٣- وِصــالُ القلبِ

420 14 10
                                    

" الآن و أنا اتنفس هواء البحر الذي أعشقه أُدون ما هو إلا بعض ما أشعر به من سعادة ، لم أكن اتخيل أن يحدث لي كل هذا بعد شقاءٍ طويل . تحقق حلمي و امتلكني من أحب .."

عبث الهواء بحجابها فتركت القلم بين صفحات مذكراتها لتضبطه فتقلبت الصفحات بفعل الهواء إلى صفحه مر عليها عامٌ كاملٌ ، بعدما عدلت من حجابها وقع نظرها علي تلك الصفحة فأخذت تقرأ ..
"لقد أحببته يا الله .. أحببته برغم علمي بمساؤه التي تؤرقني قبل أن تؤرقه ؛ لعدم استطاعتي مساعدته لأنني و بكل بساطه لا أمت له بصله؛ لا أخت و لا زوجة و لا خطيبه ..
كل ما أفعله فقط هو الدعاء .. الدعاء الذي يصلني بالقادر الذي أناجيه في صحوي و نومي أن يجمعنا في حلاله .
بالتأكيد لم يعرف بعد بما أكن له من مشاعر و لن يعرف إلا عند حدوث ما أحلُم به ،
بدأت أشعر بأن علاقاته المتعدده و ذنوبه تحطمه مره تلو الآخرى و خاصة بعد آخر ما قاله في صفحته بأحد مواقع التواصل الاجتماعي بما يشعر به من احتياج الي القرب من الله و اختناقه من ذنوبه التي لا تعد و لا تحصى
.. يحتاج لمن يأخذ بيده و ها أنا أقبع هنا و لكن فقط أحتاج لمعجزه ليحدث ما اتمني ..
يا الله ان كان خيرًا لي فاكتبه لي و ازرع حبي في قلبه فإنك القادر علي كل شيء .."
منذ أن بدأتْ القراءة أخذت ابتسامتها تظهر شيئًا فشيئ حتى ظهرت نواجزها .. صوبت نظرها إلي الأمواج المتلاطمه و شردت في أحداث عام كامل ..

🖤

ذات يوم و بعد مرور ثلاثة أشهر علي آخر ما سمعت عن صديق شقيقها القديم ( عمر)
- و الذي أحبته دون أن تشعر -
و بينما هي جالسه في شرود تدون ما تشعر به كعادتها ، دخلت والدتها الغرفه بابتسامه رقيقة ورثتها هي منها
- ملوكة بتعملي ايه ؟!
- مفيش يا ماما كنت بكتب
- طب انا عايزه اتكلم معاكي شويه
فتركت ملك قلمها باستغراب فليس من عادة أمها أن تنفرد بها هكذا إلا إذا كان الأمر جادًا و هامًا
- في ايه !
فدخلت الأم و اغلقت الباب ورائها و جلست قبالتها
- عمر الشاذلي متقدملك .
لوهله أحست أن قلبها قد سقط من موضعه و سُحبت انفاسها بغتةً
- عمر مين معلش ؟!
- عمر صاحب أخوكي
لتزفر أنفاسها بتوتر داهمها فجأةً
- ماما معلش انا مش فاهمه حاجه، في إيه بالظبط !
قصت عليها ما حدث من تفاصيل اتصال عمر بوالدها و افصاحه برغبته في التقدم لخطبتها و وعد من والدها بالاتصال به و اخباره بقراراهم ليأتي لزيارتهم ، و سأل والدها عنه و عرف انه قد تغير مائه و ثمانون درجة ، انتقل من العبث و اللهو إلي الالتزام بدينه و الاحترام الذي عُرِف به منذ اعوام .. و انتهت مرحلة العبث الصبياني المعروف و اصبح رجلا بمعني الكلمه يعتمد عليه بشهادة اقرب اصدقاؤه ؛ شقيقها.
بعدما انتهت الام من كلامها تركت ملك تفكر و تهدأ من روعتها و تحكم عقلها و قلبها و لم تجد حلاً إلا اللجوء إلى الله بالصلاه .
رغم حبها له كانت خائفة ، تتذكر يومها تضرعت الي ربها بدموع ان يلهمها الصواب و نامت بعدما هدأت
و ابلغتهم صباحًا بموافقتها .
و يوم زيارته لهم ..
جلس عمر قبالتها ليتحدثا و جلسا علي مقربة منهما والداهما
كادت تُسمَع دقات قلبها و كاد وجهها أن ينفجر من الحمره إثر خجلها الذي سيطر عليها، بالرغم من انشغال عقلها به ، إلا أنها لم تتخيل من قبل كيف ستكون مقابلتهم الأولى
- سادت بعض لحظات الصمت فقطعها بصوته ذو البحة
- ازيك يا ملك ؟!
لترد بخجل
- الحمد لله و انت ؟
- انا تمام جدًا الحمد لله ..عامله ايه في دراستك؟
- الحمد لله اهو دي آخر سنه
- ربنا معاكي ..
و الصمت كان سيد الموقف مرة أخري فبتره هو
- طيب ، هتكلم انا عن نفسي الأول .. انا عندي 27 سنه ، مهندس معماري و بشتغل في شركة" ..." لسه ببني نفسي يعني في موضوع الشغل ده ، عايش لوحدي و ده كان اكبر قرار غلط خدته في حياتي و لو لينا نصيب نكمل هتعرفي ليه
- هو انت في خلافات بينك و بين اهلك ؟!
- لأ الحمد لله و زي ما انتي شايفه والدي موجود معايا اهو ، بس انا كنت شايف الإستقلال في الوحدة و طلعت غلط خالص .
- بتصلي ؟!
- اه طبعًا الحمد لله و انتِ؟
- اه الحمد لله
- انا تقريبًا قلت لك كل حاجه عني ، مش هتقولي اي حاجه؟!
- انا عندي22 سنه ، في آخر سنه في ألسن، بدرس إيطالي وانجلش ، ان شاء الله ناويه في اجازة نص السنه ادور علي مكان اتدرب فيه ، يعني عايزه اثبت نفسي في موضوع الشغل قبل ما اتخرج و ناويه ان شاء الله علي ماجستير و كده
- حلو جدًا ما شاء الله عندك طموح، انا كمان كنت ناوي اكمل في الدراسات العليا بس كنت بكسل و قررت من فتره ابدا اكمل و فعلاً بدأت.
- كويس جدًا ربنا معاك .
- بتحبي تعملي ايه غير الرسم عشان عارفك ما شاء الله يعني
- انا بحب الgym ، في الصيف بشتغل zumba coach و ساعات بقرأ و بحب السفر .
- حلو موضوع الجيم ده
- و انت بتحب تعمل ايه ؟
- انا بعمل حاجه بحبها من و انا صغير اوي ، عارفه ال electric guitar
- ايه ده بتلعب عال electric guitar??!
- من زمان، ده من الأساسيات في حياتي اللي كتير ميغرفوهاش
- ده بجد! ، انا بحبه جدًا
- ان شاء الله يبقي في فرصه تشوفيني و انا بلعب عليه قريب عالواقع
- ان شاء الله
بعدما انتهت الزيارة جلست بغرفتها ليلاً و قلبها يقرع من الفرحة كلما تذكرت حديثها مع عمر، فقد ارتاحت له و أحست بارتياحه لها بدوره
وافقت علي الخطبة و التي استمرت طوال فترة دراستها و قررا ميعاد الزفاف بعد انتهائها من الدراسه.
انهت اختباراتها و انتهى العام الدراسي و تخرجت و بقى القليل علي ميعاد الزفاف اللذان وافقا به برغم مدة تعارفهما القصيرة فقد ساد الارتياح و الاعجاب علاقتهما و كانا دافعهما في الموافقه علي ميعاد الزفاف القريب ذاك.
و بينما هما جالسان بأحد المقاهي .
- عمر ممكن سؤال
- اكيد طبعًا ..
-انت ايه اللي غيرك ؟!
- غيرني ازاي؟١
اكملت ببعض الخجل
- يعني .. انت كنت علي حد علمي طول الوقت مع بنات و مكنش فيه حدود خالص و زي ما بتقول كنت عايش لوحدك و كنت حساك سوري يعني طايش شويه
- هحكيلك
فقص عليها ما حدث معه من اختناقه من بعده عن الله برغم انه بطبعه ملتزم دينيا و لكن شيطانه غلبه و امتلكه و كان وجهه يضج بعلامات الألم و الندم و لكنها اخذت تفهمه و تتحدث بحب و اهتمام لم تدرك انهما ظهرا جليًا عليها و هي تتحدث مما جعله يغرق بها و شرد في عيناها الحنونتين و هي تتحدث رغمًا عنه لتفيقه هي من شروده هاتفه :
- عمر، انت معايا؟!
- اممم ..معاكِ
- فيه حاجه ؟!
- اه فيه
- ايه ؟!
- بعدين هقولك
-طيب .
اتي اليوم الذي حلمت به لسنوات طويله ، تألقت بزينتها و حجابها و جلسوا جميعًا في صاله انيقه حول المأذون
الذي بدأ مراسم عقد القران
ما ان انتهى حتي اخذ الأهل يباركون و من ثم تركوهما وحدهما قبل ان يأتي المصور لاتقاط بعض الصور للزفاف.
مشى اليها و لم يحيد نظره عنها تلك المره ، بل ملأت عيناه ، حمل كفيها و اقترب و طبع قبله علي جبهتها قائلا: مبروك
فردت و كانت دقات قلبها في ذلك الوقت سريعه جدًا
-الله يبارك فيك
اقترب و همس بحنان بجانب اذنها
- بحبِك أوي
للحظه وقع قلبها بين قدميها و بداخلها يتردد :" بماذا تفوه الآن .. ماذا سمعتُ!!هل قال يحبني ..؟؟" أدمعت عيناها و هي تنظر له بفرحه لتفر دمعه علي وجنتها ليمسحها هو برقة و يرفع كفها يقبل باطنه بعدما رأي تبدل حالتها تلك لتسري بداخلها رعشه خفيفة و تحمر وجنتيها .
صمتت بعدما سمعت ما تمنته لزمنٍ طويل ليردف
- مش هتقولي حاجه طيب
- ..
- مكنتش اعرف انك هتتكسفي كده من بحبك
- ..
- طيب انا همشي لحد ما تحسي انك قادره تتكلمي
و هم بأن يبتعد عنها فأمسكت بكفه برقه هاتفه بنعومة تملّكتها في حضرته
- عمر ، استني
- ..
و اقتربت بخجل بلغ أقصاه و هي تصوب نظرها للأرضيه و علي وجهها ابتسامة خجِلة
- و انا كمان اوي
- أنتِ كمان ايه
فنطفت بصوتٍ خفيض
- بحبك أوي
- ايوه كده!
و جذبها اليه بابتسامه اظهرت نواجزه محتضنها فبادلته الاحتضان بابتسامه فرحه و دقات قلبها تقرع بصوت عالٍ حتى أنها تعتقد أنه شعر بقلبها بين ذراعيه و هو ينبض له فقط بقوة ..
🖤
افاقت من شرودها علي عمر الذي حمل كفها و قبل باطنه كحركه معادته منه منذ يوم زواجهم
فابتسمت و اخذت مذكراتها و قلمها و قامت معه لتمشي ليسأل بحب
- حبيبي كان بيعمل ايه؟
- كنت بكتب شويه
- طيب ايه رأيك نتمشي
- ايه رأيك انت تيجي معايا عشان جيبالك هديه
- انا معاكي في الحته اللي انتي عايزاها ..
و ذهبا الي حيث المنتجع السياحي اللذان يقضيان فيه الصيف و دخلا فيلاتهما الصغيرة الملحقه بحديقة تطل علي الشاطى، رتبت جلسه و طلبت منه ان ينتظرها قليلاً فصعدت و بعد قليل نزلت و بيدها ورقه صغيره جلست بجانبه و اعتطه تلك الورقه
- ايه ده ؟!
- ركز و انت تعرف
دقق النظر فيما بين انامله ليردف بتلقائية
- ده شكله سونار، بس فاهم فيه حاجه !؟
لم ترد عليه و لكن اشارت له بأن يفكر ،فأخذ يبحث بعينيه في الصوره عن أي شي يدله علي ما تريده حتي بدأ يفهم ما ترمي إليه ليعقد حاجبيه في تساؤل ثم اتسعت عيناه و نظر لها فجأة
- انتِ .. ؟!
فأومأت بابتسامة
-حامل؟!
- فأومات بضحكه ناعمة
فجذبها اليه محتضنًا إياها بقوة
- يا الله !
ابعدها بعد ثوانٍ ليطبع قبله طويله علي جبهتها بحنان ثم استند بجبهته الي جبهتها قائلا: بحبّـــك
فردت كما يقول لها و بحب ظهر في عيناها قبل ان تتحدث : و انا بموت فيك يا روح قلب ملك
بعد عدة ساعات كانا جالسان بالجزء الخاص من الشاطئ التابع للفيلا
جلس هو علي وسادات تشكل جلسه عربيه صغيره و حولها الكثير و من المصابيح المضيئه بشكل جذاب
و استندت الي صدره حيث نامت برأسها عليه و لف ذراعه حول خصرها و وُضِعَت يده علي بطنها المسطحه التي لم تبرُز بعد و اخذ يمسح عليها برقه و يقبل كف يدها برقه من حين إلى آخر و يلعب بخصلات شعرها التي استقرت علي صدره و يسألها اذا كانت تشعر بالتعب ..
- حبيبي تاعب نفسك ليه و الله لو فيه حاجه هقولك .
و من ثم اكملت بمزاح و ابتسامه
كل الدلع ده عشان البيبي بقي؟
- انا البيبي لسه معرفوش ، كل ده عشان عيون ام البيبي اللي مقدرش اعيش من غيرها
ادمعت عيناها و من الواضح ان هرموناتها بدأت تلعب دورها
- طيب انا مش عارفه اقول ايه يعني ..
طُبعت قبله علي إحدى عيناها : متقوليش حاجه خليكي بس جمبي .
فرجعت رأسها إلي صدره مره اخري و اغمضت عيناها باطمئنان و هي تشكر ربها ملئ الدنيا كلها علي ما اعطاها من الزوج الذي طالما حلمت به و علي ثمرة حبهما التي تحملها بأحشائها . غفيا علي وضعهما و بعد ساعة استيقظت فاستغلت الفرصه و قامت لتكمل ما بدأت كتابته صباحًا

" امتلكني من أحب و امتلكته ، لم أكن اتوقع ان يكون بهذا القدر من الحنان و الحب ، وجدت فيه أكثر مما حلمت به ، و زادت فرحتي عندما بدأت أشعر بشيء غريب يحدث لي لأجد أن جزء من قلبي و قلبه بدأ ينمو بداخلي، إلى الآن لم اشعر بأي حركه بداخلي و لكني استشعره بنبضي ، لم تعد الكتابه ملجأي الوحيد الآن ، بل صار هو -حبيبي و زوجي- ملجأي ، هو الآمان و الحب .
لن أطيل الكتابه أكثر من هذا سأذهب لأعيش المتبقي من العمر معه و مع أولادنا إن شاء الله ."

أغلقت المذكرات و ذهبت لتدفن نفسها بين أحضانه مره أخرى و تغمض عيناها ليستقر قلبيهما فوق بعض يتواصلان حتي و ان كانا في حاله من اللاوعي ، فهما في حاله من العشق
- تمت-

خيالات ورديــة Where stories live. Discover now