الفصل التاسع

4K 216 17
                                    

((الفصــل التاسع))

ركض حاملاً إياها بين ذراعيه حتى بلغ الفيلا وهو مرتبك من رؤية أحدهم له وهي مغشي عليها، حتمًا ستنهال عليه الأسئلة وربما الاتهامات، باحتراز ولج "معاذ" وعينيه تتلفت هنا وهناك خشية مقابلته لأحد مالكي الفيلا، بخفة ورشاقة باشر بصعود الدرج وفي ذهنه قاصدًا غرفتها، عرج للممر المؤدي للغرفة وإذ فجأةً تصطدم به السيدة "حوراء" فانتفض برعب، هتفت السيدة بذهول وهي تراه يحمل ابنتها:
-ماذا بها "دانة"؟
ثم مررت انظارها القلقة عليها فابتلع "معاذ" ريقه في توتر، تلعثم في الرد قائلاً:
-لقد أغشي عليها!
عاودت النظر إليه لتستفهم بغرابة:
-من ماذا؟، لقد كانت بخير قبل خروجها!
بدا عليها عدم الفهم فشرح لها مختلقًا ردًا ما وهو يستجمع كلماته:
-كانت ممتطية الجواد وركض بها، لاحقتها قبل أن تسقط لكنها فقدت الوعي حين أمسكت بها!
تأملت وجه ابنتها بتخوف ثم لامسته بكفها بلطف، أمرته بتلهف:
-هيا تعال للغرفة كي اتفحصها!
أومأ رأسه بامتثال فتحركت هي أولاً ثم خلفها وهو ينفخ بخفوت لخروجه من هذا المأزق...
فور ولوجه الغرفة توجه بها ليضعها بهدوء على التخت ثم ابتعد بعدما ألقى نظرة سريعة ليطمئن عليها، دنت السيدة "حوراء" من ابنتها ثم جلست، نظرت لـ "معاذ" قائلة بتكليف:
-اجلب لي العطر من على المرآة
أطاعها على الفور مرددًا بجزالة أثناء سيره:
-تحت أمرك سيدتي
ثم في لحظات كان جالبًا العطر لها فأخذته منه لتنثر القليل على راحة يدها، قرّبته من وجه "دانة" ثم مررت حول أنفها لتجبرها على الإفاقة فتنملت الأخيرة بعدما أدى ذلك على تأليب حواسها، هتف والدتها بترقب:
-افيقي عزيزتي، ما بكِ؟
شعر "معاذ" أنه بخير حين فتحت عينيها، أخرجت "دانة" أنين خفيض قبل أن ترد بوهن بائن:
-أين أنا؟
-بغرفتك حبيبتي!
نظرت لوالدتها محاولة استيعاب ما يحدث، تنهدت بيأس لتنظر لـ "معاذ" مطولاً وهي تتذكر ماذا حدث؟ فنظر لها بتوجس من كشفها ما حاول فعله، تذكرت "دانة" فتوترت، لكن لم تتجرأ على البوح بذلك، وجهت بصرها لوالدتها قائلة بتردد:
-أنا بخير أمي، لا داعي للقلق
ابتسمت لها والدتها بود ثم قالت بتعطف:
-الحمد لله أنك بخير
ثم ادارت رأسها نحو "معاذ" مستطردة بامتنان:
-لقد أنقذك "معاذ" جزاه الله خيرًا، لولا معاونته لكنت سقطتي من على الجواد
رفعت حاجبيها مستنكرة حديثها ثم نظرت له بظلمة فقد كذب اللعين على والدتها، غمز لها بعينه بجراءة فانزعجت داخليًا من وقاحته، قالت بغموض تفهمه هو فقط:
-بالفعل أمي كدت أن أسقط، لكن لا تخافي عليّ تأديب الجواد كي لا يفعلها ثانيةً........!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

هرع نحو المبنى القاطنة فيه وهو يخرج دخانًا من أذنيه وقد امتلأ غيظًا على الأخير، بغضب مدروس طرق "فؤاد" باب الشقة بكفيه ليحدث ضجيج مقلق لمن يسمعه والتم على أثره بعض الفضولين، تلك الدقات العنيفة جعلت "سوار" تدرك بأنه هو، دلفت من غرفتها ثم أغذت في السير نحو والدتها التي تنتصف الصالة وهي تضم ابنتها برهبة، أمرتها "سوار" بتنبيه:
-لا تفتحي له أمي، دعيه هكذا!
نظرت لها والدتها مرددة برعب حقيقي:
-وماذا سنفعل "سوار"؟، سوف يحطمه علينا، لقد انتهينا!
ثم لمعت عيناها بدموع يائسة، ربتت "سوار" على ظهرها ويدها الأخرى تمسد على رأس أختها، قالت بتأمل:
-لا تقلقي أمي، لن يفعل لنا شيئًا، صدقيني!
قاطعها صراخه الذي هدر به لتهتز أوصالهن:
-افتحي هذا الباب اللعين، أعرف إنكن بالداخل
ابتلعن ريقهن وقد تصبب عرقهن من خوفهن الطاغي، نظرت السيدة "راجية" لابنتها مؤنبة إياها:
-كل ذلك بسبب فعلتك، هيا اعلني عن خطأك أمامه ليكف عما يفعل
رمقت والدتها بنظرة استنكار، هتفت برفض قاطع:
-لا لن أفعل أمي، لن أتزوج به ولن....
ثم صرخن فجأة بهلع حين كسر الباب وقت شحذ الأخير قواه، تراجعن ثلاثتهن للخلف وهن يحتضن بعضهن ونظراتهن تعرب عما يشعرن به، ولج "فؤاد" بطلعته الغاضبة وهيئته المرعبة فاشتد خوفهن، هتفت "سوار" بتحذير:
-لا تقترب منا، هيا اغرب بوجهك اللعين
ضحك بسخرية ثم ردد بنبرة متوعدة انتفضن على إثرها وهو يسير نحوهن:
-لا تقلقي ستجدني رحلت بهدوء، لكن ليس قبل أن آخذ حقي
شدّد من نطقه للكلمة الأخيرة حيث لاح الغموض في حديثه ليتساءلن في أنفسهن ماذا يقصد هذا الأحمق؟، فور أن اقتربت المسافة بينهم صرخن باستغاثة فـ بالطبع سيتطاول عليهن كما اعتقدن، لكن ما حدث هو سحبه العنيف لـ "سوار" من بينهن فدافعت عن نفسها بكل ما بها من قوة ليردد هو بأمرٍ محسوم:
-أنتِ حقي ولن أرحل بدونك!
اهتاجت "سوار" لتردعه عنها ولكن الفظ كان متملكًا منها ليكتف ذراعيها خلف ظهرها وهو يسحبها نحو الخارج وسط اجتهادها في التملص منه وصراخها المتواصل يهتف:
-ابتعد عني
باتت السيدة "راجية" مكتوفة الأيدي وعاجزة عن إنقاذها من براثنه، بينما لم تتحمل "قمر" ما يحدث لأختها فسوف يرحل بها، ترکت والدتها ثم هرعت نحو الباب قبيل دلوفه بها هاتفة بشجاعة وهي تلكزه بقوة من الخلف:
-اترك أختي أيها الوقح
تجاهلها "فؤاد" ثم جاء ليخطو بقدمه للخارج فوجد من يسد عليه الطريق، أحد "فؤاد" النظر باستشاطة لهذا الشخص هادرًا بأمر:
-أفسح الطريق أيها اللعين!
هنا انتبهت "سوار" للشخص ثم تهللت أساريرها حين وجدته لم يتأخر ليلبي نداء استنجادها به، ابتسمت "سوار" باتساع ولسانها يردد:
-"أسيد"!!
خطا "أسيد" بقدمه للداخل لتعبر هيئته المهيبة تلك عن مدى نفوذه وهذا ما جعل "فؤاد" يقلق منه ويترقب ردة فعله، نظر "أسيد" بثقة له قائلاً بحضور ذهن:
-اتركها
ببسمة ساخرة رد "فؤاد" باستهانة:
-ومن أنت لتأمرني؟، هذه خطيبتي واليوم زواجي منها
بنفس هدوءه وثقته المعهودة التي جعلت "سوار" تحبذ زواجها منه رد "أسيد":
-هذه خطيبتي أنا واليوم أيضًا ستصبح زوجتي!
تراقصت دقات قلب "سوار" وهو يقول ذلك وكذلك والدتها التي ابتهجت الآن بعكس عدم قبولها سابقًا، وجد "فؤاد" يده تتراخى عنها رغمًا عنه، أو بالأحرى ليتسنى له الاشتباك مع هذا الرجل ليظفر به فهذا غريمه، ابتعدت "سوار" لتركض نحو والدتها هي وأختها ثم انكمشن في نفسهن على بعد منهما، بنظرة حانقة وجهها "فؤاد" لـ "أسيد" قال باستخفاف:
-دعنا نرى ستصبح لمن!
ثم شمّر عن ساعده معلنًا العراك بينهما، ابتسم "أسيد" باستهزاء أزبد "فؤاد" ليذيع هياجه حين اشتدت نظراته الضروسة عليه، رد "أسيد" بغرور الواثق:
-لنرى!
ثم بحركةٍ مباغتة لكمه "أسيد" بعنف ليشعر "فؤاد" بعدم اتزان حتى سقط أمام قدمي "أسيد"، نظرت له "سوار" ببسمة فرحة وعينيها تتمرر عليه بجراءة معجبة بحمايته لها، في حين لامس "فؤاد" فكه بيده ليتألم ثم أبعدها ليلاحظ الدماء سالت من جانبي فمه، نظر لكفه الملطخ بدمائه هاتفًا:
-دماء!
ثم تأجج وعيده لهذا الرجل الغريب، جاء لينهض ليبادله إياها لكن ركله "أسيد" بعنف في وجهه حتى اجفلت عينا الأخير معربًا ذلك عن فقدانه الوعي وهذا ما حدث، أمام باب المنزل كان يقف بعض الجيران ليتابعوا بتطفل ماذا سيحدث؟، بنظرات ازدراء ردد "أسيد" مخاطبًا إياه:
-وقح
ثم وجه بصره نحوهن ليجد الانشراح والارتياح لاح عليهن، أمرهن بجدية:
-هيا لنذهب من هنا، لن أرحل بدونكن.........!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

لاحقًا، بلغ "أسيد" الفيلا بهن ثم صف سيارته ليترجل منها، شعرت السيدة "راجية" بالحرج في حضورها هنا ولكن إلحاح "أسيد" من دفعها مؤقتًا للقبول، خاصة خوفها على نفسها هي وابنتها الصغيرة من "فؤاد"، ترجلن هن الثلاثة بتردد ممتزج بالتوتر ثم وقفن موضعهن، قال "أسيد" بإطراق لهن وعينيه على "سوار":
-هيا، لما تقفن هكذا؟!
زيفت "سوار" بسمة لكن كانت مرتبكة، ثم سار للداخل فتحركن من خلفه، كانت تتطلع "سوار" حولها وفكرها يلومها على أخذ تلك الخطوة وتعايشها مستقبلاً حتى معه، قالت ذلك حينها لتثأر لأختها فقط، لكن بداخلها أحسّت بالرهبة، اتخذت قرارها بإبلاغه سبب زواجها منه حتى لا يتعشم في مبادلتها له مشاعر ما...

تصلبن فجأة حين ظهر السيد "زايد" ومن خلفه زوجته أمامهن بهيئته التي تدل على نفوره مما يحدث، بصلابة خاطبه "أسيد":
-السيدة "راجية" وبناتها سيعيشون معنا
-مؤقتًا سيدي حتى الزواج!
تدخلت السيدة "راجية" لتصحح حديثه فهي لن تطيل بالمكوث هنا، احترم "أسيد" رغبتها قائلاً لها:
-مثل ما تريدي
وزع السيد "زايد" نظراته الغير راضية عليهن حتى شعرن بقلة قيمتهن وهذا ما أزعج "أسيد"، لمحت السيدة "حوراء" ضيق ابنها فتدخلت لتقول بترحيب لإرضائه:
-تفضلوا للداخل، لدينا العديد من الغرف لاستقبالكم
فرح "أسيد" بحديث والدته وابتسم لها ممتنًا، سبقتهم السيدة "حوراء" لتصعد ثم خلفوها ونظراتهن منخفضة محرجة، كانت أعين السيد "زايد" القاسية على ابنه تلومه، شعر "أسيد" به لذا انتوى إنهاء الأمر، عند صعود "سوار" الدرج خاطبها بحسم:
-جهزي نفسك "سوار" فاليوم زواجي منك!
توقفت "سوار" مكانها وقلبها يدق بشدة، استدارت له بجسدها قائلة بتوتر داخلي فتّاك:
-اليوم!
هز رأسه ليؤكد بجدية قوية اضرمت امتعاض والده:
-أجل "سوار"، اليوم..........!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

تثبّت موضعه حين استمع لحديثها السري مع زوجها السابق حين دلف للغرفة، حيث وقفت "دانة" في الشرفة تتحدث عبر الهاتف مع "حاتم" طليقها، غلى الدم في عروق "معاذ" وهي تشكو له وتؤنب نفسها، ناهيك عن إذاعة شوقها له متمنية عودته، قالت دانة بتنهيدة حزينة:
- لقد مللت "حاتم"، لم استطع أن أسمح لهذا الخادم أن يضع يده علي، لا أعلم لما والدي يصر على ذلك!
تنفس "معاذ" بغضب من نفورها منه، لم ينزعج من شكوتها سوى استباحتها محادثة ما ليس له حق فيها، تابعت لتسعّر غضبه:
-فكرت كثيرًا أن أخبر والدي بكذب بانتهاء الأمر ولينتهي كل شيء لأعود لك، ألم تشتاق إلي عزيزي؟
ثم ابتسمت بتأمل مترقبة أن يتغازل فيها، لكن ما جعل الهلع يتملك منها هو حين سحب "معاذ" الهاتف من يدها ليلقيه من الشرفة ونظراته الحادة تشقها كالسكين ليظهر الخوف في عينيها، أمسك عضدها بقوة وهو يعتصره لتصرخ بألم، هتف بانفعال:
-عديمة التربية، كيف تتجرئي أن تتحدثي معه بهذه الوقاحة وأنت متزوجة؟!
ازدرت ريقها في خوف وتعثرت في التعليل، تابع بصراخ زعزع بدنها:
-أنت عاهرة
-اصمت أيها اللعين
صرخت به ليكف عن نعتها بذلك، اكملت بازدراء:
-ماذا تظن نفسك أيها الخادم، كيف تتجرأ أنت لتحدثني هكذا، أو تمسكني بهذا الشكل؟
قالت جملتها الأخيرة وهي تنفض يده فوصل "معاذ" لقمة غضبه المدروس ليجد نفسه يرفع يده ليهوى على خدها بصفعة اجفلت عينيها للحظات مصدومة متألمة، فقدت اتزانها لكنه ثبتها وهو ما زال يمسك بعضدها، نظرت له بعدم استيعاب واندهاش جم معلنة خوفها منه، هدر بتوعد اصابها بالرهبة:
- ينقصك الكثير من الأشياء، لكن معي أنا ستتعلمينها، وأولها طاعتي يا زوجتي المصون!!...............................
===============================

((عوْف الانتقــام))؛؛ مكتمــلة؛؛ للكاتبة إلهام رفعت Where stories live. Discover now