الفصل الثانى❤

133 4 0
                                    

جالسة فى شرفتها تنظر للتى أمامها محدقة بها ، بداخلها أمل ان يعود ، تشعر أنه ذات يوم سيخرج ويبتسم لها كالمعتاد ، إلى الآن تشعر بوجوده ، إلى الآن لا تصدق الأقاويل حولها بأن روحه نُزِعت من جسده وفارقته ، مؤمنة بالله هى ولكن هذا الموقف جعلها كشخصٍ آخر ، لمحته بعيناها وهو يخرج من البوابة الحديدية العتيقة الحامية لمنزله ، وضعت الحجاب على شعرها لتخفى خصلاتها خلفه وهى تهرول للخارج بعدما صرخت بإسمه تستوقفه ، التقطت أنفاسها الهاربة وهى تقول له:
أبيه ياسين..هو فؤاد راجع امتى ؟!!
حدق بها بصدمة متفرساً ملامحها علَّها تهذى ، هى بالفعل تهذى وهى تعيد السؤال عليه بإلحاح ليجيبها وبداخله يحترق حتى بات يشم رائحة روحه المشوية:
إسراء..فوقى أرجوك..فؤاد معدش موجود بينا..الأفضل إنك تنهى الفصل ده من حياتك وتنتبهى للباقى منها ..!
مسكت دموعها من الهطول وهى تستفهم حديثه بدهشة:
انت يا أبيه اللى بتقول كده ! ..انت فاكر إن فؤاد مش راجع..هو قالى عمره ما هيسبنى ووعدنى وأنا هافضل مستنياه حتى لو انت مش مصدقه ..!
غادرت من أمامه لتصعد لبنايتها تاركة عاصفة هوجاء أقيمت واختارت محلها داخل ناقوس العقل  شعر بتلك الإرتجافة التى يسخطها ويكرهها ليغمض عينيه بغضب حتى ألمته ومن ثم توجه لمحل عمله حتى لا يبكى وسط الشارع أمام الناس ، أخذ يفتح محله ليستعين بالله وهو يغير قميصه بآخر ليبدء عمله فى إكمال تصليح تلك السيارة العتيقة ، شعر بإنخفاض أشعه الشمس على الأرض الرملية أمامه فعلم أن وقت الغروب قد حان ميعاده ، جلس ليستريح قليلا وهو يلتقط أنفاسه ليسمع صوت حذاءها بعدما وصل طرقه لأذنيه وهو مغلق العينان ، سرعان ما وقف أمامها بدهشة ويده مليئة بالشحم وكذلك ملابسه ، ناظرها بكراهية وبغضاء لتلقى كلماتها قائلة:
جئت لأخبرك بشئٍ مهم.
احتقنت نفسه وهو يتوعدها بداخله لكنه رد عليها قائلاً بتساؤل ساخر:
وايه هو ؟!
استنبطت نبرته الساخرة منها ولكنها اصتنعت عدم انتباهها ، بالفعل هى التي فى حاجة إليه ، شغلها التفكير لوهلهٍ فلوح بيده أمامها منبهاً إياها ، أشاحت نظارتها من أمام عينيها ليلاحظ لون عيناها الخضراء بإمعان ، أنَّب نفسه وهو يدور ببصره من حولها لتنهى هذا الصمت قائلهٍ بهدوء:
يجب عليك تعلم الإنجليزية.
لوى فمه بغضب لتوضح له قائلة بنفس النبرة من الهدوء:
عليك أن تتعلمها بإتقان..لا يجب أن يُكشف أمرنا.
أومأ برأسه لتتفق معه على مقابلته اليوم التالى ، وسارت وحذائها يدق بنفس الصوت ، شعر بهمدان جسده وأنه بدأ يتهاوى ليجلس سريعاً ويتناول زجاجة المياه حتى أفرغها جميعاً فى حلقه ، أغمض عيناه ثم فتحها وقد عزم على أمرٍ ما ، نادى على الصبى الذى يعمل عنده بصوتٍ عالى:
متولى..متولى.
أتاه متولى بسرعة اتجاهه ليأمره قائلاً:
اقفل الورشة وروَّح.
أماء متولى برأسه وذهب من أمامه منصاعاً لأمر ياسين ، توجه ياسين لمنزله مستعملاً هاتفه ثم دخل منزله وأخذ ملابس له ومن ثم أخذ شور سريع وارتدى ملابسه وأخذ هاتفه ، توجه للأسفل وذهب لمقابلة شادى ، وجده بالفعل فى الكافيه ، ألقى السلام ومن ثم جلس أمامه ، فكر كثيراً قبل أن يقول شيئاً ولكنه حتم الأمر قائلاً بنبرة آمره:
انت لازم تتجوز إسراء.
" افندم ! "
قالها شادى بدهشة ليبتلع ياسين ريقه ومن ثم أردف قائلاً بحزم:
أنا عارف كل حاجة يا شادى..عارف إنك بتحبها من قبل..فؤاد.
قال اسمه بنبرة مختنقة لكنه استطرد قائلاً بسرعة:
أدامك الفرصة يا شادى..متضيعهاش من إيدك.
زاغ شادى ببصره وهو يعود بظهره مستنداً على الكرسى ، فكر قليلاً ثم هتف بصدمة:
بس أنا مقولتلكش حاجة عن موضوعى ده عرفت منين ..!!
ابتسم ياسين وهو يقدم تلك المفكرة لشادى ، التقطها شادى من يده بلهفة لينبهه ياسين:
هتعرف من ديه كل حاجة..بس أنا بحذرك من تضييع فرصتك.
غامت نبرته وهو يقول بألم:
بس هى عمرها ما فكرت فيا يا ياسين..ولغاية الدقيقة ديه أنا عارف إن فؤاد مالك كل قلبها..مقدرش أجرح نفسى وأتعبها معايا..أنا مصدقت إنى أبعد الفكرة من دماغى.
ضحك ياسين بقصر وهو يتساءل:
على كده فى أسباب كتير علشانها سافرت بره مش كده يا شادى ؟!!
نظر شادى فى اتجاه آخر قائلاً بحزن:
علشان كده قولت إن الذكريات عمرها ما تقدر تفارقنا يا ياسين.
" فؤااااااد "
تلك الصرخة بُحَّ لها صوتها وهى تصرخ فيه أن يقوم ، بجانب ذلك كان هو قلقاً عليه وعليها ، آلمه قلبه وهو يراها تحاول إفاقة فؤاد بكل الطرق الممكنة ليسرع شاباً إليهم يبدو أنه فى العشرون من عمره ، جرت عليه وهى تقول له بصراخ:
أبيه ياسين أرجوك الحق فؤاد.
كان هو جالساً بجانب صديقه ودموعه تغرق وجهه خوفاً على صديق عمره ، وخوفاً عليها ، جرى ياسين وهو يحمل جسد فؤاد بقلق ، ذهب به إلى أقرب مشفى ومعه إسراء وشادى ، دخل فؤاد إلى غرفة الفحص بينما شادى جالساً على الكرسى المجاور لإسراء التى لا تزال دموعها تغرق وجهها ، بينما شادى شعر حينها بالغيرة ، نعم اكتشف نظرة الخوف واستشف حبها له ، رغم حداثة سنها إلا أن الحب له جعله هلامياً من الداخل ، أفشى سر صديقه وهو يواجه ياسين قائلاً بغضب:
كنت امتى هتقوله يا ياسين إنك مش أخوه ..!!
فرغت عيناه وهو يحدق فيه كالأبله بينما صوت نحيبها هى توقف وظلت تنظر لهما بعدم فهم ، صرخ فيه شادى قائلاً بعصبية:
عايز تكوش انت على كل حاجة مش كده !
نظر ياسين لغرفة أخاه وفهم كل شئ ، سأله ياسين بصدمة:
هو انت عرفت منين..وبعدين هو انت قولتله ؟!!
أجاب عليه بتحدى:
أيوه أنا اللى قولتله..وعرفت منين من مذكراتك اللى وقعت تحت إيدى.
شهقة صدحت منها بعدما لقن ياسين شادى كفاً جعله يرتد للخلف وهو يضع يده على وجهه بتشتت ، صرخ فيه ياسين بعدما أحرقته دموعه ليجعلها تنهمر خوفاً على فؤاد:
فؤاد عنده مرض رئوى..لو حصله حاجة مش هاسيبك يا شادى.
" علشان كده مكنش قادر يتنفس لما قولتله..أنا آسف..فؤاد هيكون بخير أنا متأكد "
أمسكه ياسين من تلابيب قميصه قائلاً بغضب:
الأسف دلوقتى مش هيفدنا يا شادى..انت السبب لو حصله حاجة..دافعك ايه علشان تعمل فى صاحبك كده يا غبى.
