14

28 1 0
                                    

|§ الــبارت الـرابـع عــشــر §|

الرمح احد الاسلحة التي استخدمها العرب قديما
في حروبهم ، كانت محل نسبة في أشعارهم
هي تلك الخشبة التي تنتهي بقطعة حديدية حادة
كما يمكن تكون خشبة لا تفرق عن البقية ، غير ان صواعق الزمن جعلت منها اداة حادة تندفع بتهور لتصيب..
فلا خطأ إن شُبه هذا الرمح بالطفل الصغير الذي خرج مع أبيه قاصدين بيت صديقه ، ليتفاجأ عقله الذي اعتاد على الرسومات و مشاهدة افلام الكرتون بذلك الشخص الذي غرس زجاجة مكسورة برقبة ابيه
فتنفجر الدماء و تجري كجريان واد ابى ان يجف ، ارتجاف و دموع تكاد ان تغرق المكان و تغسله عجز ان يوقفها ذلك الصغير المرعوب الذي صار يطلق صرخات كتمت بيد المجرم
ليرى ابيه يحمل و يلقى بالشارع و تزيد صدمته المصحوبة بصراخ عندما رأى سيارة تمر فوق جسد ابيه و تمزقه
رجع الى البيت لتضمه تلك التي لاطالما عرفت طريقة امساك الرمح بل درستها هي ان توجهه للمكان المرغوب دون ان تشد قبضة يدها ، لاطالما كانت ام رائعة اغرقته بحنانها لتزيده تلك الواقفة عند باب الغرفة و دموعها تذرف، أخته هي الصديقة التي لا يمكنه ان يعيش بدونها يربطهم حبل متين
اخذ يضعف مع مرور الزمن ، توجه للحرام او جر من طرف اصدقاء ليزين الشيطان هذا العمل له
مرت سنة قضى فيها ايام تجنب فيها القذارة التي غرق فيها منذ عام، و نجح في أن يلقي بها تحت التراب ليعود لذلك البيت الصغير البسيط الذي لاطالما جمع عائلته الصغيرة لكن ينصدم بفقدانه للوردة التي كانت تعطر هذا البيت ، فقد الشمعة التي إحترقت لتنير لهم الطريق ،كانت تعاتبه على تصرفاته و هذا مايؤرقه يخاف أن لا ينال رضاها ، لكن قصة أخرى فتحت أبوابا ظن ان غبار الزمن قد كساها ليمسحها رغم انها لم تمسح من ذاكرته ، ظن ان الجدران التي شهدت ذلك الحدث أمينة و لم تدع السر يتسلل لاكثر انسان يبغضه فيتعقبه برسائل يدعي أنه يعرف المجرم ،
عُرف بعناده الذي لن يتخلى عنه حتى عندما زاره الرجل الغامض و ترك له رسالة فأبى أن يفتحها إلا بعد مرور سنوات فتتبع العنوان ليدخل الغابة التي جمعت ابطالنا [غابة الاحزان و الخوف و الحقد ] فرمي له رمح يحمل رسالة منقوشة [ تجاوز العقبات لتصل الى السعادة ] و اضيفت لها ملاحظة على غير العادة [ لكن احذر فلكل رمح يد ترمي به حاول ان تميز المكان الذي تلقى اليه ]
لكن يبدوا ان رمحنا العنيد لم يهتم لهذه العبارة
و الدليل هو المكان الذي عاد منه للتو
ابتسامة حقد ظهرت على ملامحه و هو يمسك بذلك المسدس الذي أتى به من احد بائعيه ووعده بأن يرجعه لهم فور نيله من ذلك المجرم القاتل
عرف عنوان بيته....
هل تلك الجدران ستكون الشاهدة الوحيدة عن جرم ذلك القاتل...!؟
رفع رأسه بخفة واخفى المسدس تحت المفرش حين لمح أخته خارجة من الغرفة ليتقدم بهدوء ويرد عليها : صباح النور
جلست بعد ان حضرت الفطور البسيط و قالت بإبتسامة : أتمنى انك تفطر اليوم مو مثل آخر مرة
وضع كأسه الذي ارتشف منه ليقول : آخر مرة انت لي بديتي
ثم اردف محاولا تغيير الموضوع : وينها امل لا تقولين نايمة
هزت رأسها بالرفض حين لمحتها آتية بإبتسامة قائلة: صباح الورد و الفل و الياسمين
ضحكت هديل لتقول : لا اول مرة تصحين مروقة ايش فيه!؟
هز حسام رأسه بتهكم ليقول : يعني ما تدرين اكيد شافت فلم و ناهيته رايقة و لا كلت كل جزر البيت بس اظن انه الاحتمال الثاني هو الصح
رمقته بنظرة إستخفاف لتقول : يووه مولايق ابد تستخف دمك كذا ولا اقول تتسمج احسن
هز رأسه ثانية بأسى : يعني مارح تبطلي تغيرين كل كلمة تقولينها
اخذت قطعة الخبز لتقول بعناد : بكيفي ولا اقول لاتحشر نفسك احسن
تنهدت هديل لتقول بعد ان قامت أمل لتطهز اغراضها : حسام
التفت لها بهدوء مستفسرا عن ندائها
وقفت وهي تنظف المكان لتقول : اظن انك زودتها ، حسام دراستك سكتت على السنة لي راحت
ظهرت نصف ابتسامة تهكمية ليقول مغادرا المطبخ : منو يتكلم على الدراسة
سقط الصحن من يدها لتتناثر شظاياه و دمعتها تسللت برقة من عينها....
