الفصل الثاني

11.3K 577 16
                                    

نوفيلا "حبهــان"

الفصل الثاني:

-انتي ازاي تخليه يقف قريب منك كده والباب مقفول !
هتف بعروق بارزة وكأنه على وشك التهامها حية من فرط الغضب والغيرة التي تمزق أحشاؤه، وبصوت عالي دون اهتمام بالمارين في الخارج لكنها فعلت وقالت من بين أسنانها:
-افندم، لا ثانية واحدة أنت بأي حق تكلمني كده؟
سألت مدهوشة من الغضب المشع من مقلتيه السوداويتان، فأقترب خطوة دون تفكير عكستها هي للخلف وهو يُصرح بخشونة:
-بحق إن في رجالة في المنطقة واللي بتعملي ده ميعجبش حد.
رفعت سبابتها امام وجهه في حزم دون اهتمام بتقدمه وقالت بشراسة:
-ألزم حدودك، انت ازاي تتجرأ وتلمح بكلامك السخيف ده، ثم أنا عملت أيه لكل الكلام ده؟
-عملتي انك قفلتي عليكي مكان انتي وواحد مش محترم.
-اولا مش انا اللي قفلته الباب ده بيفضل مفتوح دايمًا، ثانيًا ما يخصنيش محترم او محترم انا مش بعمله كشف هيئة المهم انه زبون بيطلب أكل وخلاص!
-طالما ملكيش في الشغل ومتعرفيش توقفي زبون عند حده يبقى خليكي في بيتكم ربي بنتك أفضل!
كانت في حالة من الذهول للاعتيادية والثقة المنبثقة من كلماته وكأنه يملك الحق في التحكم بحياتها وتصرفاتها.
-سبق وقولت إلزم حدودك ومش عشان أنا ست ومطلقة كل واحد يسمعني كلمتين ملهمش داعي.
-ما هو عشان أنتي مطلقة مينفعش ابدًا تدي لحد الفرصة انه يكلمك كلمتين.
قرصت أنفها بتفكير مصطنع قبل أن تبعد عيناها عنه مشيرة للباب بتهكم جلي:
-شكرًا على النصيحة، حضرتك تقدر تحتفظ بيها لنفسك.
اقترب مرة أخرى وتلك المرة شعرت بأنفاسه تصدم أعلى وجهها وكأنه ينفث نارًا توشك على حرقها، فاحمرت وجنتها في خجل لقربه الذي يشبه القمر.. كلما اقترب اكثر زاد وهجه القوي إنارة في ظلمتها التي أحكمت زمامها، ثم هتفت في محاولة للسيطرة على رعشة امتلكت جوارحها:
-ممكن متقربش مني كده!
-يا سلام مقولتيلهوش الكلمتين دول ليه!
قالها مندفعًا بعصبية ولم يخفى عنه ذاك التوتر الذي جعل منها ورقة في مهب ريح غضبه، فأكمل متمتمًا :
-المرة الجاية مش هعديها بالساهل وحطي كلامي حلقة في ودانك ودخلي الشعر اللي طالع من الطرحة ده !
قال اخر كلماته وهو يشير لخصلتها المتمردة، ثم رمقها بنظرة حادة أخيرة من أسفلها لأعلاها وتركها ندفعًا نحو الخارج يتمتم بسباب وقد تغير مزاجه مائة وثمانون درجة.
ترى كم سيتحمل بعد قبل أن ينفجر كتمانه معلنًا  عشقًا اصبح كالسقم في جسده لها أو أسوأ، وقبل أن يطفح به الكيل من سكان تلك المنطقة ومعتقداتهم التي بهتت في ثنايا ذهنها لتتركها ناقمة على بني جنسه ويختطفها هي وطفلتها الرائعة.
أو ربما سينتظر ويترك لها الوقت حتى يأتي رجل أخر يسرقها منه من جديد أو أسوأ يبدأ الرجال في مضايقتها والتحرش بها ..!
أوقف هذا التفكير تقدمه وأشعل رأسه بأفكار مجنونة ولم يشعر بنفسه سوى وبقدميه تتحرك وتعود به مرة أخرى نحو محل عملها ورائحة "الحبهان" الرائعة سبقت رؤيته لها لتسيطر على أنفه وتجذبه لها كالسحر.
دلف فهد مرة أخرى واتخذ خطوات متحفزة نحوها ثم ثبت نظرهُ الثاقب بنظرتها المتسائلة وقال:
-خلاص نخلي من حقي.
-نعم؟
(أنت بتقول أيه!! بصوت وأداء محمد رمضان 🤣💔)
تساءلت في عدم فهم لما يخرج من فمه عاقدة حاجبيها فأجابها في ثقة وتحدي وهو يعقد ذراعيه معًا:
-اتجوزيني!
-اتجوزك !! لا طبعًا أنا مش بتاعت جواز.
شلت الصدمة عقلها فردت ببلاهة دون تفكير، ليعقد ذراعيه في غضب رافضًا التزحزح من أمامها وسأل في تهكم:
-يا سلام ومالك مخضوضه ليه كده اومال بتاعت ايه، شغل حلق حوش في المحلات !!
-شوف يا ابن الحلال ياللي مشوفتش ثانية، ثانية واحده تربية.
كتم اعتراضه عندما أحس أنها ستكمل حديثها وبالفعل استطردت بنبرة مكتومة توقع أن مصدر خنقتها ذلك الماضي الذي لازال يسلسل حاضرها..!
-أنا جربت الجواز وعارفة إن بختي فيه زفت ومن الآخر مطلعتش منه غير ببنتي ومش بفكر في الموضوع ده تاني !
انهت جملتها في ضيق وقد تسارعت أفكار تدعوها للذعر والخجل بمختلف الاتجاهات داخل عقلها فأقترب خطوة منها وتابـع بجمود:
-ده كلام فارغ ميدخلش عقل حد عاقل !
-الله بقولك مش عايزة اتجوز هو عافية؟
هدرت بها مذهولة وقد استنفرت كل خلية بجسدها، ليستكمل متسائلا بنفس البرود المستفز:
-خلاص اديني سبب مقنع، ترفضيني بتاع ايه؟!
ضحكت في سخرية ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها واخبرته:
-هو الأستاذ براد بيت ولا حاجة، عادي برفضك وخلاص مش محتاجة مبرر.
اقترب حتى صار لا يفصلهما سوى شعره من الهواء، وكأنه قرر استخدام تعويذة قربه المُربكة والتي تبطل وجود عقلها الذي يستفزه، وطالب:
-اديني أسباب، ايه عيبي؟
فلوس ومعايا الحمدلله، شغل وبشتغل، بنتك وبحبها وهي كمان بتحبني...
أشار إلى جسده في فخر وقال بوقاحة وغرور:
-شكل ومتناسق ومتقارنيش بيني وبين براد بيت عشان هو خاين وأنا راجل بجد.
كادت تنطلق الحروف بعنف من بين شفتاها لتوبخه فقاطعها رنين هاتفه، فرفع هو اصبعه امام وجهها قبل ان يجيب :
-ألو... طيب أنا جاي إياك تمشي.
اغلق الهاتف ثم أردف مؤكدًا:
-انا عندي مشوار وراجعلك اياكي تقفلي الا لو عايزاني اطلع اكلمك عند امك وشوفي بنتك فين مش برا!
-مش مستنيه حد أنا، وبنتي مع امي فوق ودي كمان حاجة متخصكش، ومش هكررها خليك في حالك يا فهد عشان تصرفي مش هيعجبك.
حرك كتفيه بتحدي دون اهتمام ثم أبتسم في مكر مؤكدًا:
-حلو أنا كمان بقول أكلم أمك على طول واهو خير البر عاجله.
ذهب وتركها تكاد تنفجر من أفعاله تلك، حياتها أبشع من أن تتحمل مغامرات جديدة، زفرت في تعب فقرار الزواج مرفوض تمامًا فهي لن تضع رقبتها مرة أخرى تحت رحمة رجل يرتوي من شبابها وروحها.
فمنذ طلاقها وهي متخذه القرار بأن تعيش لذاتها ولطفلتها فقط ولكن هؤلاء الرجال يحومون حولها بلا توقف لأغراض تمقتها وجميعهم راغبين في نهشها ومبررهم في ذلك عقيم متمثل في لقب "مطلقة".
جلست خلف المنضدة الزجاجية وجسدها لا يزال يرتعش من قربه، يجب ان تتعلم السيطرة على أفكارها والثبات أكثر فـ فهد شاب في مقتبل عمره ولم يسبق له الزواج وبالتأكيد يخادعها هو الآخر مثله مثل غيره وحتى إن صدق فقرارها واحد وهو الرفض....!
*****

نوڤيلا " حبهان " بقلم/ رحمة سيد & دينا إبراهيمWhere stories live. Discover now