أغمض عيناه قائلاً بندم:
افتكرتك بتحب إسراء وغيرتى خلتنى أكرهك وأحاول أبعدك عننا كلنا.
تغاضى عقله عن كلمته " غيرة "
قاطعهم خروج الطبيب ليطمئنهم على فؤاد قائلاً:
حالته اتدهورت شوية من الضغط النفسى..علشان كده فى شوية أدويه لازم يداوم عليها لمدى حياته.
نظر ياسين بقسوة لشادى ليجرى شادى من أمامهم نادماً على فعلته القبيحة تلك..
عودة للوقت الحالى..
" فى حاجة تانية لازم تعرفها علشان متقلقش "
غمره بنظره من كل النواحي وهو يسأله بقلق:
ياسين فى حاجة مخبيها عليا مش كده ؟!
أخذ نفساً طويلاً ثم زفره بهدوء وهو يومأ برأسه قائلاً:
أنا هتجوز وهسافر بره مصر خلال أسبوع.
مازحه شادى بجديه قائلاً:
انت شكلك بتحب المفاجئات يا ياسين...انت بتكلم جد !!
رسم بسمة مزيفة على شفاه وهو يقول بحُنو:
آه والله مش بهزر..هى مش مصرية وهسافر معاها بره...أنا حبيت اطمئن عليك انت وإسراء
أنا بعتبركم اخواتي يا شادى زى فؤاد بالظبط.
قام وأوقف ياسين على حين غره ليحتضنه قائلاً بندم:
آسف على كل غلط ارتكبته فى حقك..انت أحن شخص عرفته فى حياتى بعد أبويا الله يرحمه..رغم إنى أنا السبب فى كل مشاكلك اللى واجهتك إلا إنك وقفت جمبى فى وقت اللى كنت محتاج حضن أب فيه.
أبعده ياسين عنه وهو يهدر فيه بغضب مزيف:
أنا مش كبير أووى للدرجة ديه..أنا عندى 28 سنة..لسه فى عز شبابى.
قضيا الوقت معا ليلثمها فى ذاكرته ، ابتسم وهو يتذكر كل هذه الأوقات السعيدة ، انتبه على هزتها لتنبيه قائلة:
أين ذهب عقلك ياسين...انتبه لما أقوله ..!!
نظر أمامه ليتذكر أنه الآن فى الطائرة الذاهبة للولايات المتحده ، غفلته القصيرة تلك جعلت الذكريات بل شريط حياته يمر من أمامه ، من وقت طفولته حتى آخر لقاء له مع شادى وحتى وقت وفاة فؤاد ، كل شئ فى وقت قصير ، وهنا أشاح يدها عنه لتنظر له بغضب ولكن نظرتها تلك تبدلت للجمود وهى تقول:
أعتقد أن تفكيرك قد يتغير..عليك أن تنتبه لِمَ جئت هنا ياسين..حتى لا تغرق فى ندمك أكثر من ذلك ..!!!
أغلق عيناه مرة أخرى حتى ذهب فى نومٍ عميق لتنظر له سيليا بندم ، قلبها يؤلمها ، ما ذنبه هو ، هى السبب فى كل شئ ، ولكن ماذا سيفعل لو علم حقيقه ما هو ذاهبٌ إليه ؟ لن يتوانى حينها فى قتلها ثانية واحدة ، عليها أن تمثل دور الحقيرة إلى أن ينتهى كل شئ ، بارعة هى حقا فى التمثيل ، قالتها لنفسها وهى تغمض عيناها هى الأخرى تهرب من واقعٍ مرير يلاحقها مثله ..!!!!
***************
بعد مرور ساعتان..
استيقظا على صوت النداء بقرب نزول الطائرة ، مسح ياسين عيناه بنعاس ليتذكر ماذا يحل به ، نظر لها ليجدها تنظر للناحية الأخرى ، لا يعلم لما يشعر بأن هناك خطباً ما ، لكن ما هو ؟ لا يعلمه إلى الآن ، بعد ربع ساعة كانا يسيران بجانب بعضهما لتحذره سيليا قائلة بخفوت:
عليك أن تبدو محكماً لدورك..نحن الآن نتقدم بإتجاه والدتى وابنى آدم.
اومأ برأسه ليتأبط ذراعها ناظراً إليها بابتسامة مصطنعة لتبادله إياها بصدق بعدما لاحظت أن فى عيناه لهيباً يحرقه ، أشاحت بنظرها عنه وهى تتقدم معه لخارج المطار ، أخذ جولة بعينيه ليجد تلك السيارة الفاخرة التى يقف أمامها سيدة و...ولدها قعيد ! لم تقل له ذلك ، أما بالنسبة لعدد الحرس الذين يقفون من كل الجوانب فهذا فعلاً ما أهابه قليلاً ، نظر لها وهى تعصر ولدها الصغير فى حضنها ليراه ناظراً إليه مبتسماً ، فتح آدم ذراعاه فى دعوة منه ليحتضنه ، اقترب منه بعفوية وفعل له ما أراده ثم نظر لسيليا بتساؤل لتشير بيدها أن بعد ، تقدمت منه الوالدة وهى ترمقه بتفحص ثم مدت يدها له بوجهٍ جامد الملامح قائلة:
عليك أن تحذر ممن حولك..أعتقد أن سيليا أوضحت لك الأمور.
تحدث هو الإنجليزية بطلاقة فاجأت سيليا ذات نفسها قائلاً بتفهم وتحذير فى آن واحد:
فهمت..ولكن علىَّ أخذ وعد بعدم إصابة أى أحدٍ بمكروه.
أماءت السيدة برأسها ممتعضة وفى الدقائق التالية كان يجلس بجانب سيليا التى تجلس بجانب ابنها حاضنه إياه ، نظر لها بتعجب كيف هذا الحنان بداخلها ، كيف قتلت أخاه يوم زفافه بدمٍ بارد ؟ كيف لها أن تجمع بين ذلك الحب والحقد والشر فى قلبٍ واحد ! تكاثرت الأسئلة بداخله حتى أوجعته رأسه وتذكر فؤاد ليشعر بألمٍ فى قلبه ليسرع بوضع يده على قلبه ليهدئ من روع دقاته الملتاعة ، رمقته بألم وهى تعلم ما فعلته به ، لكنه أجبرها قسراً على فعل ما لا تريد ، وصلا إلى منزلها .. منزلها !  ، نظر حوله وهو يقف بجانبها بإنبهار ، أهذا ما يسمى بمنزلها ! ، إنه قصرٌ فاخر ، دخل مع الجميع بعدما تأبط ذراعها مصطنعاً السعادة ، أخذ يناظر هذا المكان الباهر بدهشة ملاحظاً تصميم هذه الفيلا الراقية التى اعتمدت على اللون الأبيض بالكامل في الديكور والأثاث فيما تم إدخال اللون السماوي في بعض نقوشات الفيلا كما تم المزج بين اللونين الفيروزي والبيج في تصميم الستائر وبطريقة مميزة تم تصميم بعض الرسومات المميزة في السقف بحيث تضيف لمسة جمالية أنيقة إلى الديكور ، انتبه لصوت تلك السيدة قائلة لسيليا:
اذهبى أنتى وزوجك لغرفتكما..ولا تنزلا إلا مساءً فهمتى سيليا !!
قالت بإحترام وانصياع:
نعم أمى.
لم يستطع التحدث فما هو إلا ممثل جاء لتأدية أحد الأدوار ليس إلا ، لا يجب عليه التدخل فى أمور تلك العائلة ، صعد معها إلى غرفتهما لتغير نبرتها المنصاعة إلى الجدية قائلة له:
ستنام أنت على السرير وأنا على الأريكة.
لا يعلم لما شعر بأنه يريد أن يجرحها وبشدة ليقول لها بتهديد:
طريقتك ديه تتغير معايا..أنا مش خادم عندك تأمرينى وأقولك افندم..نبدأها من الأول تمام علشان نخلص منها على خير.
كسر أنفها كما أراد ، لكنه أشاح بوجهه عنها وهو يقول لها بجدية وحزم:
أنا هنام على الكنبة وانتى على السرير..ومش عايز أتناقش معاكى.
سرعان ما اقترب منها وهو يمسك يديها بقسوة ليحذرها قائلاً:
ورحمة اللى خلفونى حق أخويا ما هسيبه يضيع هدر انتى فاهمة !!
آلمتها قبضته لكنها لم تظهر له ذلك لتوضح له أول الأمور بعدما ابتلعت ريقها وأظهرت الوجه الجامد الملامح و ......
#يتبع
#نورهان السيد

نوفيلا:- بتر الغفرانWhere stories live. Discover now