الْفَصْلُ الثَّانِي

1.1K 113 12
                                    

الخَامسة فجرًا، 
أستيقظ علي أصوات العصَافير المُغردة علي نافذته.
نهض مِن علي سريره بهدوء،
غَسل وجهه بالمَاءِ الباردِ ،
أتجه إلي المرآة، نظر إلي وجهه لثَانيه و بعدها ألتقط قناعه و خرج مِن غرفته بهدوء.
رغم عِلمه التام أن هذه المنطقة مهجورة و أن حتي لو وُجِد بها بشر فمِن المستحيل أن يراه أحد مِن خلف تلك الأسوار الضخمة إلا أنه يُصر علي وضع قناعه دائما،
علي الأرجح هو يختبئ مِن نفسه.

ألتقط الدورق الملئ بالماء و أتجه نحو حديقته.
كان ينظر للزهور بِرضا و يسقيها بحُب ، كان منظر الزهور المُتفتحة أمامه يجعله سعيدًا... إلي حدٍ ما.
ظل يتَأمل الزهور بهدوء إلي أن وقعت عينه علي منطقته المفضله،
منطقة زهور السيمرالدو.
أتسعت عَيناه، تعرقت يَداه، أضطربت أنفَاسه،
شعر بالغضب يَسري في دمه مُخترقًا جَميع خَلايا جسمه.
الزهور نَاقصة،
سَبع زهرات مفقودين.
ما كان هذا ليُسبب مشكلة كبيرة إن كانت الزهور مِن أي نوع آخر لكن هي زهور السيمرالدو،
نَوعه المفضل.
مهلًا... هل تم اختراق القصر؟ 
هل هُناك شخصًا ما اخترق القصر و سَرق الأزهار؟
لقد عَاش سنين مُختبًا خلف هذه الأسوار،
عَاش بعيدًا عن العالم، 
لماذا قد يُريد أحد أن يقتحم وَحدته الآن؟
هذا بالتأكيد لِص آتي بالليل.
نهض من علي ركبتيه بهدوء - عكس الفوضي التي كان بها منذ قليل - و قرر أنه لن يسمح بسرقة أحد زهوره مجددًا، و لا حَتي زهرة واحدة.

لم يَنم ، ظل مستيقظًا ينظر مِن الشُرفة بحَذر.
تَعدت الساعة منتصف الليل تقريبًا و هو مازال مُتأهب.
لقد لمَح شيئًا ما يتحرك وسط الزهور، ألتقط العصا بجانبه و هرع -متجنبًا إصدار أي صوت- إلي الحديقة.
كان الظلام سيد المكان، تَوقيت جيد للسَرقة.
تحرك بحَذر وسط الازهار و هو يحني قامته و ينظر حوله منتظرًا أي شئ ،
لكن لا شئ.
أعتدل في وقفَته، أنزل العصا التي كان يرفعها، و أخذ يفكر لوَهلة،
أيُعقل أنه تَخيل شئ غير حقيقي؟ 
ربما.
كان سيعود أدراجه لولا أنه سمع صوت تحرك مجددًا، و بَدا قريبًا له هذة المرة .
أخذ وضعه مجددًا ، شدَّ قبضته علي عصاه،  بدأ يتقدم بحَذر، و...
لا شئ - مجددًا -.
بدأ يشعر بالغرابة و الغباء ، أنتفض جسده و ألتفت بسرعة عندما سمع صوت أنفاس مضطربة و خطوات تجري علي الأرض بسرعة.
شعر بشئ يجري حوله، بل شخص.
ضرب بعصاه علي الهواء اعتقادًا منه أن هذا الشخص خَلفه.
ظل يضرب في جميع الاتجاهات لكنه توقف عندما لمَح شخص يقفز مِن علي سور القصر للخارج.
لم يتكلم، فقط هرع إلي الداخل ليُحضر مصباحًا و يهرع إلي الخارج مجددًا.
تفقد زهوره بقلق،
لقد نَقصت،
سبع زهرات أُخري قد سُرِقت.
"اللعنة"قالها بهدوء و هو يقف أمام الأزهار.
رغم أن الغضب يجتَاح سَائر جسده إلا أنه مازال محافظًا علي هَدوئه .

خلع قناعه كي يتمكن مِن التنفس بحرية،
وَضعه بهدوء جانب المرآة و لم ينظر لوجهه هذه المرة.
أستلقي علي سريره بهدوء،
تأمل سقف غرفته بلا تعابير.
مرت دقائق و هو يُفكر،
حتي الأزهار التي يحبها، يُريد العالم أن يسلبها منه.
إنها الشئ الوحيد الذي يجعل قلبه ينبض .
ألا يكتفي العالم بما يسببه مِن خسائر؟
لماذا هو مُصِر علي أخذ كل ما نُحب؟ 
لماذا هو يُريد تدمير أي شئ يمثل مصدرًا للسعادة لنَا؟
يا له مِن عالم أناني.
تنهد بثقل و أغمض عيناه بهدوء تام.
مِن الغريب أنه لا يشعر بالخوف ،
لقد اُخترِقت الأسوار و هو لا يزال ثابت.
كيف له أن ينام بهدوء هكذا و هو يعلم أنه أصبح غير آمن ؟
فكرة أن أحدهم اخترق السور و دخل القصر مرعبة، كيف له أن يشعر بالأمن و الخطر يحيط به مِن كل جانب؟
لربما هو فقد قدرته علي الشعور بشئ،
لربما هو لم يكن يشعر بالأمان منذ البداية.
الليلة هو لم يفكر في أن لص قد اقتحم قصره،
هو يفكر أنها ليلة مثل أي ليلة، فقط بدون بعض أزهاره.

       

            . . .

الْحَقِيقَةِ الَّتِي لَمْ تُقَل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن