الفصل السادس

16.9K 382 16
                                    

في صباح اليوم التالي غادرت يارا سريرها وهي تشعر وكأنها انتشلت من الموت لتعود إلى حياتها اليومية ، أغلقت عينيها وهي تحاول أن لاتسمح بذاكرتها أن تعود إلى الوراء ولا للحظة واحدة فقط .. ستعتبر أنها اليوم ولدت من جديد .. ولن تفكر بأحداث أيامها فيما سبق ، ستنتشل نفسها من القاع كما أخبرتها والدتها وستصنع لنفسها صورة جديدة بعيداً عن أي تشوهات نفسية سببها لها عمها وابنه سابقاً ..
لم تكن تستطيع أن تشعر تجاه هاشم بيك إلا بالامتنان ، رغم قبضة الخوف الباردة التي تعتصر قلبها لأنها لاتستطيع التنبؤ بتصرفاته ، إلا أنها تدين له بهذه البداية الجديدة التي منحها لها رغم كل غضبه وضيقه من ذلك ! فلقد أيقنت أنه لن يؤذيها يوماً ولو بنصف المقدار الذي يمكن أن يؤذيها به عمها وابنه.
اغتسلت وجففت شعرها سريعاً قبل أن ترفع نصفه بملقط فيما تساقطت خصله على ظهرها وكتفيها بعفوية لذيذة ، ارتدت زي التمريض خاصتها قبل أن تلف شالاً حول شعرها تحسباً لأي لقاءات طارئة ، توجهت نحو غرفة والدتها ، لكنها وجدتها فارغة ، فخمّنت أنّها استيقظت في وقت مبكر كالمعتاد ، لابد وأنها في غرفة الشريفة ، ابتسمت في سرها وهي تشعر بهدوء نسبي في أعصابها ، وحثت خطاها نحو غرفة الجدة وهي تلاحظ أنها تأخرت نصف ساعة اليوم في الاستيقاظ ، فلقد أوشكت أن تصبح الساعة تمام التاسعة .
ما إن دخلت الغرفة حتى طالعها وجه والدتها المبتسم بارتياح لم تلحظه على وجه والدتها منذ مدة طويلة ، كانت تجلس على الأرائك والجدة بجوارها وأمامهما فنجاني قهوة ، دخلت الغرفة وهي ترفع الشال عن رأسها دون أن تلحظ الجسد الذي يقف مقابلهما بزاوية مائلة جعلت باب الغرفة يخفيه عنها، ابتسمت لهما بنعومة وهي تقول بصوتها العذب :
- صباح الخير لأحلى وألذ إمين بحياتي أنا !

ردت عليها والدتها بابتسامة واسعة صادرة من القلب فيم ضحكت لها الجدة بسعادة وهي تغمز لها بمكر :

- صباح الخير بس لإلنا يا يمّة .. ومافي صباح الخير للعريس ؟!!
التفتت خلفها كما أشارت لها نظرات الجدة ، وغزاها الاحمرار وعيناها تلتقي بالعينين الذهبيتين اللتين كانتا شبه مغلقتين وهما تتأملانها في ضوء النهار بتركيز أربكها وجعل وجنتيها تتوهجان بحمرة قانية ، شعرت بالارتباك الشديد وهي تعتصر الشال بيديها فيمَ همست بخجل شديد ونظراتها تحط على الأرض:
- صباح الخير هاشم بيك !

سمعت ضحكة الجدة التي بدت مستمتعة بخجل يارا وقالت تخاطب والدتها بحنان :

- شوفي هالبنيّة المسكينة ، لسا بتقول هاشم بيك ...

التفتت نحو يارا وهي تتابع :

- ولشو كل هالخجل يا يمّة ، إلي بشوفك بقول اليوم صباحيتك .. كلياتها كلمتين على ورق .. لعاد لما تتزوجي عن جد شو رح تعملي ؟؟!

كلمات الجدة جعلتها تمتقع أكثر وهي تشهق كي تلتفت نحوها وقد صارت في حالة لا تحسد عليها ، يا الله لوتعلم الجدة أن الزواج الذي تقول عنه مجرد حبر على ورق أوشك أن يصبح حقيقياً ليلة البارحة ..

سلسلة النشامى /الجزء الأول /  جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة /معدلة Donde viven las historias. Descúbrelo ahora