جواب تهكمي آلمها...
اوقفت دراستها لتساعد امها على مصاريف البيت...
اغلقت الدرج على كتبها التي عشقتها...
و تخلت عن مستقبلها...
لتأمن لهم مايطلبونه...
فتصفع بجواب بعث الرعشة في جسدها...
آخر ماتوقعته ان تكون محل تهكم و إستهزاء...
دفعت شظية الزجاج التي عرقلة طريقها لتخرج من المطبخ...
ياليت كانت عقبات الدنيا بسهولة ازاحة قطعة الزجاج هذه...
ناظرتها أمل بدهشة لتقول : هديل تبكين !؟
افاقت على دمعة تهبط بخفة لتمسحها...
يبدوا ان تلك القطرة التي تسللت جرت جيشها معها...
هزت رأسها بالرفض دون ان تتكلم...
فهذه الدموع العنيدة تنبعث فور تحرك أحبالها الصوتية...
تحركت نحو الخارج عند سماعها لجرس السيارة و ركبت ، لكن سمعت صوتا جعل عيناها السود تجحظ
لتقول بهدوء يخفي بحة صوتها المتؤثر بشراب الالم الذي تجرعته قبل قليل : انتِ هنا !؟
التفتت لها صاحبة العينين الخضراوتان المائلة للزرقة لتقول : أظن سيارتي و بكيفي ، تعالي اركبي قدام ابغى تكلم معك
اوف !
كانت دليل على استياء هديل من حظور هذه المتسلطة لتنزل و تركب بجانبها
التفتت حين قالت إليزا : ابغاكِ تجيبيلي رقم لتين ضروري
حركت نظرها الى النافذه لتجيب : قلتلك ماأقدر
اما إليزا فقالت بغضب : سوي اي شي أبغى رقمها حتى حساباتها مولاقيتهم بإسمها
اما هديل فإلتفتت لها بهدوء يناقض الشرر الذي يبعث من عيناها لتقول : انت ايش تبغي منها !؟
ضغطت على المقود وهي تشعر بأنها ستنفجر على قطعةالجليد هذه لتقول بحدة : و انت ايش حاشرك فالنص
ضحكة سخرية اطلقتها هديل التي تقول : و الله اشوف انه أنا لي المحشورة غصب تبغيني اجيبلك شغلات غصب و تهددين عبالك بخاف من بزرة
زفرة من اليزا تبعها قولها : شكلك ماتفهمين بس ماش بشرحلك اظنك مافكرتي كيف وصلتلك يعني فيه شخص اكيد بيكون اقوى مني و منك هو لي وراي
ثم التفتت لها بعد ان اوقفت السيارة لتردف بغموض: دوريلي على الرقم و بنقعد حبايب مابيننا شي أنا راح اوصل لي أبغاه و انت رابحة كم فلس و حطي فبالك اني مارح اضر أحد انا هدفي لما جيت هنا ماكان لتين بس شكله تغير كل شيء
هزت هديل رأسها لتنزل...
حقا قد بعثت فيها هذه الصغيرة خوف بسيط...
كلامها معقول لابد ان أحد ما يساندها قابع في الظل...
كما أنه بعث قليلا من الطمأنينة بروحها...
حقا يبدوا انها لن تضر أحد...
لكن هل تثق فيها...!؟
هل ستكسبها من دون ثقة...!؟
لا تظن..
أكملت طريقها الذي تمشه يوميا نحو ذلك البيت الضخم
.
.
.
هواء بارد تسلل لأنفها مما جعلها تطلق عطسة رقيقة...
و اناملها تحتضن كوب القهوة ترتجي دفأه...
و ما أجمل تلك المقطوعة التي عزفت بضجيج الطلبة فتراقص عليها بخار القهوة الساخنة...
لكن مقطوعة أخرى صارت تعزف تدعى الحزن...
لتقتحم افكارها القاعة برقصها
العشوائي...
المتضارب...
المتناقض..
تساءل الجميع عن رقصها المتمرد...
لترد ان لاعبة خفة اقتحمت عالمها...
راحت تتلاعب بها...
وتخفي..
و تظهر...
ما تريده من أفكار...
كانت ماهرة لتخدعها ....
مررت منديلها الأسود على عقلها لتخفيه...
فتولى قلبها مسؤلية التفكير...
لا تلومه..!
فهو لايتحمل...
تكفيه مهمة ضخ الدم المتعبة..
فأولقي هذا العبء على عاتقه..
وراح يرمي بخطوات عاطفية ، دون ان يلتفت للإحتمالات...
بل الوقائع...
هل تجربتها مع أبيها لم تكن كفيلة بأن تعدم ثقتها بشيء يسمى والدين...!؟
ابوة..
و امومة...
ام ان شوقها للرائحة التي استنشقتها وهي ترضع بين احضانها كان اقوى...
و مطاردتها لطيف تلك التي كانت تزورها كل ليلة فترسم أحداث تجمعهما و تخط كلمات تربطهما كان أعنف...
انتهى كل شيء...!
لم يكن ذلك الطيف الا بسراب...
احترقت تلك الفرشاة التي رسمت بها...
و إنكسر ذلك القلم الذي خطت به...
وإشتعلت روح إبنة لاعبة الخفة...
فشاركتهم الانكسار و الإحتراق...
نقلت عيناها لذلك الذي يجلس في المقعد المقابل لها
و يبدوا أن أفكاره تتراقص في قاعة أخرى...
أما هو
فإحتمالها كان خاطئا..
أفكاره تتراقص في نفس القاعة....
على نفس المقطوعة...
صنعتها تلك التي تجلس أمام الآلة الضخمة المسماة بالبيانو..
إستطاع ان يميز لمن تلك الانامل البيضاء الرقيقة التي تتسابق على نوتاته...
هي تلك التي تشبث بيها يوم تحولت للخشنة القاسية...
بعد ان كان لا يكاد يفرق بينها و بين القطن..
نفسها التي داعبت وجنتيه قبل تلك الليلة حين توسد حضنها...
آه...
ليته لم يسرق من رائحتها ليتعطر بها..
فلا تعلق به...
رغم انه ينقع بجسده في حوض كرهه لها يوميا...
لكن أبت ان تغادره و هي تداعب مناخيره في كل ثانية...
لليوم أربعة و عشرين ساعة...
و في الساعة ستون دقيقة...
و في الدقيقة ستون ثانية...
اي تعانق روحه ستة وثمانية ألف و اربعمائة ثانية في اليوم...
لمدة ثلاثة مائة و ستون يوم...
مهما حاول إخفاءها باقوى العطور الصاخبة...
تتغلب تلك الرائحة الهادئة و الدافئة...
استسلم...!
نعم يعلن إستسلامه و يرفع الراية البيضاء...
فلا مجال للتخلص منها...
لكن ما الحل للتلك الهمسات التي توصيه بأن يبقى صامدا مهما حصل...
بأن ينسى كل فترة قضاها معها...
ان يمحي ذكرى هذه الليلة...
انها لا تستطيع ان تبقيه ، ولا أن تسلمه لذلك الوغد...
رغم الضجيج الذي يسمعه يوميا...
و آلاف الكلمات التي تنتقل بذببات الى ساحة السمع بالفص الصدغي من الدماغ...
تأبى تلك الكلمات الدافئة و الناعمة رغم قسوتها...
ان تتأثر بالأصوات اليومية فتمحوها...
يبدوا ان الفص الحوفي من القشرة المخية قد أتقن عمله ، بنقل هذه الذكرى القاسية من الذاكرة القصيرة الى طويلة المدى...
سيحاول التأقلم معها رغم قساوتها...
و عيناه هما الوحيدتان اللتان تشاركان قلبه مشاعر الكره نحو هذه الانسانة...
لكن تأبى هي أيضا النسيان..
صورة مؤلمة طبعت في عقله...
يد صغيرة تمتد لتدفع بالريح الباردة...
حاول ان يكبر خطواته الصغيرة فركض...
لكن ذلك الظهر المستقسم و الرأس المرفوع و الخطوات الثابتة كانت اسرع منه...
صرخات اطلقت منه تنادي بها...
فقفزت إبتسامة لثغره حين رآها تلتفت...
التقياتا عينيهما عينان بنية تبرق الدموع و عينان خضروتان جامداتان...
يالا أفكاره البسيطة التي كانت تسكن عقله...
و يالا براءته حين ظن أنها ستعود له...
فأكملت مسارها الى ان أظلم المكان بإختفائها...
شمعته إختفت...!
السراج الذي يدله على طريقه إختفى...!
مخاوف طفولية أصابته وقتها...
من سيحضر له فطوره صباحا...!؟
ومن سيشتري له تلك اللعبة التي رآها...!؟
من سيقبل قبل أن ينام...!؟
دون أن يفكر، كيف له أن يكمل حياته و تلك المسماة بأم قد غادرته...!
دون أن يفكر كيف سيعيش مجهول النسب...!
كيف سيواجه العالم الذي القت به فيه..!
يـكـرهــهــا...!
الجزء الايمن من قلبه يصرخ و يدخل الساحة لمبارزة الجزء الأيسر الذي يهمس بخفوت أنه يشتاق لها..
رغم أنه مجروح و حاول الزمن ان يجمع شظاياه...
من سيفوز...!؟

عقبات الدنياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن