الجزء الحادي عشر

6.7K 215 13
                                    

جريمة باسم الحب
الجزء الحادي عشر
ـ زينب بابتسامة مصطنعة: أه طبعا ثواني، انده لها.
تحركت ببطء متجهة لغرفة نورا، بينما تعلق قلب محمود بخطواتها المتهادية لا يعلم ماذا سيفعل عندما يراها، لينخلع قلبه لتلك الصرخة التي اطلقتها زينب بمجرد دلوفها للغرفة.
ليهرول اليها ليصدم بحبيبته ملقاة أرضا مغشيا عليها.
ـ زينب بخوف منحنية على ابنتها أرضا: الحقوني ياناس، البت هتروح مني، حد يغتني بدكتور.
ـ محمود بلهفة متجها للخروج من الغرفة: هاندي الدكتور حالا.
ـ نعمات بحسم: بس مفيش دكاترة هتيجي احنا هنفوقها.
ـ محمود باستنكار: اللي هو ازاي!
ـ نعمات بقوة وهي تسد باب الغرفة بجسدها: زي ما باقولك كده.
ـ زينب بغضب: أنت ماصدقتي وهتعملي لي فيها حما.
ـ نعمات بتأثر: ربنا يسامحك، يا ست زينب، بس فكري فيها كويس، بعد اللي حصل الصبح وبعد كتب الكتاب بدقايق مجية الدكتور معناها أيه، ياما عملت في نفسها حاجة لسبب، ياما محمود جايبه يطمنه على حاجة، ولسانات الناس مابترحمش، أنا كل اللي قصدته نفوقها احنا براحة، وبعدين لو عايزين نطمن، تنزل على رجليها رافعة راسها وزغاريدنا ملايا الدنيا.
ـ زينب بندم: حقك علي يا نعمات، أنا عقلي مش في رأسي، أيدك معي يا أختي نفوقها.
ـ نعمات بابتسامة: ولا يهمك يا حبيبتي، شيل مراتك يا محمود حطها على السرير واستنانا بره شوية.
نظر لأمه بقهر فابتسمت له مشجعة وهي تهمس بأذنه: كله بيعدي، ربنا يسعد قلبك يا ابن قلبي.
حمل زوجته برقة ووضعها على فراشها برفق وخرج مبتسما بانكسار، ليجلس خارج الغرفة تنهال دموعه بصمت، يتسائل لما دائما سعادته منقوصة، عندما كان يتفوق دراسيا بالمدرسة كانوا زملائه ينعتونه بابن الحرام، وعندم برع بمهنته كانوا الصبية بالورشة ينابذونه بلقب ابن نعمات، والأن باليوم الذي ظن أنه يوم حظه، تسقط حبيبته مغشياً عليها غما ورفضاً له وللارتباط به، انفطر قلبه وكاد أن يذهب اليها مطلقاً سراحها، لكنه انتبه من تفكيره على صوت نحيب ينبوءه بإفاقتها، فاق حزنه عليها حزنه على نفسه ووجد أقدامه تتجه للإطمئنان عليها، نظر اليها وهي راقدة على فراشها محاطة بالسيدتين تحاولان تهدئتها، وجد نفسه وقد نسى كل أحزانه يبتسم ببلاهة غير مصدق أنه قد حقق حلم عمره، يقف بغرفتها زوجا لها، حتى لو لم تتقبل هي ذلك حالياً، ولكنه واقع بأي حال، وتلك معجزة بكل المقاييس، لام نفسه على استسلامه للحزن وقرر أن يسعى ليكتمل الحلم، وتصبح حبيبته شريكته بكل شئ بحياته وأولهم الحب.
ـ محمود متنحنحاً : لو سمحتوا ممكن تسيبونا شوية.
تحركتا السيدتان ببطء وتوتر.
ـ محمود مداعبا: أيه شغل الحموات ده من أولها، هو الواحد مش هيعرف يتكلم مع مراته كلمتين على رواقة.
اطمئنتا السيدتين من مداعبته أنه ينوي إحتواءها لا إيذاءها، فابتسمتا ابتسامة مشجعة واسرعتا بالخروج، زفر بقوة والتفت إليها متفحصا وهو يقترب حتى جلس على طرف فراشها، متجاهلا انكماشها على نفسها.
ـ محمود بهدوء: بتعيطي ليه يا نوارة، عشان اتجوزتي ابن نعمات، يفرق أيه ابن نعمات عن أي راجل تاني، يمكن عشان ابن حرام، بس أنت عارفة أني معمول لي شهادة طبيعية [ضاحكا بمرارة] أو بمعنى أصح أستوليت على شهادة ميلاد محمود ابن نعمات وشوقي الزيني، يعني لو مكناش متربين مع بعض مكنتيش عرفتي عني حاجة، يمكن عشان مكملتش علامي وأنت معاكي دبلوم، بس تعرفي بقى أني علمت نفسي كل حاجة بقرا وأكتب وبافهم في السياسة وبتفرج على النشرة [برجاء] يعني لو خرجنا سوا هاشرفك واللهي، ولا عشان ظروفي على قدي [ضاحكا بكسرة] يا ستي والله عارفين أنك بنت المعلم حسين الجزار على سن ورمح، بس احنا مش قليلين برضه وكسيبة قوي، وأن شاء الله مش هخليكي محتاجة حاجة، بس أنت جربيني.
ازداد نحيبها، فاقترب مستلقيا بجوارها لتنتفض بعنف، ليمسح على شعرها بحب.
ـ محمود بحب: هشش أهدي، أهدي متخافيش، مش هاقرب منك بافرد ضهري بس [ضاحكا] أصل شيلت واحدة تقيلة قوي مرتين النهاردة [نظرت له بغضب فضحك ملء فيه] لا أوعي تفهميني صح، أنا قصدي أنك تقيلة وراسية وعاقلة، مش باتكلم عن الوزن خالص، بصي اعتبري جوازنا عربية مهكعة يمكن تكون مش مريحة وبطيئة، بس أهو أرحم من زحمة المواصلات والزنقة في الأتوبيسات، أو ورم رجليكي من المشي، وقسما بالله عمري ما هاغصبك على حاجة، ويوم ما تحبي تنزلي من العربية هافتح لك الباب بنفسي [برجاء] بس جربي، خليكي زي الستات الشريرة اللي بنشوفهم في المسلسلات، استغليني وقصقصي ريشي، وأنا والله راضي وباصم لك بالعشرة، أنا بحبك قوي يا نورا والله وعمرك ما هتلاقي حد يحبك قدي.
ـ نورا بدهشة: بتحبني.
ـ محمود بابتسامة: هي البعيدة غبية، يعني تفتكري أيه اللي كان مصبرني على لسانك وغلاستك علي[ تجهمت ملامحها] بهزر واللهي أوعي تزعلي، أنت غالية قوي عندي وزعلك يعز علي.
ـ نورا بضيق: بس أنا مش
ـ محمود بحزن: من غير ما تنطقيها والله عارف، بس من غير ما تزعلي لو فكرنا بالعقل فأنت دلوقتي محتاجني، لأننا باقينا ضحية زي بعض لنفس المجرمين، انا وانتي ضحايا لجريمة باسم الحب .
ـ نورا باستنكار: زي بعض.
ـ محمود بايضاح: أنت طول عمرك بتعامليني وكأني أجرمت في حاجة، مع أني انا اللي مظلوم في الليلة دي كلها، أجرم في حقي رجل مش راجل أصلا وست ضعيفة وخايبة وكله بحجة الحب، وأنت كمان كل اللي أجرموا في حقك عندهم نفس الحجة، سمير حجته أنه بيحبك ومقدرش يستحمل يشوفك مع غيره، وصاحبتك حجتها أنها بتحبه ومقدرتش تشوفه مكسور، حتى المتر سابك لأنه بيحب أمه وميقدرش على زعلها، وعلى رأي الست ده أنت لو حبيت يومين كان هواك خلاك ملاك، بس دول شياطين بيستخبوا ورا الحب.
ـ نورا باستنكار: وأنا ذنبي أيه.
ـ محمود باستعطاف: وأنا ذنبي أيه، غلطت في أيه، على الأقل أنا أجدع منك [نظرت له بذهول] اه متستغربيش كده، أنا رضيت بنصيبي استحملت كل اللي اتعمل فيا لحد ما وقفت على رجلي، فرحت أمي نعمات وعوضتها عن اللي شافته، أنت بقى من أول قلم وقعتي على الأرض، الحاجة زينب هتموت من حسرتها عليكي، عارفة لو رضيتي ربنا هيراضيكي، ويمكن تحسي فجأة أن العبد لله فتى أحلامك [ضاحكا] وأنا ساعتها هاطلع جدع ومش هاتقل عليكي زي ما بتعملي، بصي أنا هاسيبك تريحي دلوقتي، اليوم كان صعب قوي، هاجي بليل أشقر عليكي ونكمل كلامنا.
تحرك بخفة مغادرا فراشها متحركا للخلف حتى تبقى تحت نظره حتى أغلق الباب خلفه.
ليتسلل صوته لها عبر الباب.
ـ محمود بهدوء: يالا ياما، تؤمريني بحاجة يا حجة زينب، سلام عليكم.
ـ زينب بدهشة: أنت هتمشي وتسيبها، أنا افتكرتك هتقعد معنا، ولا حتى تقول هاخد مراتي.
ـ محمود باستنكار: لا طبعا، أنا لما وافقت على كتب الكتاب بالسرعة دي، بصراحة كنت خايف ترجعي في كلامك وكمان كنت عايز صفة أجيب بها حقها، وأحط صباعي في عين اللي يبصلها، بس لانا الراجل اللي يعيش عند مراته ولا نوارة اللي تتجوز في أوضة في البدروم مع حماتها وكمان سوكتي، وكأنها عاملة عملة، أنا الحمد لله أقدر أجيب شقة وأجهزها، ونوارة هتروح شقتها معززة مكرمة بزفة تتحاكا بها الحارة كلها، انا هبتدي ادور على الشقة واظبطها من بكرة، شهرين تلاتة خطوبة عقبال ما نجهز، وبعدين نحدد الفرح على طول.
ـ زينب بارتباك: عندك حق، وكمان نكون اتفقنا وعرفت اللي عليا في الجهاز عشان الحق اجيبه.
ـ محمود ضاحكا: كل الكراتين اللي عندها في الأوضة دي ولسه عايزة تجيبي، لا بصراحة تشكري أوي على قد كده يا حاجة، أنا لي شوق أجهز الشقة بدماغي.
استمعت نورا لكلماته براحة، هي تعلم بأن أمها قالت ما قالته أحراجا، ولكنها فعليا لا تملك ما تشتري به جهازها المزعوم، وتعجبت من لباقته ليظهر الأمر وكأنه اختلاف أذواق، متذكرة تعلله برغبته بأن تكون الشقة مناسبة لذوقه، فابتسمت بخيبة أمل، فبخطوبتها الأولى تعنتت حماتها واختارت كل شيئ مناسبا لذوقها هي والأن تتورط بزواج لم تختار به شيئ حتى زوجها نفسه، ولكن لم تنكر بأن نظرتها له اختلفت منذ حديثه لها، واصبحت نادمة على معاملتها له في السابق، وايقنت بصحة حديث والدتها حين أخبرتها بأنه رجل بمعنى الكلمة، يعرف كيف يحمي خاصته ويراعهم، ليزداد يقينها لسماعها لصوته الهادر يأتيها من أسفل نافذتها.
ـ محمود بصوت يهدر غضباً : أنا باقولها أهو بأعلى صوتي، الست اللي فوق دي بقيت مراتي واللي يجي عليها من النهاردة، يبقى بيجي علي، ويستحمل اللي هيجراله، واللي حصل النهاردة مش هيعدي على خير وحقها هيجلها ميري وملكي واللي غلط هيتربى، وهيتربى بالقوى كمان.
******************
مساءا بغرفة نورا
ـ نورا بعند: قولت لك مش خارجة له، أنا ريحتك، وعملت لك اللي أنت عايزه، سبيني على راحتي بقى.
ـ زينب بضيق: يا بنتي أنت مش كان ربنا هداكي، بعد ما الجدع اتكلم معكي الصبح، وبطلتي عياط.
ـ نورا بمكابرة: بطلت عياط عشان مفيش منه فايدة، لكن مش معنى كده أنه قدر يأكل بعقلي حلاوة، وبعدين ده قليل الذوق، جي وجايب عشا معه، عايز يحسسني أني محتاجه زي ما قالي الصبح، ويفكرني بالحال اللي وصلنا له، عايز يذلني ويكسر نفسي عشان يرد لي اللي كنت باعمله فيه.
ـ زينب بنفاذ صبر: باقولك أيه..
ـ محمود متنحنحا: لا مؤاخذة يا حاجة، أنا مش بتصنت عليكم، بس أنتم صوتكم علي، سيبيها على راحتها.
ـ زينب باحراج: حقك علي يا ابنى ما تزعلش هي بس بتدلع عليك.
ـ محمود بابتسامة: ودلعها على قلبي أحلى من العسل، اتفضلي أنت وأنا هاخرجها تتعشى.
ـ زينب خارجة: ربنا يهدي لكم الحال.
ـ محمود بابتسامة وهي يتكئ على فراش نورا: آمين، مش عايزة تتعشي معايا ليه يا قمر.
ـ نورا بعند وهي تتظاهر بالشجاعة: مش بتقول أن صوتنا كان عالي، تبقى سمعت.
ـ محمود بهدوء: اه سمعت وعارف كمان أنك كنت قاصدة تسمعيني، وأنك عارفة أنك ظلماني وبتعاندي وخلاص.
ـ نورا بعند: لا معرفش.
ـ محمود صادقا: ماشي أعرفك، والله عارف أنكم بيت عز وكرم وكل حاجة، بس احنا النهارده كان كتب كتابنا، والمفروض أني كنت اخدتك فسحتك وعزمتك بره، بس مردتش اغصب عليكي، فقلت اجيب العشا وناكله هنا سوا، يعنى مش قلة ذوق ولا حاجة، ومسألة أني اجيب لك حاجة دي ملهاش دعوة بأنك محتاجه ولا لا.
ـ نورا بسخرية: امال له دعوة بأيه.
ـ محمود بحب: بأن أنا اللي محتاج اجيبلك، محتاج أصدق أن الحلم اتحقق وبقيتي تخصيني ومسئولة مني [بهيام] عارفة لما الحاجة الصبح كانت فاكرة أني هاخدك معايا أنا قلبي كان هيوقف، أصل لو واحد مرمي في الصحرا هيموت من العطش وشربتيه علطول يموت منك، لازم تبلي شفايفه براحة، ويشرب شفطة شفطة لحد ما يتعود، وأنا طول عمري هاموت واسمع منك كلمة حلوة بس ولا أشوف بعنيك نظرة رضا، مش اصحى الاقي نفسي متجوزك [ضاحكا] كويس أني فضلت بعقلي ماتجننتش.
ـ نورا بغلظة محاولة اخفاء تأثرها بكلامه: بس أنا مش عايزة منك حاجة.
ـ محمود بحزم: بس الموضوع ده مش بمزاجك، أنا وعدتك أني عمري ما هاغصبك على حاجة، بس كنت باتكلم أن مش هيحصل بنا حاجة غير برضاكي، لكن أنا دلوقتي جوزك وفي حاجات كلمتي لازم تمشي فيها [أخرج بعض النقود ووضعها اسفل وسادتها متجاهلا غضبها] زي أنك بقيتي مسئولة مني ومصروفك حق علي، والهبل بتاع أني عايز اذلك واكسر نفسك عشان ارد اللي كنتي بتعمليه في زمان، فانت عارفة كويس أني مكنتش ضعيف زمان ومحدش غيرك كان يقدر يدوس لي على طرف ، وده كله عشان بحبك، واللي يحب مايكرهشي يا بنت الناس.
ـ نورا بغيظ: وأديك سيبت المصروف وجيبت الأكل، متشكرين، بس لا هاتقدر تغصبني أصرف منها، ولا أخرج اتعشي معك.
ـ محمود بضحكة عابثة: أنت وحماتي غلابة قوي على فكرة، هي فاكرني زعلان أنك ماخرجتيش وأنت فاكرني هاغصبك تخرجي.
ـ نورا بدهشة: امال أيه!
ـ محمود بخبث وهو يسترخي بفراشها: يعني بذمتك كنت تخرجي لي، واقعد متكتف وحماتي رايحة جاية، ولا ادخلك أوضتك ونقعد براحتنا [بإيحاء] ماتيجي تقعدي جنبي.
شهقت بخجل وهي تستوعب ما وراء كلماته، خرجت من غرفتها مهرولة، ليضحك بعمق هو يتبعها بسعادة، ينظر لها بحب وأمل.
ـ محمود بعبث: يا خسارة، احنا أيه اللي خرجنا بس، يالا أهو ناكل وبعدين ندخل تاني.
ـ نورا بحده مفتعلة: باقولك أيه أنا مبحبش الحركات دي.
ـ محمود بعبث: حركات أيه، أنا عملت لك حاجة، أنا جعت مش هناكل.
ـ نورا بحدة: قولت لك مش هاكل.
ـ محمود بابتسامة: شوفتي أديكي أنت اللي بتنكشيني وترجعي تقولي لي {أنا مبحبش الحركات دي}.
ـ نورا بحيرة: أنا بنكشك!
ـ محمود بخبث: اه بتدلعي علي زي ما حماتي قالت، مش عايزة تاكلي وعارفة طبعا أنك مش هتهوني علي وهاكلك بايدي، بس من غير حركاتك دي لو عايزني أكلك من عيني.
ـ نورا منفعلة بخجل: أنت بتقول أيه، أنت متخيل أني بدلع عليك.
ـ محمود بخبث: يبقي تبطلي دلع الأكل برد [بجدية] وبعدين في موضوع مهم، وأنت اللي لازم تقولي رأيك فيه، فاكلي عشان تعرفي تفكري وتقرري.
ـ نورا بحيرة: موضوع أيه؟
ـ محمود بحزم: لما نأكل.
ـ نورا باستسلام وضيق ظاهري : ماشي.
نظر إليها بسعادة بعد إنهاءها لطعامها فقد أكلت بنهم، فقد كان الطعام شهيا للغاية كما أنها لم تتناول أي شئ منذ الصباح كما أخبرته والدتها.
ـ محمود بحب: بألف هنا.
شعرت بحرج فقد انهت على الطعام بالرغم من إدعاءها عدم الشعور بالجوع، على عكسه تماما فقد لاحظت أنه اكتفى ببعض اللقيمات، وهو يتظاهر بالأكل بينما هو يتأملها.
ـ نورا بحرج: الله يهنيك، أيه بقى الموضوع المهم.
ـ محمود بجدية: الموضوع بتاع الصبح، الكلاب اللي عملوه مرمين في القسم من ساعتها، واتعمل معهم احلى واجب [بثقة] وحقك أنا اقدر اجيبه من عينيهم، كل مكاتب القسم بكرسيها أنا اللي بظبطها، ورجالة القسم كلهم حتى المأمور نفسه حبايبي؛ وكلهم يتمنوا يخدموني، بس على أخر النهار قبل ما أجي لك، أهل العيال وسطوا الشيخ أحمد، أمام الجامع، أننا ننهي الموضوع ودي، وهما مستعدين لأي ترضية احنا عايزينها، بس أنا قلت لهم أن ده حقك أنت، والرأي فيه يرجعلك، وأني هاسألك وهارد عليهم.
شعرت بالامتنان لإحترامه لرأيها، واهتمامه برد حقها والاقتصاص لها.
ـ نورا بود: وأنت رأيك أيه؟
ـ محمود بسعادة لأخذها رأيه: أنا رأيي، أنهم برضه جيرانا، والعيال اتربوا هنا وفي القسم، ولو أنت موافقة تسامحي هيبقى بترضية جامدة، وهاشد على اهاليهم يعلموهم الأدب.
ـ نورا بتوتر: لا خلاص خرجهم وأنا مش عايزة حاجة، المهم ميقربوش مني تاني.
ـ محمود بشراسة: وهما يستجروا، والله المرة دي بعمرهم، وكمان مفيش حاجة اسمها مش عايزة حاجة، قلبك الطيب ده مينفعش مع الأشكال دي، هما لازم يتعوروا في مبلغ جامد، أقل حاجة يقوموا بتكاليف فرحنا ويومها كمان يدبحوا عجل لوجه الله على حسابهم.
ـ أمنية بدهشة: مش أنت قلت لي أنا اللي اقرر، وبعدين ده كتير قوي.
ـ محمود بحسم: أيوه تقرري تسامحي ولا لا، لكن أزاي دي بتاعتي أنا.
ـ نورا بعند: يا سلام.
ـ محمود بحسم: يعني لو كنتي عايزة حقك، كنت هاسيبك أنت اللي تروحي القسم، وبعدين أنا مش محتاج حد يعملي فرحي واقدر اعمل ليلة الكل يتحاكى بيها، بس اهل العيال دول لازم يتربوا ويتغرموا غرامة توجعهم جامد قوي.
ـ نورا بحيرة: اشمعنى؟
ـ محمود بقوة: أنا الدنيا جات علي كتير وعلمتني كتير، وأهم حاجة اتعلمتها، اني لو بقيت ناشف انكسر، ولو بقيت طري اتعصر، واحنا لو اتنازلنا بالساهل كده، الكل هيستضعفنا ويستوطى حايطتنا، ويعصرونا بالقوي، لكن لما يدفعوا دم قلبهم عشان يراضونا، هيفكروا ألف مرة قبل مايزعلونا تاني.
نظرت له بدهشة وهي تكتشف هذا الجانب من شخصيته، لا تتصور أنه نفس الشخص الي لطالما استخفت به واهانته، تتعجب كيف لم تنتبه لقوة شخصيته ورجاحة عقله من قبل، رغم إشادة معظم أفراد عائلتها به وخاصة زوج خالتها الراحل، ولكن عندما نضع عقولنا بقوالب جامدة، نحرم أنفسنا من رؤية حقيقة الأشياء، وهي قد وضعته منذ عرفته بقالب اللقيط المنبوذ، الذي يجب أن يتحمل ذنب، كان هو ضحيته الأولى.
ـ محمود بصدق: ست البنات سرحانة في أيه، لو عايزة حقك وحاسة أنك اتسرعتي واتنزلتي، أنا معكي لأخر نفس في، وهاجيبه لحد عندك لو على رقبتي.
انتبهبت من شرودها، على كلماته تلك التي تؤكد خطأ فكرتها الأولى عنه.
ـ نورا بهدوء: لا ابدا، ما تسرعتش ولا حاجة، أنت صح أعمل اللي يريحك.
ـ محمود بسعادة: ربنا يريح قلبك يا نوارة.
******************
بغرفة القبو
ـ محمود بابتسامة: سلامه عليكم، أزيك ياما.
ـ نعمات بلهفة: وعليكم السلام، الله يسلمك، ها رأيها أيه.
ـ محمود بضيق: ريحي قلبك ياما، خلاص هنتنازل واخرجهم.
ـ نعمات تتنفس الصعداء: الحمد لله، والله بت عاقلة.
ـ محمود بضيق: والله ياما على عيني، لو علي أنا كنت اقطعتهم باسناني، بس اللي رماني على المر اللي أمر منه.
ـ نعمات بمهادنة: مر أيه بس يا ابني، المسامح كريم.
ـ محمود بانفعال، المسامحة مش في العرض ياما، دول قطعوا هدومها وعروها في الشارع [بضيق] لكن أنا كمان حمدت ربنا أنها سامحت، خوفت لو مشيت البلاغ، المحامي بتاعهم يطلع الفيديو بتاع القمصان ويفضحها به، وبدل ما الفضيحة كانت على قد الحارة تبقى في كل حتة [بقوة] بس والله على قد ما حرقوا دمي لأحرق قلوبهم على فلوسهم.
******************
ممكن يجي يوم ومحمود يكسب قلب نورا، ومحمود صح ولا غلط في طريقة تفكيره، وهيقدر يجيب لها حقها ولا لا.
اتمنى الحلقة تعجبكم ومستنية رأيكم فيها.
******************

جريمة باسم الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن