الثَّانِية عشَرة مِن فِبرَايَرأقِف أمَام القَبَر مُنْذُ إشْرَاق الشَّمس وَبِحَوزَتِي كَوب وَرَقِي مِن القَهْوَة المُرَّة حَيثُ يتَصَاعَد مِنْه الدُّخَّان وَعَلَيه زَخَارِف سَودَاء بَارِزَة
بَقَيت هُنَاك مُنذ الصَّبَاح إلَى الظَّهِيرَة ثُمَّ رَاقَبت الغُرُوب مِن ثَمَّ أتَى أصْحَاب الليل لِلسَّمَاء؛ النُّجُوم والقَمَر
بِسَبَب تِين رَأيت جَمَال الحيَاة الذِي كُنت غَافِلاً عَنْه
وَأيضًا إنتَظَرت ذَلِك الصَّبِي لَكِنَّه لَم يَأتِي
بِالطَّبَع لَن يَزُور المَقْبَرة كُل يَوم كَشخصٍ مَجنُون مِثلِي
نَهَضت مِن مَكَانِي وَنَفَضت الأتْرِبَة عن ثِيَابِي، خُطَوَة تَلِيهَا خُطْوَة أخرَى أنْوِي الخُرُوج مِن المَقْبَرة
وَلِكِن أوقَفَنِي صَوت بُكَاء شَخص بِحِرْقَة
إقتَرَبت مِن الصَّوت لِأجِدَ مَصدَرُه
كَان هُنَاك صَبِي بِجَسَدٍ صَغِير جَاثِيًا عَلَى رُكبَتَيه وَمُقَوِّسًا بِظَهْرِه لِلأَمَام يَبْكِي بِصَوتٍ مُرتَفِع فِي دَاخِل زِنْزَانَة صَغِيرَة لَكِن مَفْتُوحَة وَهُنَالك الكَثِير مِن الإبَر حَولَه لاَ أستَطِيع رُؤيَة مَلَامِحَه يَبْدُو مُحَطَّمًا
وفِي لمَح البَصَر رَفَع رَأسَه لِأرَى بِأنَّه هُو نَفْس ذَلِك الصَّبِي!
وَكَان يَعتَصِر قِلاَدَة بِيَدَيه كَقِلاَدة تِين التِي يَمتَلِكُهَا! وَهُو أعطَانِي نُسْخَة مِنْهَا بِسَبَب صَدَاقَتِنَا
هَل بِالصُّدْفَة ذَلِك الفَتى أخ لِتين؟ هَل تِين يُخفِي عَنِّي شَيئًا؟
هُو حَاوَل أن يُخفِي شَهقَاتِه لَكِنَّه لَم يَستَطِع وَظَل يَضَع كَفَّيه حَول فَمِه وَيَعُضَّهُمَا ثُمَّ وَضَع كِلتَا ذَرَاعَيه حَول رَأسِه يَمْسَح شَعْرِه بِجُنُون
مَا الَّذِي يَحدُث لَه؟ أنَا فُضُولِي
إقْتَرَبت مِنه أحَاوِل أن أهَدِّءَه كَمَا فَعَل لِي فِي السَّابِق لَكِن أوقَفَني حَارِس المَقبَرَة بِوَضع يَدَيه أمَام صَدْرِي
"إذَا سَمَحت دَعَنِي أحَادِث الصَّبِي وَأهَدّءه" أنبَست بِنَبرَة مُهَذَّبة لِلعَجُوز الَّذِي أمَامِي
"لاَ لاَ يُمكِنُك الإقتِرَاب مِنه" أرْدَف ذَلِك العَجُوز بِصَوتِه الخَشِن
"لَكِن سَيِّدِي مَاذَا تَعنِي بِذَلك؟ أنَا فَقَط أرِيد مَعرِفة سبَب بُكاءه"
"هُو مِلكِي، مِلك لِي وَحدِي وَلاَ تَتَجَرَّأ علَى الإقْتِرَاب مِنه" تَحدَّث بِإصِّرَار وَهُو يُصِر عَلَى أسْنَانِه لِيُطرِدَنِي مِن المَقبَرة بِإقفَالِه لِلبَاب الحَدِيدِي تَحت أنْظَار ذَلِك الصَّبِي
كَانَت عَينَاه تَطْلُبان المُسَاعَدَة
وَإرْتَخَت مَلاَمِحَه بِالسَّكِينَة
هَل رُوحَك مَيِّتة مِثل رُوحِي يَا صَبِي؟
مَن أرهَقَكَ هَكَذَا؟
ذَلِك العَجُور المُغَفَّل
هَل هُو أب لِذَلِك الصَّبِي؟
لَكِن إن كَان هُو أخ لِتِين فَهَذَا لَيسَ بِأبِيه