتديه يا رنا.
- إّنه أبيض.
- إذن؟؟ أجبته كمن تدافع عن قضّية خاسرة:
- الأبيض للعروس. فقال مبتسماً :
- وأنِت أجمل عروس، سترتديه، لقد طلبتُه خصيصاً لِك من باريس!!
لقد طلَب َنعشي خصيصاً من باريس. لا أكثر ولا أقل!!
ِ ***
كمُ يصبُح للّسعادة أثر يصُعُب اقتفائه!!فلا يكون لناُ بّد من أن نهيَم
على وجوهنا، وبنا عمر من الحسرة لِما تشهدُه قلوبنا من"بين بين"، فيغدو من المستحيل أن نتواجد ولو ادعاًء في دقائق وجداننا، نصبح ُمغّيبين،ُمخّدرين،وكأّننا ظٌل لِما كان مّنا وسراٌب لِما سيكون!! أردُتها أن تسعد،ولو كذًبا على نفسها،وباركُت لها زواجها القاتلي، وحينما أخبرُت نايف بخبر زواجها، بدا مندهشاً لوهلة إ ّلا أ ّنه لميعقبّ واكتفى بتمنياته لهما بالّسعادة، كذلك شعرُت بحرجه الّشديد لطلبه إّياي في الوقت غيرالمناّسب.لذلك وبعد اقتراب موعد زواج أّمي،بدا من
المستحيل أن أفكر في تعجيل زواجي أنا الأخرى من نايف! سألني:
- أهو لبناني أيضاً؟
- لا، مصري هذه المّرة!!
أجابني مستنكراً:
- ولَِم تقولينها هكذا؟؟ أكنِت تفّضلينُه لبنانّياً كوالدكِ يرحمه الله؟؟

.والدي! َويَح عمري.
أجبته:
  - لا.. لا، على الإطلاق.
- أتحّبين القاهرة؟
- أتعّلم حّبها. قال ممازًحا:
- أثبتي لي هذا.
-لو لم أكن نصف مصرّية، لوّدد ُت أن أكون نصف مصرّية. ضحَك عالًّيا، وابتسمُت له في خجل. كم هو مسالم، وكم أنا مذنبة!!! ولدى تفكيري بسؤاله ذاك الآن، أأحُب القاهرة؟؟ َ حّبها لم يكن الأصعب،شيءغريزي بداخلك يدعوك للوقوِع في حّبها،أشياؤها الحميمّية التي من الاستحالِة أن تجدها في أي بلٍد عربّي آخر.نكهة،لون،أو روح رّبما.تحب مصر بالّرغم من فوضاها العارمة،وحشودها المستحيلة،شيٌءفي شمسها،في نيلها،في شتائها! أذكرمشهًدا شاهدتُه لأحمد حلمي في"عسل أسود"حين كان يؤدي دورالمواطن المصري الأمريكي،وفي نهاية الفيلم وحين كان عائًدا إلى أمريكا بعد أن طفَح به الكيل في القاهرة،صادفه أحدالمسافرين، الذي راَح يخبره عن حّبه لمصروشعبها،كان المشهد مضحًكا
*************************

خلص البارت

كانت لكDove le storie prendono vita. Scoprilo ora