حتى يغيروا ما بأنفسهم

19 4 0
                                    


  
حتى يغيروا ما بأنفسهم  :

ربط اللهُ عز وجل تغييره سبحانه للأحوال بتغيير الناس لأنفسهم، فلو عادوا إليه أنعم عليهم، ولو بَعُدوا عنه سحب منهم النعمة.

أحيانًا لا يأخذ اللهُ عز وجل بعضَ الظالمين بسرعة كما يتمنَّى المظلومون؛ لأن المظلومين -وإن كانوا مؤمنين- فإنهم يرتكبون أخطاءً غير مقبولة شرعًا؛ خاصة إن كانوا يُمَثِّلون الإسلام، فلو رفع اللهُ سبحانه الظلمَ؛ فإن الناس يعتقدون أنَّ طريقة المظلومين كانت صائبة، وهي ليست كذلك، فيكون الأمر فتنة لهم، وتعريفًا خاطئًا بالإسلام، وسيبقى المظلومون على مخالفاتهم الشرعية، وهذا يضرُّهم في الدنيا والآخرة.

وحَلُّ المُعضلة يكون بمراجعة المظلومين لأحوالهم على الكتاب والسُّنَّة؛ فإن كانوا على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الظلم الواقع بهم يكون ابتلاءً يحتاج للصبر، وإن كانوا على غير طريقته صلى الله عليه وسلم عَدَّلوا المسار، وعادوا إلى الله، وعندها يُغَيِّر اللهُ الحالَ بكُن فيكون.

وقد ربط اللهُ عز وجل تغييره سبحانه للأحوال بتغيير الناس لأنفسهم، فلو عادوا إليه أنعم عليهم، ولو بَعُدوا عنه سحب منهم النعمة؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].

روى الرواة أنه في العام 1432هـ والعام 1433هـ وأعوام عديدة قبلها حدثت في العالم الإسلامي مظاهر غريبة جداً احتار الرواة في كيفية تفسيرها! ومن تلك المظاهر: •• قتل آلاف المسلمين!! على مدى عشرة أشهر!! في أحد بلدان المسلمين!! وهي سوريا، والروايات تؤكد أنهم آلاف وليسوا آحاداً أو عشرات أو مئات، والغريب الذي لا يكاد يصدق أن أمة الإسلام كان عددها قرابة المليار والنصف، ومع ذلك لم تتحرك لإيقاف هذا القتل الرهيب الحادث لإخوانهم. •• بينما المسلمون يقتلون في سوريا وغزة ودماج اليمن وغيرها كانت قنوات مرئية عربية تقوم ببث أفلام لا عن الجهاد والاستعداد له، ولكن عن الحب والهوى والعشق! ويظهر في هذه الأفلام والمسلسلات نساءٌ بتبرج كبير جداً، بل كن كاسيات عاريات، ويظهر في هذه الأفلام من صور المجون المحرمة مع الرجال ما لا يكاد يتوقعه عقل إنسان مسلم. ولا نعلم هل نسوا أن الإسلام لا يرضى ظهور امرأة ولو بأقل درجات التبرج أمام الرجال فكيف بكل هذه الصور الماجنة المحرمة؟ ولا ندري كيف مُيِّع تمسك الأمة وكيف حدثت هذه الجرأة على الله ببث كل هذه المحرمات التي كان يشاهدها الملايين من المسلمين؟ ثم لا يُدرَى كيف رضوا بهذه المظاهر التي فضلاً عن حرمتها وإثمها الشرعي فإنها لا تتناسب مع ما كان يعيشه إخوانهم المسلمون وقتها من قتل وذبح وتشريد وتنكيل وأسر وتعذيب وانتهاك أعراض وحرمات. •• وبينما كان أطفال المسلمين يذبحون في سوريا كانت توجد محطات إذاعية غنائية بإمكانيات كبيرة تبث أغاني الحب والغرام والميوعة!! •• بينما المسجد الأقصى أسيرٌ في ذلك الوقت منذ عقود بل ومهدد بالهدم، كان هناك من يقيم مسابقات ضخمة للغناء والطرب لتشجيع شباب وشابات شعوب الأمة على ذلك!! •• ويبدو أنه فات على عديد من المسلمين أن من أهم أسباب عجزهم عن إنقاذ إخوانهم المذبحين المعاصي ومن ينشرها في الأمة، فنصر أمة الإسلام وعودة عزها وقوتها مرتبط بمدى تمسكها بدينها ومحاربتها للمنكرات وسيرها على منهج الله في كل أمور حياتها. •• مما لا يكاد يصدق أن صحف المسلمين كانت تشارك في الدعاية لهذه المحرمات والمسلسلات المختلطة الماجنة ومسابقات الأغاني بإعلانات عديدة ومتكررة!! •• مما يتعجب منه أيضاً في تلك الفترة أن هذا الإلهاء بما يضيع المسلمين كان حاصلاً في وقت كانت فيه الأمة بشكل عام متأخرة كثيراً في جوانب القوة المادية والعسكرية مقارنة بما وصلت إليه بلاد العالم الأخرى بما فيها بلاد الكفر المحاربة للمسلمين، والأصل أن ذلك الوقت يعتبر وقت طوارئ سواء بسبب ما يتعرض له المسلمين من قتل وتنكيل أو بسبب هذا التأخر الكبير عن ركب العالم المتقدم في ذلك العصر. •• بينما المسلمون يعانون من كثير من مظاهر الاضطهاد والتشرد والفقر والحاجة والعوز بل والمجاعات التي يموت فيها عشرات ومئات الآلاف؛ كان هناك من يبذر أموال الأمة في دعم المطربين والمطربات وفناني وفنانات أفلام المجون والمحرمات وبرامجهم بمئات الملايين. وكان العديد من المسلمين يبذرون الكثير من الأموال في ترفيه ولهو بينما إخوانهم يموتون جوعاً في أقطارأخرى! •• وبغض النظر عن عدم ملائمة تلك المظاهر مع الواقع في ذلك الوقت، يستغرب جداً الرواة كيف رضيت وتهاونت الأمة بهذه المظاهر من المنكرات التي كانت تُعرض وتُشاهد في منازل ودور مئات الملايين من المسلمين، .. أنسيت عظمة الله؟ وهل نُسِيَ الخوف منه سبحانه؟ وهل نُسي أن العظيم الجليل يغضب من إصرار الأفراد والمجتمعات على ما لا يرضاه خاصة ما تكون فيه مجاهرة لله أمام رؤوس الأشهاد بلا خجل ولا وجل منه. بل حتى أنه أصبح من كثرة انتشاره والتساهل به كأنه ليس من المنكرات التي لا يرضاها الدين. ولا شك أنه حدث في عصور أخرى تقصير من المسلمين في بعض مظاهر المعاصي ولكنها لم تكن بمثل هذا الانتشار والمجاهرة والإصرار كما حدث في هذا العصر الذي نتحدث عنه، ولا شك أن هذه المظاهر وبالطبع غيرها من مظاهر التقصير في حق الله كانت من أسباب ذلك الضعف والهوان والتخبط والذل والعجز الذي عاشته الأمة في ذلك العصر. وقد كانت موجودة في نفس ذلك العصر مظاهر خير ورجوع وصلاح في الأمة ولكن للأسف كان إفساد أهل الشرور ظاهراً ومنتشراً وهو ما أخر رجوع وصلاح حال الكثير من الأمور في الأمة وأدى إلى تأخر تحقق الحفظ والنصر والتمكين في ذلك العصر. ••

كي لا يستمر الهوانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن