الفصل السادس عشر

14.8K 386 9
                                    

رن الجرس في منزل رحمة ففتحت الباب لتضحك بارتياح لم تعرفه منذ زمن بعيد قبل أن تهتف بحنان:
_عزيز!! افتقدتك يا ابني!!
فتحت له ذراعيها كعادتها لتفاجأ به يلقي رأسه على كتفها بإنهاك وهو يضمها بقوة احتىاج استشعرته أمومتها بصدق...
فربتت على ظهره برفق وهي تسأله بقلق:
_ما الأمر يا عزيز ؟!!أنت لا تبدو بخير!!
ظل صامتاً للحظات قبل أن يرفع وجهه نحوها ليبتسم قائلاً بمرارة:
_على العكس...أنا في طريقي لأكون بخير!
انعقد حاجباها بقلق وهي تغلق الباب خلفه لتجذبه من كفه نحو الأريكة حيث ضمته لحضنها وهي تجلس جواره لتهتف بجزع:
_ماذا حدث؟!هل تشاجرتَ مع زوجتك؟!
أطرق برأسه دون رد للحظات...
قبل أن يتجاهل سؤالها ليسألها باهتمام:
_لقد مررتُ عليكِ هنا بالأمس ولم أجدكِ...وهاتفكِ كان مغلقاً...أين كنتِ؟!!
تلون وجهها بمشاعر شتى وهي تجيبه بصوت متهدج:
_كنت عند ...ماسة!!
اتسعت عيناه بصدمة قبل أن يبتعد عنها بجسده ليسألها بتشتت وسط انفعاله:
_وكيف عرفتِ مكانها؟!!هل اتفقتِ أنتِ الأخرى مع أبي؟!!
تنهدت بحرارة وهي تربت على كتفه قائلة بهدوء :
_ماسة أخبرتني عما فعله والدك ...هو من سعى لإبعادها عن هنا إلي قصر عاصي الرفاعي...لكنني بالطبع لم أكن أعلم شيئاً عن هذا.
ثم أردفت بإشفاقٍ أمام الألم الذي غزا ملامحه:
_وكم أود الآن لو أشكر أباك على فعلته...عاصي الرفاعي هو الرجل الذي كنت أتمناه بحقٍ كزوج لها.
اشتعلت ملامحه بغضبه وهو يهتف بانفعال :
_بالطبع...عاصي الرفاعي القوي الجبار المتسلط هو الذي يليق بماسة...لكن عزيز الضعيف المتخاذل لا يستحق سوى أن يعيش عمره نادماً عليها!!!
انعقد حاجباها بقلق ممتزج بالدهشة من لهجته العاصفة التي لم تعتدها...
بينما أشاح هو بوجهه صامتاً للحظات...
قبل أن يقول باقتضاب:
_أنا طلقت ميادة!
شهقت بجزع وهي تضع كفها على صدرها هاتفةً باستنكار:
_طلاق؟!!! لماذا يا ابني؟!
كز على أسنانه وهو يلتفت إليها ليهتف بحزم:
_لقد ذهبت إلى أبي وواجهته بما علمته...وتخليتُ له عن كل ما منحه لي...الشركة والسيارة ورصيد البنك..
ثم صمت لحظة ليردف ببعض التهكم المرير:
_والعروس الفاخرة التي انتقاها لي!
هزت رحمة رأسها باستنكار ممتلئ بحسرتها وهي تهتف بحدة:
_وزوجتك ما ذنبها؟!! هل سحبتك مغمض العينين للمأذون دون إرادتك؟!!لماذا تحمّلها هي ذنب ضعفك؟!!
قام من مكانه ليقف هاتفاً بسخط:
_أنا لم أحملها ذنب شئ...هي تزوجت عزيز شاكر ابن المليونير...صفقتها الرابحة كما كانت دوماً تزعم...والآن لم أعد أنا كذلك...لقد تركتُ له كل شئٍ بإرادتي...وسأبدأ من جديد هنا معكِ أنتِ...وهي لن تحتمل شيئاً كهذا!!
استغفرت الله بصوت مسموع وهي تقوم بدورها لتربت على كتفه محاولةً كظم غيظها ....
ثم قالت له محاولةً احتواء انفعاله العاصف:
_اجلس هنا وأخبرني بالتفصيل عما حدث...حتى أعطيك رأيي.
زفر بضيق وهو يطرق برأسه قبل أن يستجيب لدعوتها فيجلس جوارها مخبراً إياها بتفاصيله ...
صدمته برؤية ماسة بعد كل هذا الفراق ليجدها قد تزوجت...
وليتها تزوجت رجلاً طيباً يطمئن عليها معه لكنها تزوجت رجلاً هو مضرب الأمثال في القسوة والتسلط...
ومواجهة ماسة العاتبة له على ضعفه وتخاذله...
وبعدها مواجهة ميادة له بنفس الحقيقة مع استهزائها وقسوة كلماتها...
والتي تبعتها بمفاجأتها عن أن والده هو الذي كان خلف كل هذا...
ساعتها لم يشعر بنفسه وهو يرغب في التمرد على كل شئ...
حتى على نفسه هو!!!!
لهذا ما كاد يلقي عليها يمين الطلاق حتى اندفع نحو منزل والده ليواجهه بما عرفه...
والده الذي انفعل علىه بحديثه ليخبره أنه لازال غراً ساذجاً يحتاج لمن يوجهه وأنه لم يفعل هذا إلا لمصلحته...
لكن عزيز الذي كان قد فاض به الكيل واجهه وقتها بكل ما في صدره من سخط وألم...
ليس بسبب ماسة فحسب بل بسبب الماضي كله....!!!!
ليتركه بعدها وقد عزم على قراره الأخير...
سيختار لنفسه بدايةً جديدة بيده هو هذه المرة...
لا كما يريدها له أي أحد!!!
بينما كانت رحمة تستمع إليه بمزيج مختلف من مشاعرها المتخبطة...
بقدر ما هي سعيدة لأنه تحرر من قيود أبيه التي طمست شخصيته طوال عمره...
بقدر ما هي حزينة لأجله ولأجل تلك التي ظلمها دون سبب...
لهذا ربتت على كتفه برفق لتقول بعد تفكير :
_طالما الأمر كما تقول...فلماذا حرمتَها حق الاختيار؟!!لماذا حكمت وحدك على علاقتكما دون أن تسمع رأيها؟!!
ابتسم ساخراً ليرد بتهكم:
_وهل تظنينها تقبل أن تأتي لتعيش هنا وتبدأ معي من تحت خط الصفر بعيداً عن أموال السيد شاكر؟!!
ابتسمت رحمة وهي تومئ برأسها لتقول بحكمة:
_لا تحكم على أحد قبل أن تمنحه لحظة اختيار حر...وقليلةٌ هذه اللحظات في حياتنا...قليلةٌ حقاً لكنها فارقة!!
أشاح عزيز بوجهه وهو يحاول التفكير في كلماتها...
عندما اصطدمت عيناه بصورة ماسة مع عاصي ليلة زفافهما معلقةً على الجدار...!!!!
ليجد نفسه دون وعي يتقدم نحوها بخطواتٍ بطيئة وروحه تكاد تكذّب عينيه فيما تراه...!
هذا هو المكان الذي اختاره مع ماسة يوماً ليعلقا عليه صورة زفافهما يوماً ما كما كانا يحلمان...
فتشاء الظروف أن يتحقق الحلم ...
بنفس العروس ونفس الثوب ونفس الصورة على نفس الجدار...
لكن....دونه هو!!!
فيالخسارته...عندما يتحول الحلم إلى كابوس!!
لكن رحمة تقدمت منه وهي تلاحظ تعلق بصره بالصورة لتربت على ظهره قائلةً بحنان ممتزج بشفقتها:
_لا تنتظر قطاراً فاتك موعده...لقد مضت في طريقها ...وانتهى الأمر.
أومأ برأسه صامتاً للحظات...قبل أن يكرر عبارتها بحسرة مختنقة بألمها:
_وانتهى الأمر!
تنهدت رحمة بحرارة وهي تشعر بقلبها يكاد ينفطر حزناً عليه...
لكن عزاءها أن انتفاضته التي خلفت كل هذا التمرد ستصنع منه رجلاً جديداً...
رجلاً تفخر بأنه ابنها حقاً...
وليس مجرد كيان مهمش يتوارى خلف أستار أبيه...!!
لهذا ابتسمت ابتسامة حقيقية مفعمةً بالارتياح عندما التفت هو نحوها ليهمس بصوت متعَبٍ رغم حزم عبارته:
_أنا أحتاج للنوم الآن...وأعدكِ أن أفكر في كلامك.
===============
بدلت ميادة ملابسها وهي تستعد للخروج ....
الألم لا يحتمل هذه المرة وتلك الحقنة "اللعينة" التي طلبتها من الصيدلية جوارها لم تعد تحدث مفعولها القديم...
ويبدو أنها تحتاج للذهاب للمشفي لكنها لا تريد أن تشعر والدتها بشئ...

ماسة وشيطان   Où les histoires vivent. Découvrez maintenant